المطروح حاليًا، مبادرة هي العاشرة من نوعها من المنصة السويسرية برعاية أمريكية سعودية لجمع الطرفين العسكريين، بعد أن نجحت القاهرة في بلورة مؤتمر للأطراف السياسية حضره غالبية القوى والرموز السياسية السودانية.
الجديد أنه بالتوازي مع المبادرة الأمريكية السعودية المشتركة، فإنّ هناك مجهودًا في جيبوتي تحت رعاية كل من الجامعة العربية ومنظمة إيغاد، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجانب الرياض وواشنطن، بشأن دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان عبر مناهج جديدة أكثر تماسكًا، من أهمها "التنسيق بشأن الاستجابة لقضية توحيد الجهود وضمان تكامل المبادرات للسلام بما يضمن نتائج تعزز بعضها البعض".
عناصر التعقيد ترتبط بالاعتقاد أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال
وذلك عبر نهج منسق متعدد الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تم دعم منصة سويسرا والإشادة بالجهود السابقة عليها، والتعهّد بمواصلة جهود التنسيق الدولي والإقليمي بشأن الأزمة وذلك في مؤتمر يعقد في نيويورك سبتمبر/أيلول القادم.
هذا المشهد الدولي والإقليمي بشأن السودان والذي توافق على فكرة التنسيق لا الصراع يملك عددًا من المعطيات التي يجب أن تبحثها الأطراف السياسية الداخلية في السودان لتحدد كل منها خارطة طريق، إما للالتحاق بالمجهود الراهن أو الخروج من المعادلة بالكلية، وعدم ضمان استمرار دولة السودان.
أولًا: أنّ تعقيد الأزمة السودانية قد فرض الاعتراف بكل الأطراف العسكرية والسياسية ومن هنا نشأت الدعوة للتنسيق وتدشين مناهج جديدة.
ثانيًا: أنّ منهج تنسيق المبادرات هو عودة لما طرحته القاهرة في يوليو/تموز ٢٠٢٣ من ضرورة الأخذ بمصالح جميع الأطراف الإقليمية دون عزل لأي طرف مهما كانت الأسباب المرتبطة بالموقف الدولي من هذا الطرف أو ذاك.
ثالثًا: أنّ لكل من القاهرة والرياض وأبو ظبي أدوارًا قائدة في هذا المشهد في المنصات المختلفة، وبالتالي فلا طريق أمام أي طرف داخلي سوداني إلا بوضع هذه الحقيقة نصب عينيه والتعامل معها.
وإذا كان وقف إطلاق النار في السودان هو هدف إقليمي ودولي فهو غير معزول أبدًا عن مجمل معادلة اليوم التالي للحرب التي من المطلوب بلورتها في هذه المرحلة رغم حالة التعقيد المحيطة بها، ذلك أنه دون التوافق على عملية ومعادلات سياسية سودانية داخلية فلا سبيل لوقف إطلاق النار.
المعضلة الرئيسية حاليًا أمام استكمال ضفيرة المجهودات المجمعة لوقف الحرب السودانية هي موقف الجيش السوداني الذي يتسم بحالة من التعقيد عبّر عنها ببيان صادر من الخارجية السودانية بشأن مبادرة السلام في منصة سويسرا.
عناصر التعقيد ترتبط باعتقاد مرتبط بالذهنيات العسكرية عامة أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض، مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال، وإذا كانت هذه المقولة صحيحة في الاستراتيجيات العسكرية فهي تخالف الواقع السوداني الذي عوّدنا على التفرّد والتعقيد وذلك للأسباب التالية:
- أنّ الشرعية السياسية والدستورية للجيش محفوظة ومرتبطة بالمصالح الإقليمية والدولية في منطقة ملتهبة على الصعيد الجيوسياسيي. من هنا فإنّ وزن الجيش محفوظ على مائدة التفاوض وهو مرهون بأدوار مستقبلية محجوزة له كجيش قومي للسودان، دون أي تحالفات سياسية، وهي الأمور التي تعطيه وزنه على مائدة المفاوضات رغم الخسائر العسكرية.
- أنّ انتهاكات "قوات الدعم السريع" ستخفض من وزنها التفاوضي رغم سيطرتها على أراضٍ لن تستطيع أن تحكمها حتى عن طريق أي حليف سياسي بسبب الضرر في مساحة الأمن الشخصي الذي لحق بالسودانيين، حيث ثبت عن طريق الممارسة عدم الأهلية في ممارسة الحكم لهذه القوات.
- أنّ الشعب السوداني يريد إيقاف الحرب، وأنّ مقاومة هذه الرغبة تحت أي مبررات أو مزاعم لا تلقى لا قبولًا ولا ترحيبًا .
- أنّ ملكية بيوت الناس فعلًا مهددة بالحيازة الحالية من المعتدين عليها، وفي حالة امتداد الحيازة بسبب استمرار العمليات العسكرية دون قدرة على الحسم النهائي في توقيت مقبول فإنّ عودة تلك الملكيات صارت غير مضمونة.
هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري
- أنّ العالم والإقليم سوف يتعاون مع الجيش السوداني في حال التمسّك بالأداء المهني وليس السياسي في ترتيب الأوضاع الداخلية، بما يمهّد لاستقرار السودان ومشاركة الجميع على الصعيد السياسي بلا استثناء.
وطبقًا لما سبق فإنّ هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري والانطلاق نحو آفاق قد تحقق خيرًا للسودان والسودانيين.
(خاص "عروبة 22")