قبل بضعة أسابيع دانت هيئة محلفين في نيويورك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بكل التهم ال34 التي سبق توجيهيها إليه. وعلى الرغم من إصراره على نفي التهم الثقيلة، وتأكيد براءته، أكد أن الحكم الحقيقي عليه ستفرزه أصوات الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
برزت خلال هذه الأجواء، الكثير من المواقف والآراء التي تقلل من حظوظ ترامب في الظفر بولاية رئاسية جديدة، باعتباره أول رئيس أمريكي سابق يدان جنائياً، وقد يتعرض للسجن في حال ثبوت هذه التهم.
حقيقة أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية لا يمنع أصحاب السوابق العدلية من الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث تقتصر الشروط الدستورية في هذا الخصوص، على بلوغ المرشح 35 عاماً على الأقل، وأن يكون مواطناً بالولادة، ومقيماً في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل، لكن البعض اعتبر في حينه أن هذه المحطة ستؤثر سلباً في المستقبل السياسي لترامب.
وبعد ذلك ببضعة أسابيع، نجا الرئيس ترامب من طلقات نارية استهدفته، وأصابته في أذنه، من قبل شاب أمريكي يبلغ من العمر عشرين سنة، لأسباب ما زالت مجهولة، وكان الرئيس السابق حينها يحضر تجمعاً انتخابياً في ولاية بنسلفانيا، ويبدو أن الرصاصة التي كادت تنهي حياته، قد تحمله إلى البيت الأبيض مرة أخرى، بعدما حرص على تحويلها إلى فرصة لإثبات ذاته، حيث برزت خطابات المؤامرة في أوساط مناصريه الذين أكدوا أن الحادث يعكس رغبة خصومه في القضاء على منافس شرس وقوي، فيما اعتبر آخرون أن الأمر مجرد تمثيلية حاكها ترامب لإنعاش حظوظه في هذه الاستحقاقات.
وفي الوقت الذي كانت الحملة الانتخابية تجري على أشدها، أعلن الرئيس الأمريكي جو باين وبشكل مفاجئ عن قراره بالانسحاب من المنافسة، معتبراً أن قراره هذا، سيكون في صالح الحزب والبلاد، مشيراً إلى أنه سيركز على الوفاء بواجباته والتزاماته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المتبقية من ولايته، مع الإعلان عن دعمه لنائبته كامالا هاريس ذات الأصول الإفريقية الآسيوية، كمرشحة عن الحزب الديمقراطي.
أضفت هذه التطورات طابعاً من التشويق على السباق نحو الرئاسيات، وأثارت الكثير من ردود الفعل داخل الولايات الأمريكية وخارجها حول ما إذا كان الطريق أصبح معبداً أمام ترامب لولوج البيت الأبيض ضمن ولاية رئاسية جديدة، حيث اعتبر هذا الأخير أن هزيمة هاريس ستكون أسهل بكثير، مشيراً أيضاً إلى أن ولاية بايدن كانت الأسوأ في تاريخ أمريكا.
يقلّل البعض من حظوظ ترامب في الظفر بولاية رئاسية جديدة، بالنظر إلى أن هاريس التي قدّمها «بايدن» في انتظار موافقة الحزب على ذلك، راكمت تجربة سياسية مهمة (العضوية بمجلس الشيوخ، المدعي العام لولاية كاليفورنيا، ونائبة الرئيس بايدن..)، وكان أداؤها كنائبة للرئيس بايدن جيداً، كما أن سنها (59 عاماً) هو أقل بكثير من سن ترامب (78 عاماً) ما سيمكنها من تجاوز خطاب خصمها المنتظر بشأن صحة الرئيس الحالي الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، علاوة على إمكانية جذب كثير من النساء الأمريكيات إلى حملتها، فيما اعتبر الكثير من المراقبين أنها تمثل الخيار المناسب لأجل تجاوز المأزق السياسي الراهن الذي أحدثه الخروج المفاجئ لبايدن من حلبة السباق، حيث سيتم تحويل التبرعات المتحصل عليها في سياق حملته الانتخابية لحساب حملتها.
وبالإضافة إلى ذلك، فهي تحظى بدعم عدد من النخب السياسية داخل الحزب الديمقراطي، رغم أن البعض لم يخف تحفظه إزاء أدائها كنائبة للرئيس بصدد عدد من الملفات كالتمييز العنصري. لا شك أن بإمكان هاريس أن تحقق نتائج أفضل من الرئيس الحالي، بالنظر إلى هذه الاعتبارات، لكن ترامب بدوره سيسعى من جانبه إلى توظيف كل الأوراق التي يملكها في سبيل العودة مجدداً إلى البيت الأبيض.
إن مأمورية هاريس التي وعدت بأنه ستحرص على توحيد الحزب الديمقراطي، في سياق كسب الانتخابات وهزيمة ترامب و«أجندته المتطرفة»، لن تكون سهلة بالنظر إلى ما ينتظرها من جهود على مستوى تعبئة أنصارها، وبلورة برنامجها، وإقناع الجهات المانحة، كما أن ترامب الذي عاد بقوة إلى الواجهة بعد المناظرة غير الموفقة التي شارك فيها بايدن وبدا في نظر الكثيرين خلالها أن أحواله الصحية لا تؤهله لتحمل تبعات ولاية رئاسية ثانية، رغم تأكيده غير ما مرة أنه أهل لتحمل المسؤولية، وبعد المحاولة الفاشلة لاغتياله، وحتما سيعمل على التقليل من أهمية حصيلة بايدن ونائبته، وبخاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة والاقتصاد والسياسة الخارجية..
كل المؤشرات تشير إلى أن هذه الانتخابات ستكون مشوقة، وستحظى باهتمام الرأي العام الأمريكي والدولي بالنظر إلى مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي، وبالنظر إلى الموقع الذي يحظى به الرئيس الأمريكي في هرم السلطة بالبلاد، ويظل الأمر المؤكد هو أن الفائز فيها هو من سيدير حملته الانتخابية باحترافية، ويقنع الأمريكيين ببرامج واقعية في فترة داخلية ودولية تطرح معها الكثير من الأسئلة والتحديات.
(الخليج الإماراتية)