واصلت الصحف العربية الصادرة اليوم مواكبة مستجدات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، على وقع حالة من التوتر الشديد على مستوى المنطقة برمتها، بعد عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت والعاصمة الإيرانية طهران. فالجميع يترقب الردود التي من الممكن أن تحصل على هذا التصعيد من قبل "حزب الله" وإيران، بالإضافة إلى إمكانية أن يقود ذلك إلى ردود جديدة من قبل تل أبيب. مع العلم أن ما حصل طرح مجموعة كبيرة من الأسئلة حوله، تبدأ من مصير المفاوضات الهادفة إلى وقف إطلاق النار في غزة، ولا تنتهي عند دور الولايات المتحدة المفترض فيما حصل، بل تشمل أيضاً الخروقات الأمنية الكبيرة لدى الحزب وطهران.
في هذا السياق، أعلن نائب رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة خليل الحيّة أن الحركة وإيران لا تريدان حرباً إقليمية، في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، لكنه لفت إلى أن "هناك جريمة يتعين معاقبة مرتكبها". كما أكد أن "لا حديث عن مفاوضات في ظل الدماء"، بعدما وضع اغتيال هنية المفاوضات على المحك، لافتاً إلى أن رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "هو الذي عطّل التوصل إلى اتفاق". بينما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين، أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أصدر أمراً بضرب إسرائيل بشكل مباشر. في وقت نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، عن مسؤول بالبنتاغون، أن الولايات المتحدة حشدت 12 سفينة حربية في الشرق الأوسط.
بالتزامن، ذكرت وكالة "مهر" الإيرانية، مساء الأربعاء، أن المستشار العسكري الإيراني ميلاد بيدي قتل في الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية مساء الثلاثاء. وأشارت إلى أن المستشار العسكري الإيراني كان متواجداً في جوار المبنى الذي كان فيه القيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر. في وقت أعلن "حزب الله" رسمياً وفاة شكر، لافتاً إلى أن الموقف السياسي من الاعتداء سيعبر عنه الأمين العام حسن نصر الله خلال التشييع الخميس.
في هذا الإطار، أشار رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى أن إسرائيل نفذت "ضربات قاضية" خلال الأيام الماضية ضد ما أسماهم وكلاء إيران، متحدثاً عن حركة "حماس" و"جماعة الحوثيين" في اليمن و"حزب الله" في لبنان. كما أكد أننا "جاهزون لأي سيناريو وضد كل التهديدات وسنكبّد كل من يهاجمنا ثمناً باهظاً"، قائلاً: "لم ولن أخضع لأي ضغوط تتعلق بإيقاف الحرب والأمر لم يكن سهلاً". بينما أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن التزام بلاده "بأمن إسرائيل" راسخ "بما في ذلك الدفاع عنها ضد التهديدات الإيرانية"، قائلاً: "نركز على سد الثغرات التي لا تزال قائمة في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة".
من جانبه، دان مندوب إيران بمجلس الأمن ما وصفه بالعمل الإرهابي الإسرائيلي باغتيال هنية، معتبراً أنه ما كانت إسرائيل لترتكب هذه الجريمة دون دعم استخباراتي من الولايات المتحدة، مؤكداً أنه "لا يجوز السماح للنظام الإسرائيلي بالتهرب من المسؤولية عن انتهاكاته". بينما نددت كل من روسيا والصين والجزائر وإيران، خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الأربعاء، بعملية الاغتيال التي استهدفت هنية، فيما دافعت الولايات المتحدة عن إسرائيل، وجددت تأكيدها أن لا علاقة لها بالاغتيال، وسط تحذير أممي من التصعيد في المنطقة.
بدوره، رأى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن "نهج الاغتيالات السياسية والتصعيد المقصود ضد المدنيين في غزة في كل مرحلة من مراحل التفاوض، يدفع إلى التساؤل كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل من يفاوضه في الوقت ذاته؟". وأشار إلى أن "السلام الإقليمي والدولي بحاجة لشركاء جادين وموقف دولي ضد التصعيد والاستهتار بأرواح شعوب المنطقة".
على مستوى التطورات الميدانية في غزة، أعلنت وزارة الصحة ارتفاع حصيلة العدوان إلى 39445 شهيداً و91073 إصابة، لافتة إلى أنه وصل إلى مستشفيات القطاع 45 شهيداً و 77 إصابة خلال الـ 24 ساعة الماضية. بينما استشهد مراسل قناة "الجزيرة" في القطاع الصحافي الفلسطيني إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي، بقصف إسرائيلي استهدفهما قرب منزل هنية.
في الضفة الغربية، نفذت القوات الإسرائيلية، ليل الأربعاء-الخميس، حملة مداهمات واقتحامات واسعة في عدد من المدن والبلدات، تركزت على أسرى محررين وعلى كوادر من "حماس". والأربعاء، اندلعت مواجهات بين الفلسطينيين من جهة والقوات الإسرائيلية والمستوطنين من جهة أخرى في العديد من المناطق. فيما عمت تظاهرات العديد من القرى والمدن تنديداً باغتيال هنية، كما عمّ الإضراب الشامل محافظات الضفة. بينما أقدم مستوطنون، فجر اليوم، على إحراق مركبات فلسطينية في قرية برقا شرقي رام الله وبني نعيم شرقي الخليل.
على هذا الصعيد، رأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن إغتيال هنية عملية إرهابية بامتياز، لأنه شخصية سياسية، ليس له علاقة بالعمل العسكري، ولا يُسجل عليه أنه متورط بأي عمل قتالي، ولذلك لم تتمكن أجهزة المستعمرة والولايات المتحدة حليفتها وشريكتها في تقديم التكنولوجيا وتقنية أجهزة التجسس، من المباهاة بالعملية، أو الافتخار أو حتى الايحاء أنها قتلت شخصية "إرهابية".
بينما لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن قادة إسرائيل ربما يعتقدون أن مواصلة سلسلة الاغتيالات سوف تردع الأطراف الأخرى وترعبها، إلا أن هذا تفكير قاصر، لأن هذه الاغتيالات أوجدت حلقة خبيثة من الانتقام والانتقام المضاد، وعليهم في تل أبيب أن يدركوا أن هذه الدائرة الجهنمية لن ينجو منها أحد، ولا إسرائيل نفسها، وبطبيعة الحال، فإن المنطق يحتم إعادة التفكير لأن التصعيد لن يكون في صالح أحد، وسوف يضر بمصالح الجميع، بمن فيهم القوى العظمى نفسها.
بدورها، اعتبرت صحيفة "الشروق" الجزائرية أن المقاومة الفلسطينية ستعرف كيف تثأر لهنية، لكنّ ينبغي أن الانتباه إلى أنّ معرفة مكان إقامته بدقة في مبنى يخضع لحماية الحرس الثوري الإيراني شمال طهران واغتياله هناك، وقبله بساعات قليلة استهداف ثاني رجل في "حزب الله" بضاحية بيروت، يؤكّد أنّ هناك اختراقاً استخباراتياً صهيونياً وأميركياً وغربيا كبيراً لإيران و"حزب الله" معاً، وعليهما تدارك الأمر في أقرب وقت.
بينما لفتت صحيفة "الشرق" القطرية إلى أن اغتيال هنية، يعكس السلوك الإسرائيلي المستهتر والسياسة المتهورة لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي تواصل جرائمها الشنيعة التي تجاوزت كل حدود، دون حساب لعواقب هذه الأفعال التي من شأنها جر المنطقة بأكملها نحو الفوضى والانفجار الإقليمي الشامل.
وأشارت صحيفة "اللواء" اللبنانية إلى أن تطورات الأربع والعشرين ساعة الأخيرة وضعت المنطقة على فوهة بركان قابل للإنفجار في أية لحظة، بسبب تهور نتنياهو وحكومته المتطرفة في تصعيد التوتر، وشن هجمات تتجاوز قواعد الإشتباك، بل وتطيح بكل الخطوط الحمراء التي كانت ترسم خطاً فاصلاً بين المواجهة العسكرية المحدودة، وبين الإنزلاق إلى حرب شاملة.
من جانبها، اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن المنطقة خرجت من مرحلة التهدئة إلى مرحلة التصعيد، ودفعتها حكومة نتنياهو إلى حافة البركان، بانتظار رد الفعل على عمليتي بيروت وطهران، مشيرة إلى أن سياسة التصعيد الإسرائيلية خطرة بكل المقاييس، لأنها تؤجّج الصراعات، وتضع المنطقة أمام مخاطر مواجهات قد تؤدي إلى تدخلات، إقليمية ودولية، في حال تدخلت الولايات المتحدة لمصلحة نتنياهو، وحكومته.
ورأت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن ما فعلته إسرائيل هو تكريس معادلتها لوحدة الساحات، وقد فعلت ذلك خلال ساعات، باستهداف الضاحية، ومحافظة بابل في العراق، وطهران، علماً بأن ذلك لا ينفصل عن استهداف الحديدة باليمن قبل حوالي أسبوعين.
(رصد "عروبة 22")