هل الولايات المتحدة الأمريكية منحازة لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين وبقية الشعوب العربية؟.
السؤال لم يعد مطروحا خصوصا منذ بداية العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة في ٧ أكتوبر الماضى.
الجميع بات يدرك هذه الحقيقة ويراها ويلمسها عمليا في كل وقت وحين.
لكن مع كل هذا الانحياز فهناك نفاق رسمي أمريكي غير مسبوق يحاول إيهام بعض البسطاء والسذج بأن هناك خلافات واختلافات ومواقف أمريكية انتقادية لإسرائيل، والأخطر أن هناك بعض العرب ما يزال يصدق هذا الكلام.
آخر وأحدث أنواع هذا النفاق والخداع والتضليل كان تقرير سربه موقع أكسيوس الأمريكي مساء يوم الجمعة الماضي ومضمونه أنه آخر مكالمة للرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت صعبة ومحبطة ومليئة بالتهديد، وأن بايدن لم يكن راضيا، وطلب من نتنياهو التحرك «الآن وفورا» لإتمام اتفاق الهدنة في غزة لإطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار.
وعلى عهدة مسئولين أمريكيين اثنين فإن بايدن حذر نتنياهو من التصعيد في المنطقة، وأنه إذا أصر على التصعيد، فعليه ألا يعتمد على دعم واشنطن، لكن نتنياهو رد عليه بأن إسرائيل تتحرك طبقا لمصالحها وحاجتها الأمنية.
أكسيوس قالت أيضا في تقريرها إن إدارة بايدن محبطة من الاغتيالات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل، وإن نتنياهو أخفى خططها عن واشنطن، ولم يخبرها بالنوايا الإسرائيلية خلال زيارته الأخيرة، وإن بايدن في هذا اللقاء رفع صوته عاليا وأشار بإصبعه مطالبا نتنياهو بسرعة إتمام اتفاق الهدنة خلال أسبوع أو أسبوعين، وأن حماس تريد الاتفاق، وعلينا إتمام ذلك بسرعة حتى لم يكن الاتفاق مثاليا.
ما سبق هو ملخص ومضمون تقرير أكسيوس الذي تناقلته معظم وسائل الإعلام العربي ليلة الجمعة الماضية، ومن الواضح أن من يقرأ هذا التقرير، وليس لديه فهم كامل وواع لطبيعة الصراع والمواقف الأمريكية الفعلية منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن قد يعتقد أن السياسة الأمريكية موضوعية وعادلة وأن بايدن يريد وقف العدوان فورا، لكن المشكلة تكمن في تعنت نتنياهو والمتطرفين من حوله.
لكن المفارقة أنه حتى الانحياز الأمريكي لم يعد يتم بصورة احترافية كما كان يحدث كثيرا في الماضي.
هو صار فجا وفاضحا ومكشوفا، بحيث لا ينطلي حتى على الأطفال.
على سبيل المثال فإن الكلام أو النفاق أو التضليل الوارد في تقرير أكسيوس كان يقابله في نفس التوقيت أفعال على الأرض يصعب تجاهلها.
إسرائيل اغتالت رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وهو المفاوض الرئيسي في مفاوضات الهدنة، وقبلها بساعات اغتالت فؤاد شكر الرجل الثاني في حزب الله، وبعدها بساعات، أعلنت تأكدها من اغتيال الرجل رقم ٢ في كتائب عز الدين القسام محمد الضيف.
هذه الأفعال الارهابية تمت بعد أيام قليلة من عودة نتنياهو من واشنطن ولقائه مع بايدن وخطابه أمام الكونجرس حيث تم استقباله هناك استقبال الأبطال.
الكثيرون اعتبروا هذه السياسات تمت بضوء أخضر أمريكى، لكن واشنطن أعلنت أنها لم يتم إخطارها بذلك.
وهو تصريح كنا نتمنى أن نصدقه، أو نصدق تقرير أكسيوس، لو أن الإدارة الأمريكية أرفقت ذلك بتحركات وقرارات وأفعال تطابق هذا الكلام. لكن الذى تم على أرض الواقع هو أن الرئيس الأمريكي تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وأكد له التزام أمريكا الدائم بحماية أمن إسرائيل، ووزير الدفاع لويد أوستن أمر القوات الأمريكية بالتحرك دفاعا عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم، وأن بلاده سترسل كل ما تحتاجه إسرائيل من أسلحة، بل إنه حرك المزيد من حاملات الطائرات والسفن والمقاتلات إلى منطقة الشرق الأوسط خصوصا أنظمة الدفاع الجوي لضمان المساهمة في حماية إسرائيل من أى هجوم إيراني متوقع ردا على جريمة اغتيال هنية أو شكر.
منذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة فى ٧ أكتوبر الماضي كان الانحياز الأمريكي سافرا وشريكا أصيلا في العدوان، لكن بعضنا للأسف مايزال يصدق أن التصريحات الأمريكية المنافقة صحيحة، أو أن واشنطن تسعى فعلا لوقف العدوان.
(الشروق المصرية)