اقتصاد ومال

تقييم تحويلات العمالة في العالم العربي: الأرقام وتأثيراتُها

ما لا يقل عن 33 مليون عربي يعيشون خارج أوطانهم، مع بقاء 44% منهم داخل المنطقة العربية وقرابة 80% من هؤلاء يتواجدون في دول مجلس التعاون الخليجي، حسبما تشير التقديرات، وكما كنا قد أشرنا في مقال سابق حول وضع العمالة العربية.

تقييم تحويلات العمالة في العالم العربي: الأرقام وتأثيراتُها

يُنظر إلى المهاجرين عمومًا بشكل إيجابي، خصوصًا إذا حافظوا على علاقاتهم مع بلدانهم الأصلية بحيث ينقلون الأفكار والاستثمارات والتقنيات الجديدة كما يرسلون الأموال. لكن ما مقدار الأموال التي يرسلونها؟ وما هو تأثيرها؟ هذا ما سنتطرق إليه في هذا المقال.

في عام 2023، تلقى العالم العربي 55 مليار دولار أميركي من تحويلات العمالة، أي ما يقارب 6.4% من الإجمالي العالمي و8.4% من الإجمالي للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. إلا أنّ المثير للاهتمام هو أنّ تحويلات العمالة العربية في عام 2023 كانت قريبة من تلك التي تلقاها العالم العربي في عام 2019 عند 57 مليار دولار أميركي. بعبارة أخرى، ظلت التحويلات راكدة إلى حد كبير، ومع ذلك، اتبعت تحويلات العمالة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط اتجاهًا تصاعديًا، مرتفعة من 548 مليار دولار أميركي في عام 2019 إلى 656$ مليار دولار في 2023.

يمكن أن تخلق تحويلات العمالة اتكالية يكون لها تأثير سلبي على الحوافز وأن تزيد الاستهلاك بدلًا من الاستثمار

يشير هذا إلى أنّ المهاجرين والمغتربين العرب، على الرغم من تزايدهم، ربما بدأوا في إدارة ظهورهم لبلدانهم الأصلية. بالطبع، هذا ليس احتمالًا واعدًا لكنه ليس مفاجئًا أيضًا إذا أخذنا في الاعتبار الهياكل الاقتصادية والسياسية غير المستقرة في دول عربية عديدة[1].

في ما يتعلق بالبلدان كل على حدة، فإنّ مصر تتلقى أكبر قدر من تحويلات العمالة بقيمة 19.5 مليار دولار أميركي، تليها المغرب ولبنان بقيمة 11.8$ مليار دولار و6.7$ مليار دولار على التوالي. ومع ذلك، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، يأتي لبنان في المرتبة الأولى بنسبة 30.7%، ثم فلسطين بنسبة 18.8% والأردن بنسبة 8.8%. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ النسبة المرتفعة في لبنان منحازة إلى الأعلى بسبب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي نتيجة أزمته المالية الحادة.

في الواقع، أكبر المتلقين للتحويلات (مصر والمغرب) هما من بين أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، بحيث يبلغ عدد سكانهما 115 مليون نسمة و40 مليون نسمة على التوالي، يعني أنه من حيث نصيب الفرد من التحويلات تتلقى مصر 170 دولارًا أميركيًا فقط بينما تتلقى المغرب حوالى 300 دولار أميركي. وعليه، لا تُظهر هذه الأرقام المنخفضة أنّ تحويلات العمالة في العالم العربي لا تتزايد فحسب بل أيضًا أنها قد لا تكون كبيرة بما فيه الكفاية أصلًا!

تقودنا الملاحظة أعلاه إلى سؤال مهم: هل هذه التحويلات المحدودة نسبيًا أمر جيّد أم سيّئ؟ عادةً ما يتم الإشادة بتحويلات العمالة لتأثيرها الإيجابي على الاستثمارات والناتج المحلي الإجمالي، وأسعار الصرف وميزان المدفوعات، وأوجه التآزر والتبادل الاقتصادي بين البلدان المضيفة والبلدان الأصلية. ولكن من الناحية السلبية، تعكس تحويلات العمالة هجرة الأدمغة، ويمكن أن تخلق اتكالية يكون لها تأثير سلبي على الحوافز، وأن تزيد الاستهلاك بدلًا من الاستثمار.

من الممكن أن تكون تحويلات العمالة المحدودة نسبيًا في العالم العربي نعمة مقنّعة

وربما الأسوأ من ذلك كلّه، يمكن أن تسمح التحويلات للاقتصاد بالتخبط بدون الحاجة المُلحّة للإصلاحات. في الواقع، تُظهر الأدلة من لبنان أنّ تأثير تحويلات العمالة على الاقتصاد كان محايدًا إلى حد كبير على الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات، ما يعني أنّ أي فائدة مفترضة قد أُبطلت بسبب التأثير السلبي[2].

وتظهر دلالتان هامتان من التحليل أعلاه:

أولًا: إنّ ركود تحويلات العمالة يعني أنّ المهاجرين في العالم العربي ربما بدؤوا بقطع جسورهم مع بلدانهم الأصلية. ونظرًا لأنّ معظمهم من الفئة المتعلّمة فإنّ تحسّن الآفاق الاقتصادية والسياسية وحده القادر على إبقائهم أو إغرائهم بالعودة. بالطبع، لبنان مثال جيّد على ذلك، فقد انخفضت تحويلات العمالة فيه من 7.2 مليار دولار أميركي في عام 2019 إلى 6.7 مليار دولار أميركي في عام 2023 في الوقت الذي شهدت فيه البلاد تدفقًا مكثفًا من أفواج المتعلّمين إلى وجهات أجنبية مستقرة.

ثانيًا: من الممكن أن تكون تحويلات العمالة المحدودة نسبيًا في العالم العربي نعمة مقنّعة، من حيث أنها لم تعد قادرة على دعم نظام اقتصادي وسياسي سيّئ، وبالتالي فإنّ محدوديّتها تساهم في الحثّ أو المساعدة على إحداث تغييرات هيكلية حيوية.. ولكن يجب عدم المراهنة على ذلك!.



[1] ما يكمن وراء هذا الواقع هو أن العالم العربي تلقى 30 مليار دولار أميركي من المساعدات الإنمائية الرسمية  (ODA)  في عام 2023، مقابل 52 مليار دولار أميركي فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر!

[2] عازار، س. وآخرون، 2020. "نموذج IS-LM-BP للبنان"، المجلة الدولية لبحوث التمويل والاقتصاد، كانون الثاني (يناير) (رقم 177).

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن