وجهات نظر

المشكلة لا تقتصر على نتنياهو فقط!

إنّ تكاثر الكلام الإعلامي يمينًا وشمالًا، والتركيز على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بإعتباره هو وحده المشكلة في عدم وقف الحرب في غزّة، يحول دون وعيّ جذور أزمة القضية الفلسطينية، ويعكس الجو السياسي والتحاليل اختزالًا وتبسيطًا لما أصبح يعتري الأوضاع من تعقيدات تقف عثرة أمام إمكانية أي حل سلمي وتغيير جذري في الصراع.

المشكلة لا تقتصر على نتنياهو فقط!

لم يتعلّم العالم الكثير بعد من قواعد اللعبة الصهيونية البشعة، التي تحاول أن تقضي على الفلسطينين بشكل نهائي، وما زالت سارية لقرن بمنظور القتل والإبادة والتهجير الديموغرافي.

التركيز على نتنياهو، هو وسيلة سهلة لإلهاء العالم عن حقيقة أن الحرب في غزّة هي حرب إسرائيل كلها وليست حربه وحده على الفلسطينيين. فالمشلكة لا تكمن بشخصيته الخطرة والمراوغة فحسب، بل في الناخبين الإسرائيليين، وخصوصًا فيما يتعلق بالسياسات المعتمدة بشأن فلسطين وغزّة على وجه الخصوص.

التمييز بين حكومة نتنياهو والشعب الإسرائيلي هو تمييز مضلّل يخطئ الهدف

الآلاف من الإسرائيليين الذين خرجوا أكثر من مرة إلى الشوارع لا يحتجّون على الحرب، باستثناء حفنة صغيرة، ولا يطالبون بإنهاء الحرب أو إحياء السلام، ولا يرفضون قتل دولتهم لأعداد غير مسبوقة من المدنيين (أكثرمن 40 ألف فلسطيني/نصفهم من الأطفال والنساء)، أو القيود التي تفرضها على دخول المساعدات الإنسانية ما أدى إلى مجاعة جماعيّة في غزة، بل إنّ المستوطنيين واليمنييين المتطرفين يذهبون أبعد من ذلك من خلال تعمّد منع المساعدت من الدخول إلى القطاع.

من المؤكد، أنهم لا يتذرعون بالحاجة إلى وقف الاحتلال العسكري الذي دخل عامه الخامس والسبعين لفلسطين، إنما هم يحتجون في المقام الأول على إحجام نتنياهو عن ابرام صفقة الرهائن في وقت باتت تنفجر السجون الإسرائيلية بالمعتقلين الفلسطينيين.

التمييز الذي يقيمه بعض الإعلام والديمقراطيون في الولايات المتحدة الأميركية بين حكومة نتنياهو والشعب الإسرائيلي، هو تمييز مضلّل، يخطئ الهدف، ويتجاهل حقيقة أنّ اليهود الصهاينة قاموا منذ فترة طويلة بتعزيز نظام الاحتلال العسكري وتجريد الفلسطينيين من أرضهم ومن إنسانيتهم. ينطبق الأمر على الجماعة الحكوميّة المتشددة وعلى الأعضاء الآخرين في حكومة الحرب، الذين غالبًا ما يتم تصويرهم كثقل سياسي موازي أو بدائل لنتنياهو. بل إنّ وزير دفاعه يوآف غالانت، هو الذي فرض حصارا كاملًا على غزّة ، حيث لا كهرباء، لا وقود، لا طعام، وكل شيء يتم إغلاقه، والرئيس الإسرائيلي نفسه اسحق هرتسوغ، هو الذي ألمح ضمنًا إلى أنّ سكان غزّة كانوا كلهم هدفًا مشروعًا، عندما قال في بداية الحرب إنّ هناك "أمّة بأكملها مسؤولة عن طوفان الأقصى".

التركيز على نتنياهو، يتجاهل أيضًا الانحراف نحو اليمين في الجسم السياسي، الذي نتج عنه التطبيع بين العنصرية والقوميّة اليهودية، وهو ما يتجلى في تغطية وسائل الإعلام للحرب، ونادرٍا ما تظهر معاناة الفلسطينين، ونادرًا ما يتحدث الصحافيون العسكريون أو يدققون في تقارير الجيش عن الأحداث والمجازر. كما أنه يجري تجاهل حقيقة أنّ الإسرائيليين ما زالوا يظهرون في الخدمة الاحتياطية على الرغم من عدم ثقتهم في قيادة نتنياهو ودوافعه. وعلى الرغم من العدد الكبير من القتلى والجرحى أو الإجهاد النفسي، فإنّ أمهات الجنود لا يحتج أي منهنّ على استمرار الحرب.

الإسرائيليون بمجملهم يرفضون أي تنازلات تجاه الدولة الفلسطينية حتى كجزء من صفقة التطبيع

لن يعني تغيير القيادة بالضرورة تغييرات ذات مغزّى في السياسة، ومن غير المرجّح تبني سياسات تختلف جوهريًا عن السياسات القائمة.

عام 2019 تباهى بيني غانتس في مقطع فيديو لحملته الانتخابية بإعادة "غزّة ولبنان إلى العصر الحجري" خلال فترة ولايته كرئيس أركان للجيش. والآن يترأس ونتياهو عملية الغزو وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني. كما أنه يرفض الإعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية.

الإسرائيليون بمجملهم يرفضون أي تنازلات تجاه الدولة الفلسطينية، حتى كجزء من صفقة التطبيع بينهم وبين العرب، كبديل عن عدم الاستقرار الطويل والاحتلال المدمّر، ولوقف العزلة عن العالم والحفاظ على بعض الشرعيّة الدوليّة. ومن المشكوك فيه، ما إذا كانت فكرة السلام عندهم واقعية. ومن شبه المؤكد أنّ الحرب ستستمر ومعها المزيد من التصعيد الإقليمي على خلفية أنّ منسوب دعم "حل الدولتين"، ناهيك عن الحقوق الأساسية للفلسطينين والحرية وحق تقرير المصير، قد انخفض بين صقوف اليهود الإسرائيليين في السنوات الأخيرة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن