بصمات

كيف تحوّل حلم الشباب العربي إلى الهجرة؟

سعيد علي نجدي

المشاركة

بعد ملاحظة ظاهرة طارئة نتيجة الحروب في المنطقة والاقتتال الطائفي والأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة وانعدام الأمن، وتشريد الالاف من الناس وآلاف القتلى والجرحى، والهروب من البؤر المتفجرة والنزوح صوب أوساط ليست أفضل بكثير من الناحية السياسية والاقتصادية فضلًا عن التمييز العنصري والأوضاع اللاإنسانية لهؤلاء النازحين، أتى السؤال الاستشكالي: إلى أي حد وصل هؤلاء الناس إلى أن يدفعوا بأنفسهم إلى هذا الكم من الخطر؟ أي إلى هذه الدرجة لم يعد يملك هؤلاء الناس أي بديل حتى يقوموا بهذا الفعل؟.

كيف تحوّل حلم الشباب العربي إلى الهجرة؟

لذلك أتت الرغبة في تسليط الضوء على الموضوع لكي نستخرج منه ما هو غير ظاهر، ولكي تتكوّن الرغبة في العمل على الموضوع بحثيًا حتى يتم القطع مع الاجابات الشائعة، لتتحوّل الدراسات إلى دراسات علمية من خلال ميادين العلوم الاجتماعية من دون سلطان المنظمات الدولية، إنما من الداخل، بشكل كاشف لمعاينة أهم المدلولات الاجتماعية لهكذا أفعال.

من هنا، فإنّ هذا المقال هو تحريض جدي خصوصًا أنه موضوع يضعنا أمام تساؤلات حول الأنساق المجتمعية للعديد من الدول العربية (ليبيا، مصر، سوريا، السودان، لبنان ..إلخ) حتى تتكوّن لدينا بعض المؤشرات، ومعرفة النسب الأكبر من الفئات العمرية والجندرية والإثنية والقومية وغيرها التي تلجأ إلى هذا الفعل. وهذا يكون بالاستئناس بالادوات والمفاهيم التي تساعد على الفهم.

بالتأكيد، لا يشمل موضوع الهجرة هذا، الشأن الفلسطيني، وذلك لأنّ الانسان الفلسطيني هجرته ذات طابع قسري بفعل الطرد والتنكيل والإبادات المستمرة، من قبل العصابات الصهيوينة، منذ النكبة الأولى وحتى الآن.

هل سيبقى في استطاعة أجيال اليوم العيش من دون حرية أي الخوف الدائم من التعبير عن الآراء

على مستوى الأسباب الذاتية لكتابة المقال حول الموضوع، أتت الرغة في معرفة ما الذي يدفع بأشخاص إلى أن يعرّضوا حياتهم إلى الخطر برمي أنفسهم في عرض البحار، ونسبة النجاة ضئيلة جدًا، وإلى أي حد من اليأس قد وصلوا حتى يقوموا بهذا الفعل، ألهذه الدرجة لا يوجد بديل حتى يقوموا بهذا الفعل، أي الهجرة الغير شرعية عبر البحر، وقد رأينا الكثير من الصور التي تظهر سفن الغرقى.

هذا يعود إلى نسبة الشعور الكبيرة بالنبذ المستحوذة على هؤلاء الأشخاص، بمعنى أنهم مرفوضون في أوساطهم المجتمعية، وهذا احتمال إضافة إلى الأسباب السياسية والمعيشية والأمنية، ربما هذه مؤشرات ومدلولات تسعف وتغني الموضوع، بالإضافة إلى البُعد الإنساني كمحرّك بعد رؤية الأطفال والنساء والشيوخ الملقى بهم على الشواطئ.

والسؤال الأهم، هل أصبح حلم الشباب العربي هو الهجرة، نظرًا إلى عدم توفر أي بيئة صالحة لتحقيق الطموح والأحلام، وخصوصًا أنّ أجيال اليوم، نظرًا إلى إنفتاحها على العالم، هل سيبقى في استطاعتها العيش من دون حرية، أي الخوف الدائم من التعبير عن الآراء، لأنّ الإنسان لا يحيا فقط بالخبز إنما أيضًا بالشعور أنه حر، وأنه غير مراقب وملاحق باستمرار.

على مستوى الأسباب الموضوعية، أتى الموضوع لمعاينة الحقل والابتعاد عن الأحكام المعيارية والقيمية، وللوقوف على عتبة جميع المحددات التي يفرزها هذا الحقل، وهذا يتطلب عملًا ميدانيًا والاستعانة بكل الأدوات المعرفية للعلوم الإنسانية التي تساعد على الفهم في تفسير الموضوع، فموضوعنا يندرج تحت ميدان الدراسات الإنسانية، وكما أنّ للبعد المعيشي دورًا ربما، فإنّ للأبعاد غير الاقتصادية أيضًا أدوار رئيسية ويجب عدم تغليب وإعطاء سيادة لمحدد على آخر.

هذه الهجرات تخفي وراءها شيء أكبر حول أوطاننا التي تحوّلت إلى أوطان مجزّأة

من هنا، إلى أي حد نحن بحاجة لهكذا أنواع من دراسات، حتى نكشف أكثر عن كينونة الأنظمة السياسية والعقلية التي يُدار فيها الفعل السياسي، بالإضافة إلى العقلية التي تسَيّر شؤون المؤسسات والإدارات، التي في أحيان كثيرة تؤدي بالمواطنين إلى التخلي عن الهويات الوطنية، وهذا بفعل السياسات الممارسة من محسوبية واستنسابية، وتبقى خطورة الموضوع في الاستعداد الدائم لنشوء انتماءات خارجية على حساب البُعد الوطني.

كم نحن بحاجة إلى أن نلفت النظر إلى أنّ هذه الهجرات تخفي وراءها شيء أكبر، حول أوطاننا وأحوالها والتي في كثير من الأحيان تحوّلت إلى أوطان مجزّأة، لا يكون فيها من مشروع سوف الحروب الأهلية والنكبات، والناس بطبيعة الحال من خلال هذه الدراسات، لا بد من استخراج المفاهيم المغايرة منها، من خلال مفهوم الانتماء، والهوية، والوطنية، وغيرها من مفاهيم، شرط عدم إعطاء وصفات جاهزة، إنما من خلال الناس وحركتها وشعورها الجماعي، الذي في عدة أحيان هو شعور محبط، يختزن القهر وفقدان الكرامة الإنسانية.

ما يهمنا هو الدراسة من الداخل لهذه المجتمعات، والأهم أن تكون بشكل محايد نوعًا ما، لا أن يُفرض عليها أي وجهة من وجهات البحث إن كان من سلطان المؤسسات الدولية من الخارج التي تغلب شيئًا لغايات في نفسها، أو من سلطان النخب السياسية الداخلية والتي أيضًا تحاول أن لا يطالها البحث. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن