قضايا العرب

كيف وضع "ديناصورات السياسة" ليبيا على مسار "الدولة الفاشلة"؟

لا تزال "الديناصورات السياسية"، التي تحكم المشهد الليبي، مصرة على البقاء فى مقاعدها، محتفظة بالسلطة والثورة والسلاح، ذلك "الثالوث" الذي طالما سعى العقيد الراحل معمر القذافي على مدى 42 عامًا إلى السيطرة عليه وإقناع الليبيين بأنه متحقق فى جماهيريته، التي انهارت عام 2011، مخلفة فوضى عارمة ودولة فاشلة، تعاني حربًا أهلية وانقسامات سياسية وعسكرية بلا حدود.

كيف وضع

متحف الديناصورات، الذي تأسس في مدينة نالوت شمال غرب ليبيا عام 2007، كأول متحف متخصص في تاريخ الديناصورات، يبدو أنّ أبوابه فُتحت قليلًا، لتتسلل بعض مقتنياته بطرق ملتوية إلى المسرح السياسي، على نحو مثير للجدل.

كانت ستيفاني وليامز، الديبلوماسية الأمريكية والقائمة السابقة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة في ليببا، أول من وصف بعض الساسة الليبيين، بـ"الكائنات المنقرضة"، التي طورت نفسها لتعيش في بحر من الفساد على مدى السنوات الـ13، التي تلت إسقاط نظام القذافي ومعه الدولة الليبية.

وبينما لا زالت البعثة الأممية، تدير بنجاح الأزمة الليبية عبر سلسلة من الاجتماعات، التي لا تنتهي، إلا كي تبدأ، وباتفاقيات يتم خرقها بمجرد إبرامها، فقد غابت القضايا الرئيسية، مثل الانتخابات المؤجلة في البلاد لانتخاب رئيس وبرلمان جديد للدولة، وملف الجيوش الأجنبية المتمركزة في ليبيا، وتتعايش في سلام مع الميليشيات المسلحة، التي حولت غرب البلاد إلى معمل تجريبي للفوضى المنظمة.

 لهذا، تبدو ليبيا دولة فاشلة وغير قادرة على الإطلاق على الاعتناء بنفسها، رغم إنتاجها النفطي المميز والاعتراف بأنها لا يمكن أن تكون كذلك، باختيارها ولا إرادتها ولكن بالتآمر عليها.

من وجهة نظر أمريكية بحتة، فإنّ ليبيا منذ 2011 تقريبًا هكذا، على الرغم من أنّ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، أعلن عام 2016، أنّ ليبيا قريبة من التحول إلى دولة فاشلة، خلال جلسة استماع بالكونجرس الأمريكي.

ولاحقًا، اعتبر أعلى مسؤول عسكري أمريكي في أفريقيا، أنّ ليبيا باتت "دولة فاشلة"، بسبب  الإخفاق فى إعادة إحياء الدولة، وتطاحن الليبين وتمزق المجتمع وانعدام المؤسسات الحكومية.

وساهم الغياب المتواصل لسيطرة الحكومة المركزية، في استدامة العنف وازدهار المنظمات المتطرفة، ما يعطي وجاهة للقول بأنّ ليبيا ليست دولة فاشلة، ولكن مؤجلة حاليًا بتآمر دولي وأيدٍ داخلية.

وخلافًا لما حدث بعد ثورتَي تونس ومصر، حيث استمرت الدولة بعد سقوط النظام، نظرًا لتجذر إرث الدولة المركزية، فمع سقوط النظام في ليبيا انهارت وتفككت الدولة بكل مؤسساتها، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، كاشفةً بجلاء ضعف نظام القذافي وغياب الدولة خلال فترة حكمه.

وانزلقت ليبيا نحو الحرب الأهلية، بعد تمترس القوى السياسية، وراء المليشيات المسلحة والعمق القبلي، وسقوط الحل بيد القادمين من الخارج.

الصراع على الغنائم ونهب ثروات البلاد، هو العقلية التي دفعت ليبيا لأن تكون على هذا النحو، بعدما فرض انتشار المليشيات العسكرية ورفض الولاء لمؤسسة الجيش واقعًا جديدًا لتصنيف ليبيا ضمن الدول الفاشلة كونها باتت تمتلك مقوّماتها ومؤشراتها.

بنى  القذافي، دولته على شخصية القائد الحاكم، وعلى القبلية والعشـائرية المقرّبة ما قاد إلى لحظة سقوطه في انتفاضـة فبراير/شباط 2011، بينما أدى التدخل الإقليمي والعالمي في شؤون الدولة الليبية، إلى إنهيارها وفشلها.

واعتبر الأكاديمي والباحث منصور الكيخيا، أنّ فكر القذافي لا زال باقيًا رغم رحيله، حيث لم ينجح الرهان على أنّ جيلًا كاملًا من الوطنيين من أبناء ليبيا الحديثة، لن يسمح بتحوّلها للفشل.

وثمة من يعتقد أنّ ليبيا، التي أصبح النفط مصدر دخلها الرئيسي كدولة وكذلك لللاعبين الرئيسيين في الداخل وعائداته تكفي لتغطية جميع نفقات وتكاليف إعادة بناء البلاد في أقرب وقت ممكن.

في طرابلس وشمال غرب ليبيا، تتنافس الفصائل المسلحة على السلطة وتشتبك من حين لآخر للسيطرة على الأرض أو الموارد، وتتمتع بوضع رسمي وتعتمد على أموال الحكومات.

فى المشهد الحالي، تبدو ليبيا بأكملها رهينة لمسلحين يستهدفون المصرف المركزي، الذي تحوّل إلى معركة سياسية بين كل الأطراف المتصارعة على السلطة والمال.

ألقت المواجهة بشأن السيطرة على المصرف بظلالها على صادرات البلاد من النفط، كما تهدد بانقسام داخلي جديد، بعدما ازداد ثراء الميليشيات من خلال الابتزاز والتهريب والإتجار والمخططات التي تُستخدم فيها خطابات الاعتماد من "المصرف"، للوصول إلى العملات الأجنبية.

وانضم المجلس الرئاسي، إلى حكومة الوحدة المؤقتة، للإطاحة بمحافظ المصرف الصديق الكبير، في ظل صراع متزايد بشأن الإنفاق الحكومي، وهو ما رفضه الشرق ممثّلًا فى مجلس النواب والجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، مما تسبب في توقف إنتاج النفط وأثّر على أسعار الخام العالمية.

ولم يعد هناك حديث، عن موعد جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي تراجعت عن احتلال مفروض لأولوية العمل السياسي، كأنّ هناك نوعًا من اتفاق غير مكتوب، على بقاء الفوضى دون حل.

لهذا لا يبدو غريبًا، أنه في العدد الكبير من المنتديات والمبادرات، والتي ترعى بعضها الأمم المتحدة، ليس هناك ما يشير إلى أنّ ليبيا خاضعة للحكم، أو في طريقها إلى الخروج من أزمتها التي طالت.

ويبقى السؤل: "كيف سمحت القوى الدولية المتناقضة أن يكون تدفق النفط على حساب تدفق دماء الشعب الليبي؟ وهل من أمل في عودة الأفق السياسي الغائب في دولة لم تعد موجودة سوى على الورق فقط؟".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن