في شباط/فبراير 2023، صدر قرار حظر بيع سيارات الوقود الأحفوري عن البرلمان الأوروبي، وافقت عليه كل الدول الأوروبية بعد معالجة اعتراضات بعض الدول التي تعتمد على صناعة السيارات مثل التشيك، وتم وضع جدول زمني للمصنّعين للانتقال لإنتاج السيارات الكهربائية للوصول بحلول 2050 لصفر انبعاثات مسبّبة للاحتباس الحراري.
ورغم أنّ التحذيرات من تراجع النفط، قد تكرّرت مرارًا من قبل، دون أن تتحوّل لواقع، ولكن البيئة السياسية والتقنية الحالية مختلفة عن السابق، مما يستدعي النظر بجدية لتأثيرات القرار على أسعار النفط المستقبلية والتي قد تؤثّر بدورها ليس فقط على الدول العربية النفطية، بل أيضًا على كل الدول العربية التي تعتمد على تحويلات المغتربين ومساعدات الدول العربية الغنية.
ويستهلك قطاع النقل نحو ثلث الطلب العالمي على النفط الخام البالغ 99.57 مليون برميل يوميًا في عام 2022، فيما بلغ نسبة استهلاك أوروبا نحو 14.9% من استهلاك العالم في 2021، ويخلو هذا التصنيف للقارة من روسيا وبيلاروسيا، بينما يشمل تركيا وبريطانيا، والأخيرة سبقت بالفعل الاتحاد الأوروبي في حظر بيع سيارات الوقود الأحفوري بما في ذلك الهجينة في 2035 أيضًا.
القرار جاء رغم تخلّف أوروبا عن الولايات المتحدة والصين في مجال السيارات الكهربائية والبطاريات
اللافت أن هذا القرار وهذه الحماسة جاءت من الاتحاد الأوروبي رغم أنه أقلّ تقدمًا ونجاحًا من الولايات المتحدة والصين في مجال السيارات الكهربائية، فـ"تيسلا" الأمريكية على سبيل المثال هي التي خلقت ثورة السيارات الكهربائية الحالية.
إضافةً إلى أنّ السيارات الكهربائية ومحطات الشحن أقلّ انتشارًا بأوروبا من الصين التي تعد موطن صناعة البطاريات الكهربائية، وتحقق صناعة السيارات الكهربائية لديها قفزات وسمعة أفضل من سياراتها العاملة بالوقود، حيث اهتمت بكين بالبحث العلمي والحوافز لتقوية صناعة السيارات الكهربائية، لدرجة أنّ شركة فولكس فاغن الألمانية العملاقة عهدت لشركة سايك الصينية بإنتاج سلسلة من السيارات الكهربائية التي تحمل العلامة الألمانية.
كما أنّ اللافت في هذا القرار، أنه اتُّخذ رغم أنّ صناعة سيارات محركات الاحتراق الداخلي، هي محرك الاقتصاد الأوروبي عبر صناعة السيارات الألمانية قاطرة الاقتصاد الألماني والذي بدوره يُعدّ خزينة أوروبا.
احتمالات تطبيق القرار الأوروبي
القرارات المتعلقة بسيارات الوقود الأحفوري تحظى بشعبية في أوساط الليبراليين واليساريين بأوروبا، بينما لا يعارضها اليمين بنفس حدة معارضة اليمين الأمريكي لها، خاصةً أنّ الاتحاد الأوروبي يستورد نحو 92% من نفطه أغلبها من غريمته روسيا والعالم العربي المضطرب، ويعني ذلك أنّ هناك فوائد استراتيجية للقرار، كما لا يوجد بأوروبا لوبي نفطي كبير مثل أمريكا، التي لديها لوبي قوي مؤيد لإنتاج النفط بولايات الغرب الأوسط والجنوب، ويدعمه الحزب الجمهوري.
وقال مشرّعون أوروبيون أنّ تكاليف تشغيل السيارات الكهربائية أرخص من التقليدية، وأنّ أسعارها سوف تتراجع لتكون في متناول الجميع.
الأهم بالنسبة لليبراليين الغربيين، أنّ هدف صفر إنبعاثات تحوّل لقضية لها حماسة تشبه الحماسة الدينية، ويتمّ شيطنة السيارات العاملة بالوقود، متجاهلين تقييمات بأن السيارات الكهربائية لها أضرار بيئية جسيمة، خاصة خلال عملية استخراج المواد الخام الخاصة بالبطاريات، وإن كان التلوث الذي تسببه نطاقه إقليمي، ولا يمس الغرب، بل يتركز بمناطق إنتاج هذه الخامات بالدول النامية.
وكان لافتًا أنّ القرار الأوروبي، قد تجاهل تحذير واحدة من أهم شركات العالم في مجال السيارات الكهربائية، وهي فولفو السويدية، من أنّ المركبات الكهربائية أكثر تلويثًا للبيئة من سيارات الوقود الأحفوري، كما كان لافتًا أنّ القرار شمل حظر بيع السيارات الهجينة العاملة بالبطاريات والوقود الأحفوري معًا.
القرار لن يُنهي استخدام المركبات العاملة بالوقود الأحفوري في 2035، ولكن يفترض أن يمهّد لإخلاء الطرق منها بحلول 2050.
هل تسير الصين وأمريكا وراء أوروبا؟
تأثير القرار الأكبر لن يكون في وقف واردات أوروبا من النفط فقط، وهي نسبة تتراجع أصلًا منذ سنوات مع تقليلها لاستهلاكه وصعود اقتصادات الدول الناشئة مثل الصين والهند، ولكن تأثير القرار الأكبر أنّ الاتحاد الأوروبي بات في كثير من القضايا البيئية والحقوقية بمثابة قائد عالمي تسارع الكتل المتقدمة الأخرى بتقليده، وهو أمر يظهر في ميل الديمقراطيين بالولايات المتحدة لمحاكاة كثير من السياسات الأوروبية.
وبينما قد يفشل الديمقراطيون في فرض قرار مماثل على المستوى القومي الأمريكي، فإنهم قد يفرضونه بالولايات التي يحكمونها، وبالفعل كاليفورنيا الولاية الأكبر أصدرت قرارًا يحظر بيع السيارات العاملة بالوقود الأحفوري عام 2035 أيضًا.
وينطبق الأمر على اليابان، التي انتقد رئيس شركة تويوتا انقيادها وراء الحماسة الأوروبية المفرطة للسيارات الكهربائية، وهدّد بنقل جزء من مصانع الشركة خارج البلاد.
كما أنّ الصين تميل لتقليد أوروبا والولايات المتحدة في المجال التقني وتستغل قدرتها على اتخاذ القرارات بشكل مركزي لاستباق المسارات المستقبلية بالغرب لكي تحقق السبق بالأسواق، وهي بالفعل قطعت شوطًا أكثر من غيرها في التحوّل للسيارات الكهربائية حتى لو لم تتخذ قرارًا مماثلًا للقرار الأوروبي.
قد يكون العامل الفارق في انتشار الصرعة الأوروبية لخارج القارة مرتبطًا بمدى فعالية التطورات التقنية المنتظرة مثل بطاريات الحالة الصلبة الجاري اختبارها، ويقال إنها أطول عمرًا ومدى، وأعلنت تويوتا مؤخرًا، عن تحقيق اختراق بها.
وعلى الأرجح، فإنّ انتقال هذا الاتجاه إلى الاقتصادات النامية والناشئة سيكون أبطأ بسبب تكلفة السيارات الكهربائية الباهظة ونقص محطات الشحن.
على الدول العربية التوسّع بإنتاج الطاقات البديلة المتوفرة في المنطقة
ولكن هناك جانب إيجابي لهذا التوجه بالنسبة للدول العربية النفطية، أنه أدى بالفعل لتخفيض شركات النفط العالمية لاستثماراتها بالحقول الجديدة خاصة تلك الباهظة التكاليف، واشتكت إدارة بايدن خلال أزمة النفط في صيف 2022، من رفض شركاتها العملاقة ضخّ مزيد من الاستثمارات، ويعطي هذا ميزة مؤقتة للنفط العربي الذي يُعدّ الأدنى تكلفة في العالم، ويجعله مؤهلاً للبقاء بالسوق دون استثمارات جديدة كبيرة، والمنافسة أمام المنتجين الآخرين حال تراجع الأسعار، كما أنّ النفط العربي سيستفيد من محاولة خنق النفط الروسي (قد يتوسع ذلك لحظر بيعه لطرف ثالث مثلما فعلت أمريكا مع إيران).
يعني كل ما سبق أننا لن نشهد نهاية فورية للنفط في 2035، ولكن سيكون هذا العام بداية مرحلة جديدة بتاريخ النفط، سينتهي فيه احتكاره لوقود السيارات، بما قد يؤدي لمسار هبوطي مستمر لأسعاره، مع وجود إطار زمني محتمل للعرب للتكيّف.
ولذا إضافةً لتنويع الموارد، يجب على الدول العربية التوسّع بإنتاج الطاقات البديلة المتوفرة بالمنطقة، ويجب أن تسعى الدول الخليجية تحديدًا لتشجيع تقنيات السيارات الهجينة التي هي أرخص من الكهربائية وصديقة للبيئة أكثر من السيارات العادية، وكثير منها لا يحتاج لمحطات شحن، وقد يكون ذلك عبر تمويل أبحاث بمجال السيارات الهجينة لإبقائها في السباق أمام السيارات الكهربائية خاصة في الدول النامية والناشئة.
(خاص "عروبة 22")