قضايا العرب

تنظيم الأسواق واتفاقات التجارة في العالم العربي

توفر سياسات تنظيم الأسواق والمنافسة الفعالة أداةً لاستكمال ودعم الجهود التي تبذلها الحكومات للحد من الحواجز التي تعترض التجارة. وللمنافسة النشطة بين الأطراف الفاعلة في السوق القدرة على التخفيف من حدة المصالح الخاصّة وتيسير فتح الأسواق أمام التجارة والاستثمار. وبهذا المعنى، فإنّ زيادة المنافسة داخل الأسواق الوطنية تعزز القدرة التنافسية الدولية للمصدّرين المحتملين من خلال زيادة الحوافز لتعزيز الإنتاجية والابتكار والكفاءة.

تنظيم الأسواق واتفاقات التجارة في العالم العربي

بالإضافة إلى ذلك، تعزز التجارة الدولية المنافسة في الأسواق الوطنية من خلال زيادة القدرة على المنافسة والدخول (إلى الأسواق) والتنافس عن طريق زيادة وجود المنتجات والخدمات والاستثمارات الأجنبية.

وتشير الأدلة التجريبية إلى:

1- أنّ إزالة حواجز الدخول (إلى الأسواق)، وزيادة التنافس، وتسوية "ساحة اللعب"، تساهم في زيادة القدرة التنافسية للصادرات وقدرات التصنيع.

2- أنّ تطبيق قوانين المنافسة يمكن أن يعزّز أداء الصادرات ويكمل الإصلاحات التجارية.

3- زيادة الصادرات من الصناعات ذات المنافسة المحلية الشديدة.

وعلى هذا النحو، توفر ثلاث ركائز تكميلية الأساس لتحقيق المنافسة الفعّالة وتنظيم السوق ونجاح الاتفاقات التجارية:

(أ‌) - تعزيز الأنظمة والسياسات الحكوميّة المؤيدة للمنافسة.

(ب‌) - وضع التدابير اللازمة لضمان الحياد التنافسي في الأسواق.

(ج) - تعزيز تطبيق قوانين المنافسة على نطاق الاقتصاد.

وتعتمد هذه الركائز على إطار مؤسسي فعّال يمكن أن يعزز ويضمن حسن سلوك السوق وصلاحية ترتيبات التجارة الدوليّة المفتوحة[1].

ومع ذلك، ما هو موقف الدول العربية فيما يتعلق بتعزيز تنظيم السوق وقوانين المنافسة وإدماجها في اتفاقاتها التجارية؟

لم تتطرق المنطقة الكبرى للتجارة العربية الحرّة (GAFTA) إلى تنظيم السوق والمنافسة، وينطبق الشيء نفسه إلى حد كبير على الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك في الغالب إلى أنّ الدول العربية لم يكن لديها أي قوانين من هذا القبيل في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين[2]. ومنذ ذلك الحين، أصبح لدى جميع البلدان العربية مثل هذه القوانين، ويرجع ذلك إلى تحديث اقتصاداتها، وإلى جني المزيد من الفوائد من اتفاقاتها التجارية وتعزيز المزيد منها. لكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به.

النماذج الاقتصادية الناجحة هي التي تعمل فيها الدولة كمنظّم وليس كمالك ومدير

وكما يُبيّن الجدولان 1 و 2 أعلاه، واستنادًا إلى البحوث التي أجرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، فإنّ العالم العربي ككل يكاد يكون في المنتصف فيما يتعلق بنوعية تنظيم السوق (4 من أصل 7)، ولا يرتفع سوى في دول مجلس التعاون الخليجي (فوق 5). والأهم من ذلك، أنه في ثلاثة مجالات فقط - الاندماجات، والتطبيق، وقوانين المنافسة - تحرز البلدان العربية درجة "متطوّر"؛ بينما في ثلاثة مجالات أخرى - الاحتكار، والاتفاقات التجارية، والكارتلات - تسجل ببساطة درجة "معتدل"؛ وفي العنصرين المتبقيين - التحرير وحماية العمل – تسجل درجة "بتواضع" ودرجة "أساسي".

ضع في اعتبارك أنه حتى في فئة "متطوّر"، فإنّ مكوّن التطبيق يشير فقط إلى التشريعات، وليس مستوى التطبيق الفعلي للقوانين والسياسات. والواقع أنّ تطبيق قوانين المنافسة وتنظيم السوق لا يزال مطلوبًا، لأنّ متوسط مؤشر ليرنر في البلدان العربية لا يزال أعلى من 0.30، وهو المستوى الذي يُعتبر فعالًا إلى حد معقول[3].

ما الذي يجب فعله؟ كيف يمكن تحسين الأمور؟

باختصار، سنقترح ثلاث توصيات[4]:

أولًا، وضع سياسات أفضل لتنظيم الأسواق والمنافسة تكون أولويتها التقليل إلى أدنى حد من تشوهات الأسعار بين القطاعات والصناعات. ومن الأمثلة على ذلك التدخلات التي تفضل الشركات المملوكة للدولة (SOEs) على حساب الشركات الخاصة أو التي تفضل الشركات المرتبطة سياسيًا على الشركات الخاصة الأكثر ديناميكية.

ثانيًا، إدماج قوانين أفضل لتنظيم السوق مع اتفاقات التجارة الحرة، مع إيلاء الأولوية لتعزيز القدرة التنافسية. فعلى سبيل المثال، لبنان، حيث تنظيم السوق وقانون المنافسة في عام 2022، هو ما يفسّر سبب كون اتفاقية التجارة الحرة الوحيدة الخاصة به هي منطقة التجارة الحرّة العربيّة الكبرى - بدون حتى عضوية في منظمة التجارة العالمية!. على هذا النحو، من الآن فصاعدًا، يمكن للبنان استخدام هذا القانون الجديد للمشاركة بشكل أفضل في اتفاقيات التجارة الحرة المستقبلية.

وثمة أمر آخر يتعلق بالتجارة الحرة في الخدمات، التي لا تزال شبه معدومة في العالم العربي؛ ولذلك يلزم تعديل قوانين المنافسة لتشمل الخدمات، التي يمكن بعد ذلك دمجها بسلاسة في صفقات التجارة الحرة.

ثالثًا، والأهم من ذلك، يجب أن يكون تطبيق القوانين حقيقيًا وليس شكليًا، يتم فرضه من قبل كيان مستقل يتمتع بسلطات خاصة ويحرم من أي تدخل سياسي.

أي تنظيم فعال للأسواق وتشريع للمنافسة في العالم العربي يجب أن يكون مصحوبًا بعملية خصخصة حازمة

في الختام، أثبتت التجارب أنّ النماذج الاقتصادية الناجحة هي التي تعمل فيها الدولة كمنظّم، وليس كمالك ومدير، بينما في معظم البلدان العربية انعكست الهيمنة السياسيّة في المجال الاقتصادي من خلال هيمنة الشركات المملوكة للدولة. ومع أنّ هذا النموذج قد فقد مصداقيته، فإنه لا يزال سائدًا إلى حد كبير في العالم العربي. لذا فإنّ أي تنظيم فعال للأسواق وتشريع للمنافسة في العالم العربي، الذي يهدف إلى تنظيم القطاع الخاص وتطويره وتفعيل اتفاقيات التجارة، يجب أن يكون مصحوبًا بعملية خصخصة حازمة وذات مغزى وإنتاجيّة.



[1] راجع: البنك الدولي، سياسات المنافسة، 2018.

[2]  بدأت الدول العربية سنّ قوانين تنظيم السوق والمنافسة في عام 2004، وتمّ تعديلها في ما بعد، وكان لبنان البلد الوحيد بدون هذه القوانين حتى تمّ سنّها مؤخرًا في عام 2022.

[3] راجع: اللجنة الاقتصادية والاجتماعيّة لغربي آسيا (إسكوا)، التجارة والمنافسة في المنطقة العربية 2021. يقيس مؤشر ليرنر درجة المنافسة والانفتاح في الاقتصاد أو القطاع. ويساوي الفرق بين السعر والكلفة الحديّة كنسبة إلى السعر، وبذلك يشير إلى منافسة تامة في حال كانت قيمته 5 وإلى عدم المنافسة في حال كانت قيمته 1.

[4] راجع: إسكوا، التجارة والمنافسة في المنطقة العربية، 2021.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن