يُظهر هذا الإعلان الذي صدر عن رئيس الشركة كيف تقلبت صناعة السيارات في العالم، حيث كان إيلون ماسك مؤسس شركة تيسلا يسخر قبل بضعة سنوات من سيارات شركة "BYD" الصينية الكهربائية، ولكن اليوم يحذر من أنه بدون حواجز جمركية سوف تكتسح السيارات الكهربائية الصينية الجميع بما يشمل سيارات شركته الشهيرة.
والنتيجة اندلاع ما يمكن تسميته بحرب السيارات الكهربائية بين الغرب والصين، وسوف تنعكس تداعيات هذه الحرب بشكل كبير على بقية العالم بما فيه العالم العربي.
السيارات الكهربائية الصينية تتوسع بشكل هائل بفضل تفوّق الصين التكنولوجي ورخص أسعارها
وأصدر الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز 2024 قرارًا تحفظيًا بفرض تعريفات مؤقتة تصل إلى 38% على واردات السيارات الصينية (لتضاف إلى أخرى بنسبة 10% مطبقة أصلًا على السيارات الصينية) وذلك كوديعة تسترد إلى حين حسم النزاع في نوفمبر/تشرين الثاني القادم بشأن إدعاءات بوجود دعم حكومي للسيارات الكهربائية الصينية، وتمثل العلامات التجارية الصينية 8% من السيارات الكهربائية المباعة في الاتحاد الأوروبي.
وقبل ذلك فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على السيارات الصينية الكهربائية تبلغ 100%، الأمر الذي يعني واقعيًا حظر تصديرها لواشنطن.
وتأتي القرارات الغربية في وقت تتباطأ فيه مبيعات السيارات الكهربائية المحلية الصنع، وتتراجع أحيانًا، مما يعني تخلف الشركات الأوروبية عن الجداول التي وضعها الاتحاد الأوروبي لتقليل الإنبعاثات الحرارية وقد تتعرض هذه الشركات لعقوبات بسبب ذلك، كما يثار تساؤل حول قدرة أوروبا على تنفيذ قرارها بحظر بيع السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي (بما في ذلك السيارات الهجينة) عام 2035 وبأي ثمن سوف يتحقق هذا الهدف.
المفارقة أنه على الجانب الآخر، فإنّ السيارات الكهربائية الصينية تتوسع بشكل هائل في سوقها المحلية والأسواق الخارجية غير الغربية، بفضل تفوّق الصين التكنولوجي ورخص أسعارها، حيث تتفوق بطاريات السيارات الصينية في المدى عن أغلب نظيراتها الغربية والآسيوية إضافة إلى تميّز سياراتها بتكنولوجيا معلومات متطورة مستمدة من تفوق بكين في صناعة الهواتف المحمولة.
ويتحقق ذلك بفضل سيطرة الصين على سلاسل التوريد الخاصة بالبطاريات منذ بداية استخراج المواد الخام وصولًا للإنتاج الكمي الضخم مدفوعة ببرامج للحكومة الصينية بدأت منذ سنوات لدعم هذه الصناعة، الأمر الذي أدى إلى وجود عشرات إن لم يكن مئات من الشركات الصينية العاملة في مجال السيارات الكهربائية، ما خلق فائضًا هائلًا في طاقات إنتاج السيارات الكهربائية بالصين، فائضًا يبحث عن أسواق خارجية، مدعومًا بتطور هائل في تصميم وجودة السيارات الصينية لا سيما الكهربائية.
في حال استكمال ثورة السيارات الكهربائية ستكون السيطرة للصين على أسواق العالم العربي والأسواق المحايدة
وتُمثل الدول الآسيوية نحو 92% من إنتاج البطاريات في العالم، ونصيب الصين منها أكثر من نصف الإنتاج العالمي، الأمر الذي دفع صحف غربية مرموقة مثل "نيويورك تايمز" للتساؤل حول قدرة العالم على إنتاج السيارات الكهربائية بدون الصين.
والبطاريات الكهربائية تمثل بين 30 إلى 45% من تكلفة السيارة الكهربائية علمًا بأنّ تكلفة البطاريات بالصين أقل بنسبة تزيد عن الثلث تكلفة تصنيعها في أوروبا وأمريكا، والنتيجة أنّ السيارات الكهربائية نفسها تباع بفارق هائل في الثمن بين الصين والغرب، فعلى سبيل المثال تباع سيارة فولكس فاغنID.7 الكهربائية في الصين بنحو نصف ثمنها بألمانيا (حتى لو أن النسخة الألمانية أقوى)، وحتى في مجال السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، فإنّ السيارات الألمانية تتراجع أمام نظيراتها الصينية في أسواق الصين المهمة جدًا بالنسبة للشركات الألمانية، خاصة لأكبرها شركة فولكس فاغن التي تعد بكين أضخم سوق لها في العالم.
سيكون لحرب السيارات الكهربائية هذه تأثيرات بعيدة المدى على العالم العربي، فمن ناحية فإنّ قرار الغرب إغلاق أسواقه أمام السيارات الكهربائية الصينية وكذلك محاولة الاعتماد على الذات في تصنيع البطاريات قد يؤدي إلى عرقلة مبيعات السيارات الكهربائية، كما بدأ يحدث حاليًا في الغرب حيث تفيد تقارير بأنّ نسبة من ملّاكها يفكرون في ألا يشتروها مجددًا في وقت وصلت نسبة السيارات الكهربائية لـ35 % من مبيعات السوق الصينية عام 2023.
وهنا تأتي المفارقة، وهي أنّ الحرب الغربية ضد السيارات الكهربائية الصينية قد تطيل عمر سيارات الاحتراق الداخلي، وبالتالي تعطي دفعة لاستهلاك النفط.
المفارقة الثانية أنّ هذه الحرب ستدفع الصين لتوجيه طاقاتها الفائضة في إنتاج السيارات الكهربائية إلى أسواق بديلة للأسواق الغربية، وها هي بكين تركز بالفعل على أسواق الدول غير المعادية والتي ليس لديها صناعة محلية قوية لتحميها (يمكن وصفها بالأسواق المحايدة) مثل أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
إضعاف التوجه نحو السيارات الكهربائية في الغرب سيفيد العالم العربي كأكبر منتج للنفط في العالم
وبالفعل بدأت السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة والكفؤة تغزو هذه الأسواق، ومنها العالم العربي، حتى أنّ دولة مثل مصر مرتبطة تقليديًا بشركات السيارات الأوروبية (بفضل اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، التي أزالت الجمارك عن السيارات الأوروبية)، تشهد تدفقًا لافتًا للسيارات الكهربائية القادمة من الصين ومنها سيارات العلامات الألمانية المصنّعة في الصين، بينما لا يكاد يوجد بها أي سيارة كهربائية أوروبية.
وقد يعني ذلك أنه في حال استكمال ثورة السيارات الكهربائية على حساب سيارات الاحتراق الداخلي، ستكون السيطرة للصين على أسواق العالم العربي وغيرها من الأسواق المحايدة على حساب السيارات الأوروبية وكذلك اليابانية والكورية، وبالتالي هذه الحرب إما ستؤدي إلى إضعاف التوجه نحو السيارات الكهربائية في الغرب وهو أمر سيفيد العالم العربي كأكبر منتج للنفط في العالم أو هيمنة السيارات الكهربائية الصينية.
(خاص "عروبة 22")