بصمات

انتخابات ديمقراطية.. وعنف وحروب!

"عام الانتخابات"، كما يطلق على 2024، في إشارة إلى أنّ الدول التي تشمل نصف سكان العالم ستذهب إلى صناديق الاقتراع. حتى الآن، تشير النتائج إلى أنّ الديمقراطية، رغم التحديات، لم تُهزم بعد، حيث يستطيع الملايين من الأشخاص الإدلاء بأصواتهم.

انتخابات ديمقراطية.. وعنف وحروب!

تظهر العديد من الاستطلاعات أنّ الديمقراطية تظل الخيار المفضل للأغلبية الساحقة من سكان العالم، بما في ذلك أو خاصة في الأماكن التي تفتقر إليها وتهيمن على أدبياتها، لا سيما في العالمين العربي والأفريقي، حيث يستسيغ الناس البحث عن شيء جديد.

مع ذلك ثمة من يحذر منذ سنوات من الخطر المتزايد لصعود السلطوية، وتراجع الحريات حول العالم. وفقًا لبعض المقاييس، تتضاءل الحرية السياسية والاجتماعية تحت حكم الأنظمة السلطوية والعسكرية وأشكال من الأمبراطوية الاقتصادية الكبرى والمعاصرة.

يتوجه الناس إلى صناديق الاقتراع في انتخابات بعيدة كل البعد عن أن تكون حرّة أو نزيهة، لكنها قد تعطي الناخبين فرصة لإظهار استيائهم بالشكل من نظام فاسد وديكتاتوري وغير شعبي، أو كما يقول أرسطو، "في الديمقراطية الفقراء هم الملوك لأنهم يمثلون العدد الكبير، ولأن إرادة العدد الكبير لها قوة الشرعيّة. ولكن في سياق آخر، التوازن هو بحث في سلطة الدولة، ذلك أن الفقراءلا يمتلكون بأي شكل من الأشكال سلطة الأغنياء الذين يحكمون العالم".

العديد من الانتخابات التي جرت هذا العام كانت كأنها ديمقراطية كاريكاتورية/شكلانية

ستجرى هذا العام انتخابات في 84 دولة، بما في ذلك 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية ودول أخرى وجزر لم تُجر انتخاباتها بعد، فيما أجرت كل من الهند وروسيا وجنوب أفريقيا والمكسيك وإيران والجزائر وفنزويلا انتخاباتها.

أظهر استطلاع شمل 24 دولة وأجراه "مركز بيو للأبحاث"، أنّ الأغلبية الساحقة تؤيد الديمقراطية، واصفة إياها بأنها "نظام جيّد". كما أنها تعارض الحكم الفردي (71%) والأنظمة العسكرية (83%). وفي أفريقيا، أسرع المناطق نموًا في العالم مع أصغر نسبة سكانية، أظهر استطلاع أجراه "أفروباروميتر"، أنّ ثلثي الناس يفضلون الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم. وجد الباروميتر الآسيوي مشاعر مماثلة بين شرق الآسيويين، وكذلك المسح العربي في استطلاع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".

شابت أعمال العنف العديد من الانتخابات. فقد شهدت المكسيك أكثر من حادثة عنف ومثلها فنزويلا، وعانت الهند زيادة في العنف العرقي؛ فيما شهدت جنوب أفريقيا موجة من الاغتيالات المحلية. تعرّض المرشحون للهجوم أثناء الحملة الانتخابية في الانتخابات البرلمانية الفرنسية. الولايات المتحدة شهدت محاولة اغتيال ضد الرئيس السابق دونالد ترامب.

توجد أزمات حقيقية داخل عملية الاقتراع، لا سيما أنّ العنف السياسي يتعارض مع قيم المجتمع المفتوح والانتقال السلمي للسلطة. وتتحمل السلطات في كل مكان مسؤولية ضمان قدرة المواطنين على ممارسة حقهم في التصويت والترشح في الحملات الانتخابية بحرية وبدون تخويف.

لم تكن العديد من الانتخابات التي جرت هذا العام حرة ونزيهة - بل كانت واجهة ديمقراطية، مهندَسة بحيث يمكن للأوتوقراطيين الاحتفاظ بالسلطة. كأنها ديمقراطية كاريكاتورية/شكلانية من دون تحقيق الوعود الانتخابية، ولا تخضع لمعارضة حقيقية.

لا معنى للديمقراطية من دون العيش معًا في مجتمعات تعددية

النقاش لا يتوقف هنا. في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعات حادة، وتعيدها إسرائيل في حربها على الفلسطينيين إلى القرون الوسطى، الأسئلة تصير سخيفة مثل الأجوبة عن غياب الديمقراطية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، حيث تمثل هذه الحرب خيانة إنسانية ومشهدًا عالميًا تراجعيًا لا يتوقف، وفي مشهد سيولي من العنف في غياب التنظيم السياسي الدولي العادل.

ينتحر العالم إذا لم يجد وسيلة لوقف العنف والإرهاب والحروب المتتالية ودورها في شؤون البشر، ولا معنى للديمقراطية من دون العيش معًا في مجتمعات تعددية، وإذا كانت البلدان، التي ولدنا فيها، غير محترمة، ولا تنعم بالسلم الأهلي، وإذا كان الشرط الإنساني غير موجود، تصبح كل الأسس النظرية والمفاهيم التطبيقية للديمقراطية باطلة. حينئذٍ لا نفقد الديمقراطية، بل نفقد الأمل مع التفكك الاجتماعي وزيادة اللامساواة والظلم والفقر والهجرات والجوع وغياب الحوار بين الشعوب، أحد الأسباب العميقة للحروب والأزمات.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن