تستمر عملية "سهام الشمال" لليوم الثالث على التوالي وسط تحذيرات دوليّة من مخاطر تفاقم الأوضاع وتدهورها إنطلاقاً من التصعيد الإسرائيليّ الجنوني والذي إستهدف أمس، الثلاثاء، قرى وبلدات لبنانيّة جديدة في إطار توسيع العمليات العسكرية والتي طالت بعد منتصف ليل أمس منطقة السعديات للمرة الأولى، وهي تبعد 75 كم من الحدود مع اسرائيل.
وفي حين سقط المزيد من الضحايا - إلا أن العدد لا يُقارن بالحصيلة الدموية المُرعبة لليوم الأول، والتي تجاوزت نصف عدد ضحايا حرب تموز 2006 - بلغت حصيلة الاعتداءات الإسرائيليّة غير النهائيّة بظل استمرار التصعيد 569 شهيداً، بينهم 50 طفلاً 94 امرأة و1850 مصاباً، بحسب وزارة الصحة اللبنانية، بينما وصل عدد المهجرين قسراً إلى ما يفوق النصف مليون شخص توزع معظمهم على مراكز الإيواء من مدارس ومعاهد فتحتها الدولة اللبنانيّة لإستقبال النازحين.
وركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على تحرك الديبلوماسيّة الدوليّة والوساطات لمنع تفاقم الأمور والدخول في حرب شاملة وهذا ما عكسته كلمات الزعماء خلال أعمال الدورة الـ 79 للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، اذ طغت الأحداث في لبنان وحرب غزّة وأوكرانيا والأزمة السودانيّة على ما عداها.
وفي هذا السياق، يُعقد اليوم اجتماع عاجل لمجلس الأمن بطلب من فرنسا للبحث بشأن تصاعد العنف في لبنان، وذلك على وقع زيارة مبعوثها جان إيف لودريان والتي هدفت إلى "خفض التصعيد والتعرف على متطلبات الطرف اللبناني من جهة، ومحاولة إحياء الجهود الدافعة باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ في قصر بعبدا، وصل إلى عامين"، بحسب مصادر "الشرق الأوسط".
وفيما نقلت هيئة البث الإسرائيليّة عن مصدر بالإدارة الأميركية أن واشنطن تجري حالياً محادثات مع المسؤولين في لبنان وإسرائيل من أجل التهدئة. بدا لافتاً ما نقله موقع "أكسيوس" الاميركي عن مسؤولين إسرائيليين وديبلوماسي غربي، بأن "حزب الله" "حثّ إيران في الأيام الأخيرة على شنّ هجوم على إسرائيل مع تصاعد القتال بشكل كبير، لكن إيران امتنعت حتى الآن".
وهذا يُفسر ربما تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من نيويورك والذي رأى فيها أن "حزب الله" لا يمكن أن يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها، وتزودها بالإمدادات، دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة"، داعياً إلى "عدم السماح بأن يصبح لبنان غزّة أخرى على أيدي إسرائيل".
بدوره، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من "حرب شاملة" في الشرق الأوسط، داعياً إلى إيجاد حلول دبلوماسيّة لوقف إطلاق النار في لبنان وغزّة. وقال: "التقدم نحو السلام سيضعنا في موقف أقوى لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران".
وشدد وزراء الخارجية العرب على "دعمهم الكامل للبنان في مواجهة العدوان"، محمِّلين إسرائيل "مسؤولية هذا التصعيد الخطير". كما حذروا من "تداعيات شنّ عدوان واسع على لبنان، ما قد يدفع إلى اشتعال حرب إقليمية شاملة، ويهدّد أمن واستقرار المنطقة بأسرها". بينما توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة "ضرب حزب الله"، مهدداً اللبنانيين بـ"تدمير منازلهم".
وفي إطار العمليات العسكرية، جدّد الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجويّة المكثّفة على قرى وبلدات الجنوب بكل قطاعاته (الشرقي، الغربي والأوسط) فضلًا عن أقضية صيدا وصور ومرجعيون والنبطيّة. فيما استهدف في غارة "محددة" على الضاحية الجنوبية لبيروت قائد المنظومة الصاروخية لـ"حزب الله" ابراهيم قبيسي، وهذا ما أكده الحزب في بيان النعي فجر اليوم.
وردّ "حزب الله" بتكثيف عملياته معلناً أنه استخدم الصاروخ الجديد "فادي 3" في هجوم على قاعدة شمشون، بينما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الحزب أطلق أكثر من 400 صاروخ أمس الثلاثاء، استهدفت قواعد ومطارات عسكرية إسرائيليّة وعدة مناطق في الجليل وصفد وحيفا وغيرها ما أدى لخسائر مادية وبشرية ونشوب حرائق.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن خبراء قولهم إن الغارات الإسرائيليّة التي استهدفت لبنان، يوم الاثنين، هي إحدى أكثر الغارات الجوية كثافة في الحروب المعاصرة. في المقابل، زعمت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة أن 40 ألف مقاتل من سوريا والعراق واليمن إلى الجولان قدموا الى لبنان وينتظرون دعوة الأمين العام للحزب حسن نصرالله للقتال.
حياتياً، أعلن مطار رفيق الحريري الدولي عن إلغاء أكثر من 30 رحلة جويّة من بيروت وإليها يوم الثلاثاء. بينما دعت كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية وكندا وبريطانيا رعاياها المقيمين في لبنان لمغادرته على الفور.
وعن الحرب في غزّة، واصل الجيش الإسرائيلي قصف مناطق مختلفة في اليوم الـ354 للحرب، ركزت معظمها على وسط القطاع وجنوبه، مرتكباً المزيد من المجازر وآخرها في مخيّم النصيرات.
وفي إطار متوازٍ، قالت ثلاثة مصادر غربية وإقليمية إن إيران تتوسط في محادثات سرية جارية بين روسيا وجماعة "الحوثيين" لنقل صواريخ "بي-800 أونيكس" المضادة للسفن، وهو تطورٌ يعكس حقيقة العلاقات المتنامية بين طهران وموسكو.
ونستعرض ضمن جولة الصحف الصادرة اليوم:
رأت صحيفة "البيان" الإماراتية أن "إعادة كل سكان المستوطنات والبلدات الإسرائيليين إلى مناطقهم في الشمال هو هدف لا يمكن تحقيقه في ظل حالة الحرب التي تتصاعد نذرها وتتسع دوائرها الجغرافية، بما يفضي ربما إلى عكسه تماماً، وهو زيادة عدد النازحين الإسرائيليين ليس فقط من بلدات ومستوطنات الشمال بل وأيضاً من مناطق وسط إسرائيل".
واعتبرت صحيفة "الراية" القطرية أن لبنان "اليوم أمام حرب مفتوحة لا تحكمها قواعد، ولا يمكن لأحد التنبؤ بمداها أو نهايتها"، لافتة إلى أن "الأسئلة القادمة ستتعلق بحجم الخسائر التي سيتحملها لبنان، وما إذا كانت إسرائيل ستنجح في تحقيق أهدافها. لكن، مهما كانت النتائج، يبقى الخاسر الأكبر هو الشعب اللبناني، الذي يقف وحيدًا وسط نار حرب لا ترحم وواقع يزداد سوءًا كل يوم".
بحسب صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن "العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، يُعد تصعيداً خطيراً في الوضع بالمنطقة، وسبق أن حذرت منه مصر مراراً وتكراراً"، لكنها عادت ووضعته في خانة "التصعيد المتوقع، بسبب تجاهل المجتمع الدولي بذل الجهود اللازمة لوقف آلة الحرب والصراع التي يحركها قادة إسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي".
وكتبت صحيفة "عكاظ" السعودية بأن "الثمن الذي سيدفعه لبنان هذه المرة باهظاً؛ لأن استراتيجية إسرائيل الحالية ليست فقط الجنوب اللبناني، أو فك ارتباط محور "حزب الله" عن غزة، أو شلّ حركة الحزب نفسها، ولكن الهدف هو تدمير حزب الله تماماً"، مشيرة إلى أنه "في جميع هذه التفاصيل ستترك إيران حليفها "حزب الله" ولو مؤقتاً، وستذهب لتتفاوض على مصالحها في هذه المرحلة، وتصريحات الرئيس الإيراني لقناة "سي إن إن" أمس كافية لقراءة ما بين السطور".
من جهتها، لفتت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن رسالة الملك عبدالله الثاني في نيويورك "مفادها أن العالم العربي مدّ يده لإسرائيل لسنوات عبر مبادرة السلام العربية، إلا أن الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها، وما دليل ذلك إلا مواصلة تماديها وآخره التصعيد الخطير في لبنان الذي يجب وقفه فوراً".
(رصد "عروبة 22")