التقارب المصري ــ التركي

«ليس في السياسة صداقة دائمة، ولا عداء دائم؛ ولكن هناك فقط مصالح دائمة». مقولة خالدة، أطلقها اللورد البريطاني، بالمرستون، في القرن التاسع عشر؛ تعبيرًا عن مبدأ «التوازن الدولي» في حقبة «السلام البريطاني». ذلك الذي كان يضمن للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وضعًا دوليًا، يسمح بتفوقها على سائر الأمم؛ كما يحصنها ضد أي مخاطر، يمكن أن تهدد أمن أو مصالح الجزر البريطانية.

غير بعيد، يأتي التقارب المصري ــ التركي الراهن، ضمن سياق «الإقليمية الجديدة»؛ التي تقتضي تغليب مقاربات التفاهم والتعاون، على بواعث التوتر والصدام. فمن بين مشارب شتى للتقارب القائم والتضامن المقترح؛ سيعمل الجانبان على تعزيز التنسيق الجيوسياسي، من خلال وقف الحملات الدبلوماسية المناهضة لبعضهما البعض في المحافل الدولية. علاوة على التوقف عن إعاقة المشاريع والتحركات الاستراتيجية لكل منهما في مختلف البقاع.

لما كانت الاعتبارات الاقتصادية تشكل دافعًا ملحًا لتطبيع علاقاتهما، تجاوبت الدولتان مع نداءات مجتمع الأعمال المصري ــ التركي. بغية عزل مسار التعاون الاقتصادي الثنائي النشط، عن باقي مسارات علاقاتهما المتيبسة والمتعثرة، منذ العام 2013؛ والتي أضحت أسيرة للجفاء السياسي، التوتر الأمني، والتنافس الاستراتيجي. ومن ثم، باتت مصر الشريك التجاري الأول لتركيا في القارة السمراء. وبعدما تجاوز حجم اقتصاديهما تريليون دولار، أكد الرئيس إردوغان أن تطوير علاقات بلاده مع مصر سيعزز طاقاتها الاقتصادية.

توسلًا لتعظيم فرص التعاون التجاري بينهما، تأبى البلدان إلا تبني خارطة طريق لتعضيد علاقاتهما الاقتصادية، عبر تفعيل جميع التفاهمات والبروتوكولات، والاتفاقات، ذات الصلة. وفي القلب منها، «اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلين للاستثمارات»، و«اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي»، واتفاقية التجارة الحرة، التي أبرماها عام 2005، فيما يعمل الجانبان حاليا على توسيع تغطيتها لمعاملاتهما التجارية. بموازاة ذلك، يتهافت المستثمرون الأتراك على نقل جل استثماراتهم إلى السوق المصرية، كونها تتمتع بفرص واعدة، بنية أساسية، إمكانات تصنيعية، وعمالة ماهرة. حيث تعمل في مصر 200 شركة تركية، بحجم استثمارات يتجاوز ملياري دولار؛ فيما تعهدت شركات أخرى بضخ نحو 500 مليون دولار إضافية. وتستهدف تلك الشركات الأسواق الأوروبية والأفريقية، مستفيدة من عضوية مصر في اتفاق الشراكة المصرية ــ الأوروبية، واتفاقية «الكوميسا» مع القارة السمراء. وتتوق شركات تركية للتعاون مع نظيرتها المصرية في إنتاج حديد التسليح التركي في مصر، أملًا فى كبح جماح أسعاره، عبر ملء فجوة الطلب المحلي الناجمة عن تصفية مجمع الحديد والصلب بحلوان قبل عامين. وبينما تتمتع مصر وتركيا بمكانة مميزة للغاية في لوجيستيات النقل الدولي، ترنو البلدان لتدشين شراكة في مجال العناصر والخدمات اللوجستية، بما يساعد على خفض تكاليف النقل، وتوفير المزيد من فرص العمل.

وتشكل الطاقة، أحد أبرز مناحي التعاون بين مصر وتركيا. حيث تسعى الأخيرة إلى تلبية احتياجاتها المتنامية من الغاز المسال المصري، بشروط أفضل، مستفيدةً من القرب الجغرافي. ومن خلال عقود شراء طويلة الأجل، تتوق تركيا إلى إبرامها مع القاهرة، يتطلع الأتراك إلى تعظيم فرص التعاون في مجال تزويد أوروبا بالطاقة، ضمن خطة أنقرة للتحول إلى مركز دولي لتجارة الغاز. فبموازاة تصديرها الغاز الروسي والقوقازي إلى دول شمال أوروبا، تقوم تركيا بإعادة تحويل الغاز المسال، الذي تحصل عليه من القاهرة، إلى غاز طبيعي، توطئة لتصديره إلى القارة العجوز، عبر خطوط الأنابيب، التي تربطها بدولها.

وفي معرض تأكيد عزم بلاده تطوير التعاون مع جميع الشركات العالمية المنخرطة في مختلف مجالات التنمية. أعربت القاهرة عن الاستعداد لإنشاء خطوط إنتاج للذخائر والمنظومات التسليحية، بالتعاون مع الجانب التركي. خصوصا في مجال المسيّرات، بما يفتح آفاقًا ومجالات، أكثر رحابة، لولوج الأسواق العربية والأفريقية. بدورها، أبدت أنقرة تقديرها، لما تتمتع به شركات ووحدات الإنتاج الحربي المصرية من بنية تحتية، وإمكانات تصنيعية، تكنولوجية، فنية، بحثية، بشرية فائقة المستوى، وحرصها على تدشين أواصر راسخة مع القاهرة، للاستثمار والتعاون المشترك، في مجالات التصنيع العسكري.


لقراءة المقال كاملًا إضغط هنا

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن