أوفد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أقرب مساعديه وذراعه الأيمن اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة برفقة وزير الخارجية الجديد بدر عبد العاطي، في زيارة مفاجئة إلى إريتريا، التزمت إثيوبيا بشأنها الصمت، بعد أسابيع فقط من هبوط طائرتَي نقل عسكريتين مصريتين في مطار العاصمة الصومالية مقديشو، حاملة مساعدات عسكرية، لم يكشف عن حجمها أو طبيعتها.
تحجيم إثيوبيا
مثلت الزيارة، علامة جديدة على سعي القاهرة لتحجيم إثيوبيا، عبر تفكيك تحالفاتها في القرن الأفريقي وعبر أقرب حلفائها حاليًا الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، وكان وزير الإعلام الإريتري يماني ميسكل، واضحًا في تبنيه للسردية المصرية في هذه الأزمة، بإشارته إلى أنّ "القاهرة لا تتبنى أجندة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي أو التدخل".
قد لا تمثل هذه التصريحات تحولًا كبيرًا في الموقف الإريتري، الذي لا زال يلتزم الحياد حتى الآن، في الصراع بين الصومال وإثيوبيا، لكنها تتعدى فكرة أبعد من مجرد مجاملة الوفد المصري، خاصة مع تأكيد يماني أنّ تعزيز العلاقات الثنائية، يشكّل أحد الركائز الأساسية للسلام والاستقرار الإقليمي.
لكن الهجوم المصري المباغت، فتح المجال أمام إمكانية إحياء إبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع إريتريا، تتيح لمصر نشر قوات عسكرية في جزيرة نورا الواقعة في شبه جزيرة الداخلة، التي تبعد عن سد النهضة الإثيوبي بنحو 750 كيلومترًا، وهو الأمر الذي نفته القاهرة على مدى السنوات الماضية، حيث أعلن الجيش المصري أنه لا يعتزم إنشاء أي قاعدة خارج الأراضي المصرية.
ومع ذلك سيمنح الاقتراب المصري من إريتريا، ومن ثم الأراضي الإثيوبية، التهديدات المصرية لأديس أبابا بُعدًا أكثر مصداقية، خاصة بعدما استحوذ الجيش الإثيوبي على عدة مطارات في محافظة جيدو بولاية جوبالاند، جنوب الصومال، لتطويق أي تحرك مصري محتمل.
عقد التاريخ والجغرافيا
إثيوبيا، التي تعيش وفقًا لتقويمها الخاص حاليًا في عام 2017، طالبت المصريين بعدم العيش في القرن التاسع عشر، في استدعاء لعقدة التاريخ تجاه مصر وإشارة إلى غزوها السابق.
وتجلى هذا في نفي آبي أحمد، بدء إثيوبيا غزو دولة أخرى طوال تاريخها القديم، لافتًا إلى أنها دافعت عن نفسها ضد الغزاة الأجانب، وصدّت المتجرّئين على تهديد سيادتها بالإذلال.
أكد هذا، العقدة التاريخية، التي عكسها تصريح لرئيس وزراء إثيوبيا السابق ميلس زيناوي، قبل عام واحد من الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011 بقوله إنه "ليس قلقًا من أنّ المصريين سيغزون إثيوبيا فجأة، لم يبقَ أي شخص حاول ذلك ليحكي القصة، لا أعتقد أنّ المصريين سيكونون مختلفين وأعتقد أنهم يعرفون ذلك".
لكن اعتزام آبي أحمد، تحقيق حلمه بإنهاء العقدة الاستراتيجية لبلده الحبيسة جغرافيًا، والممنوعة من الوصول إلى مياه البحر الأحمر، ربما يدفع مصر لتغيير تفكيرها، خاصة وأنه يسعى لقاعدة عسكرية في ميناء "بربرة" بأرض الصومال، الواقعة في الشمال الصومالي.
إثيوبيا التي اعتبرت في المقابل أنّ وجود قواعد عسكرية لمصر في أرض الصومال، يمكن أن يصبح مهددًا لها، تراهن الآن على خلط الأوراق.
بالتزامن، صدرت إشارات لافتة من الولايات المتحدة بأنها لا تريد التصعيد بين حليفيها الاستراتيجيين (مصر وأثيوبيا)، بسبب الصومال المعترض على الاتفاق المشبوه الذي أبرمته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، للحصول على موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر.
وتعمّد مايك هامر المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي، في لقائه مع وزير الخارجية الإثيوبي بأديس أبابا، عدم ذكر مصر، رغم الحديث عن "شواغل إثيوبيا" حول مستقبل قوات حفظ السلام الأفريقية.
"استراتيجية النعامة" الأمريكية
يُركّز الموقف الأمريكي على الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، عبر دور تركيا كوسيط رئيسي، ما يعكس رغبة واشنطن في إعطاء الأولوية لتركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة، دون إدخال مصر، التي استوعبت هذا النهج وشرعت في تنسيق مواقفها مع تركيا فيما يتعلق بالصومال.
بالمجمل تمارس أمريكا "استراتيجية النعامة" عبر سياسة "إذا لم نذكر مصر، ربما تختفي المشكلة"، على نحو مماثل تمامًا لفكرة عدم دعوة الضيف المحرج إلى الحفلة.
واشنطن، التي لا تريد إعطاء مصر سببًا للتدخل أو الشعور بالتهميش، اختارت "عدم هزّ القارب وسط التوترات الإقليمية حول نهر النيل"، وفقًا لتصريح مسؤول مصري لـ"عروبة 22".
ومع تجميد الجولة الثالثة لمفاوضات أنقرة بين الصومال وإثيوبيا، بسبب حربهما الكلامية حول التاريخ الإثيوبي سيّء السمعة وتدخلها في الشأن الصومالي، يبقى الصومال متأهبًا لكل الاحتمالات، بما في ذلك تسليح معارضي أديس أبابا، ما يعني أنّ المغامرة المعنونة "ما لا تراه عيناك لن يؤثر عليك"، بتجاهل ذكر مصر، لا يعني إبقاءها خارج المشهد المعقد.
(خاص "عروبة 22")