الشهور الماضية كانت سيئة على إيران. تفجير قنصليتها في دمشق، واغتيالات لشخصيات عسكرية مهمة ثم اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية في عاصمتها. لكن توقيت اغتيال حسن نصرالله زعيم
"حزب الله" (درة التاج في منظومة ما يسمى قوى الممانعة التي تدين بالولاء)، كان الأقسى والأسوأ. قبل ذلك كانت قيادات إيرانية تتحدث عن الرد فى الوقت والمكان المناسبين، إلا أن الحادث الهائل الأخير وجه الأنظار إلى طهران كما لم يحدث من قبل.
الجنون الإسرائيلي جاء في وقت تبدو البوصلة الإيرانية متجهة للاعتدال. رئيس جديد للبلاد أقرب للإصلاح منه للتشدد. توافق عام على أن المرحلة الراهنة تستدعي مرونة وبراجماتية وواقعية معروفة عن السياسة الإيرانية عموماً. الأسبوع الماضي، بذل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان جهودا كبيرة في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، لإقناع الغرب بأن بلاده تتغير، وأنها مستعدة للتعامل بانفتاح مع كل القضايا خاصة الملف النووي.
ثم جاء اغتيال نصرالله "المزلزل" ليقلب الأمور رأسا على عقب. كان السؤال الأول بعد ماذا سيفعل "حزب الله"؟، هو كيف سترد إيران؟ لقد بدت، خلال الأيام الماضية منذ اختراق أجهزة اتصالات "البيجر" ثم الاغتيالات والهجوم على الضاحية الجنوبية، قلعة "حزب الله" الحصينة، وكأن لا علاقة لها بما يجري. إدانات وشجب مثلها مثل دول لا علاقة لها بالحزب الذي تعهدته طهران منذ الثمانينيات بالدعم والرعاية، كما لو كان جزءاً من مؤسساتها وقوتها.
الخيارات المتاحة أمامها شديدة التعقيد. إذا صمتت وتركت للحزب الرد، سيتم اتهامها بالتخلي عنها، وستكون تلك رسالة للقوى الأخرى المتحالفة معها، بأنه عندما يجد الجد، لن تكون إيران معكم. وإذا ردت وهاجمت إسرائيل، فإن تلك هي اللحظة التي ينتظرها نيتانياهو لتصفية حساباته الطويلة معها. ستكون عينه صوب البرنامج النووي. وفي لحظة جنونه الراهنة، يمكنه فعل أي شيء. وقياسا على رد الفعل الأمريكي على اغتيال نصرالله، الذي قالت واشنطن إنه يستحق ما حدث، فإن واشنطن لن تعارض أو ترفض الفعل الإسرائيلي. كل الخيارات صعبة بل شديدة القسوة على إيران، فماذا هي فاعلة؟
(الأهرام المصرية)