تدل الوقائع والمعطيات الميدانيّة أن اسرائيل ماضيةٌ في حربها المفتوحة على لبنان بهدف تفكيك بنية "حزب الله" وإضعافه وتفريغه مركزيًا عبر تصفية كافة قياداته وكوادره. وهذا ما برز الليلة الماضية من خلال استهداف رئيس المجلس التنفيذي وعضو مجلس الشورى هاشم صفي الدين، المرشح الأبرز لتولي منصب الأمين العام للحزب في المرحلة المقبلة خلفًا للسيد حسن نصر الله، بغارات هي الأعنف والأضخم التي تتعرض لها الضاحية الجنوبية منذ عملية اغتيال نصرالله.
وفيما لم يصدر عن الحزب أي موقف رسمي يؤكد صحة الادعاءات الاسرائيلية بشأن عملية استهداف صفي الدين، التي روّجت القناة 13 الاسرائيلية فجر اليوم أنباء عن نجاحها، تطرح العملية عدة علامات استفهام حول طبيعة المرحلة المقبلة على مستوى الصراع. في وقت تواصل آلة الحرب العسكرية حصد المزيد من الضحايا والجرحى من اللبنانين، الذين ناهز عددهم 1974 شهيداً، بينهم 127 طفلاً و261 امرأة وما يقارب الـ10 آلاف جريح، ناهيك عن الخسائر الفادحة التي يتكبدها الاقتصاد اللبناني وسط تزايد مطرد لأعداد النازحين والمهجرين من قراهم وبلداتهم بما فاق قدرات مراكز الإيواء الاستيعابية.
وفي هذا الاطار، توزع تركيز الصحف العربية الصادرة اليوم بين تحركات لبنان الرسمي عبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والافرقاء السياسيين الآخرين لطرح مبادرة انقاذية تقضي بإنتخاب رئيس للجمهورية بعد مضي أكثر من عامين على الفراغ في سدة الحكم، وبين العمليات العسكرية المتواصلة على وقع اشتداد ضرواة القتال بين "حزب الله" واسرائيل، التي تتكبد خسائر بشرية فادحة في محاولاتها للتوغل البري جنوبًا.
وبات من الواضح أن هدف العملية التي أُطلق عليها "سهام الشمال" أوسع وأكبر من مجرد اعادة سكان الشمال الى منازلهم، وهو شعار يستتر خلفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليستكمل ما يعتبر أنه "تغيير موازين القوى" في المنطقة لتصب في صالح اسرائيل "التي تنتصر"، وفق مزاعمه، بدعم أميركي وغربي عمومًا.
ميدانياً، شهدت عمليات أمس تصعيداً من جانب "حزب الله" في استهداف ثكنات الجيش الإسرائيلي ومستوطناته في الشمال، حيث تم رصد إطلاق نحو 50 صاروخاً ومسيرتين من لبنان باتجاه الشمال، سقط عدد كبير منها في الجليل الأعلى والأوسط وكرمئيل. وبينما يتستر الجانب الإسرائيلي عن حقيقة خسائره البشرية، أشار "حزب الله" - في بيان - إن "عدد القتلى في صفوف العدو بلغ 17 ضابطاً وجندياً".
هذا ويواصل الاحتلال قصف المعابر الحدودية بحجة منع "تهريب الأسلحة" إلى "حزب الله"، حيث شن صباح اليوم غارة على نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، والتي شهدت في الأيام الماضية، زحمة خانقة من قبل اللبنانيين والسوريين الهاربين من العدوان.
وفي غضون ذلك، تشير الوقائع الى سعي تل أبيب لتوسيع نطاق التهجير لإضعاف البيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، ودفعه لتقديم التنازلات السياسية، حيث ارتفع عدد البلدات الجنوبية التي تلقت تحذيرات للإخلاء إلى 70، وشملت النبطية بما يشير إلى أن هناك عملية إسرائيلية جديدة يمكن أن تدفع آلافا آخرين من اللبنانيين إلى الفرار.
وفي سياقٍ متصل، أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" عن بيانات أقمار صناعية "أن 3 آلاف مبنى دُمر أو تضرّر في لبنان منذ 20 أيلول/ سبتمبر الماضي"، مؤكدةً أن "الهجمات الإسرائيليّة تركزت قرب الحدود ووادي البقاع والضاحية الجنوبية".
وتحدث الجيش الاسرائيلي عن تنفيذ ضربة دقيقة "مبنية على معلومات استخباراتية" في وقت سابق من هذا الأسبوع في بيروت، أدت إلى مقتل محمد يوسف عنيسي، أحد أبرز مسؤولي إنتاج الصواريخ الدقيقة في "حزب الله". كما أشار الى اغتيال خضر الشهابية، قائد منطقة مزارع شبعا في غارة جوية. بدوره، أعلن الحرس الثوري الإيراني مقتل أحد مستشاريه العسكريين في سوريا، بغارة إسرائيلية على دمشق قبل 3 أيام.
إلى ذلك، ارتكب الاحتلال مجزرة مروعة ذهب ضحيتها 18 فلسطينياً وعشرات المصابين بقصف جوي، هو الأول من نوعه بالضفة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، استهدف مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة. بالتوازن، قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إنهم استهدفوا منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 188 سفينة في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي "إسناداً لغزة"، مشدداً على أن "استهداف الحديدة لن يوقف عملياتنا وجهادنا مستمر".
وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "الأمم المتحدة باتت تمثل عجز المجتمع الدولي، وتشكل عبئاً على الدول والشعوب التي تحتاج إلى منظمة قادرة على فرض قوانينها، لأنها تحولت إلى ما يشبه عصبة الأمم المتحدة التي فشلت في الحؤول دون نشوب الحرب العالمية الثانية، حيث تطل حرب عالمية جديدة برأسها".
وتناولت صحيفة "الوطن" القطرية مساعي الدوحة الى "حقن الدماء عبر الاحتكام للحوار العقلاني وقواعد القانون الدولي ووميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها... وذلك لمنع استغلال إسرائيل العجز الدولي لتطبيق مخططات الاحتلال في توسيع الاستيطان، كما يعتقد حكامها أن الفرصة متاحة لتطبيق مخططاتها في لبنان ايضاً".
بدورها، رأت صحيفة "الأيام" البحرينية أن "حالة الإحباط والانكسار التي يمر بها العرب، وهي حالة بلغت من الخطورة حدًا صارت معه تهيئ لبيئة صالحة للانتحار، كما هو الحال في ما يجري على قدم وساق في غزة بقيادة "حماس"، وما يعانيه لبنان الجريح بقيادة "حزب الله" وبشراكة فعّالة مع ميليشيات زرعتها إيران وعبأتها إيديولوجياً ودعمتها بالصواريخ والمسيرات وترتكتها تعيث فسادًا في أوطانها ولجأت إليها لتكون بين أيديها خادمًا مطيعًا مدافعًا عن مصالحها أولاً وآخراً".
ووضعت صحيفة "الأهرام" المصرية الخطوة الأخيرة لنتنياهو بشن هجوم بري على لبنان "في إطار مخطط توسيع الحرب في المنطقة، اذ يريد أن يحقق مجداً شخصياً بالقضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، وكذلك "حزب الله" في لبنان". وقالت: "ويظن أنه اقترب من تحقيق هذا الهدف، رغم أن الشواهد تؤكد أنه يدفع بالجيش الإسرائيلي إلى مستنقع كبير، وأنه مستمر في خوض حرب استنزاف طويلة ومعقدة".
أما، من جهتها، فرأت صحيفة "اللواء" اللبنانية، في مقال، أن "الرد الصاروخي الايراني، كان بمثابة نسخة منقحة عن رد النظام المسرحي، على الضربة الصاروخية المميتة التي وجهتها إسرائيل، لمبنى القنصلية الايرانية في دمشق، بينما لم تحدث التي سقطت منها، سوى أضرار بسيطة، لا تقارن بنسبة ضئيلة من الاغتيالات الإسرائيليّة لـ(رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس" إسماعيل) هنية وقادة حزب لله".
وكتبت صحيفة "الراية" القطرية عن التصعيد المستمر على الساحة اللبنانية، اذ قالت "لبنان العزيز الحاضر في وجدان قطر كان ولا يزال محط اهتمام وعناية خاصة في الوقت الذي تقف فيه مؤسسات المجتمع الدولي عاجزةً إزاء التصعيد الخطير للعدوان الإسرائيلي الذي تتسع رقعته يومًا بعد يوم، في انتهاك صارخ لكافة الأعراف والقوانين الدولية".
(رصد "عروبة 22")