لا فارق بين مفاجأة السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، والسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالضبط كما لا فارق بين ما اعتبره حاييم بارليف حاجزًا منيعًا، وبين ما اعتبره جهابذة الموساد تقنيًا كذلك.
"الله أكبر" كان هتاف، وعقيدة أولئك الباحثين عن السلام العادل في الحالتين، حيث لا يستقيم الحديث عن سلام حقيقي مع احتلال غاصب للأرض والحقوق والمستقبل.
لا فارق، والحقائق هكذا بين جنود السادس من أكتوبر، وبين مقاومي السابع من أكتوبر. كلاهما عرف عدوه، وكلاهما عرف واجبه.
ما جرى في أكتوبر 1973 ليس أكثر من معركة في حرب وحلقة في صراع طويل لم ينتهِ واقعيًا بعد
الناظر إلى المشهد الممتد في التاريخ والجغرافيا لن يرى فارقًا بين سعد الدين الشاذلي وأركان قيادته، وبين يحيى السنوار وأصحابه. كما لن يجد تباينًا في الفضل، أو التضحية بين شهداء الطريق إلى أكتوبر هذا (عبد المنعم رياض وإبراهيم الرفاعي ومصطفى حافظ)، وبين شهداء الطريق إلى أكتوبر ذاك (يحيى عياش، وأبو جهاد، وأبو علي مصطفى).. إلى آخر القائمتين الطويلتين المكللتين بالغار. بالضبط كما لا فارق في الدماء الذكية بين الشهيد طيار عاطف السادات شقيق الرئيس، والشهداء من عائلة إسماعيل هنيه.
هؤلاء وأولئك من الباحثين عن الحقوق والسلام العادل عرفوا عدوهم، ولم يكونوا بحاجة إلا إلى قراءة التاريخ والحاضر ليعرفوا أنه وحده حجر العثرة في طريق إقرار سلام حقيقي يقوم على العدل.
بمعايير الاستراتيجيا، وبقراءة متمعنة في التاريخ والجغرافيا، وبإدراك واعٍ لما نعرفه من معايير للأمن القومي، لا أحسب أنّ هناك -وإن صَمَت- من يجادل في حقيقة أنّ ما جرى في أكتوبر/تشرين الأول 1973 ليس أكثر من معركة في حرب، وحلقة في صراع طويل لم ينتهِ واقعيًا بعد، ولا نعرف، بما نراه من مستجدات، واختلال توازنات كيف سينتهي، ولكنا نعرف قطعًا أنّ جذوره الفعلية تمتد إلى بدايات القرن الفائت، في حين باتت رياحه وأعاصيره تعصف بكل المنطقة على اتساعها. بل وربما لا نبالغ إن قلنا إنّ "التسونامي" قد يمتد أثره إلى العالم أجمع؛ أمنًا، واقتصادًا، واستقرارًا.
تقول لنا كتب التاريخ أيضًا إنّ الانتصار كما الهزيمة لا يحسمهما؛ استراتيجيا مشهد اليوم التالي، بل مشاهد ما بعد اليوم التالي، وأخشى أن ما يحاوله "المستقطبون/كارهو المقاومة" من محاولة لحذف السابع من أكتوبر من الصورة الاستراتيجية العامة للصراع العربي الإسرائيلي الذي لم يكن السادس من أكتوبر سوى إحدى محطاته قد يطرح سؤالًا كبيرًا حول ما وصل إليه استراتيجيا هذا الصراع، من ناحية الأهداف وموازين القوى وما نجح العدو واقعيًا في أن يصل إليه، وبالتالي حول تقييم ما جرى من إنجاز لا ينكره أحد في السادس من أكتوبر هذا بمعيار النهايات، والمآلات، رغم التضحيات والدماء الذكية.. والنوايا الدبلوماسية الحسنة.
استراتيجيا، لم يكن هدف السادس من أكتوبر، وتضحيات شهدائه يقتصر على إخراج العدو من الأرض التي كان احتلها رغم قيمة ذلك، وأولويته التي لا تنكر بل إلى تحقيق السلام العادل الذي لا يحول بيننا وبينه، واقعيًا غير غطرسة العدو، وأطماعه التوسعية، فضلًا عن أهدافه التي نعرف في الهيمنة والسيطرة على المنطقة، فما كنا نعرفه في التاريخ والجغرافيا والثقافة والأمن القومي "عالمًا عربيًا" نأمله قويًا، سيصبح "شرق أوسط جديدًا" يرسم هو خرائطه، ويحدد هو تحالفاته وترتيباته؛ هيمنة وسيطرة وغطرسة، وهو ما كان واضحًا في خطاب نتنياهو وخرائطه قبل عام كامل (سبتمبر/أيلول 2023) أمام الجمعية العامة، قبل أيام فقط من زلزال السابع من أكتوبر كسرًا لغطرسة العدو ومحاولة ليس فقط لإعادة الأمور إلى نصابها، بل لإعادة السادس من أكتوبر وهدفه الاستراتيجي إلى طريقه الصحيح.
صحيحٌ أنه ككل الأهداف الاستراتيجية، وبحكم الواقع التاريخي والجغرافي لمنطقتنا العربية/الشرق أوسطية، التي لعبت فيها، عبر التاريخ كل الأصابع لم يكن طريق السادس من أكتوبر إلى الأهداف الاستراتيجية الكبرى معبّدًا أو مستقيمًا، بل حادت به على مدى الخمسين عامًا منعطفات ومنحدرات، بداية من "كامب ديفيد" لم تكتمل، وليس نهاية بـ"أوسلو" التي لحقتها، ناهيك عن غزو العراق للكويت وتبعاته، ومحاولة إسباغ قداسة إبراهيمية على اتفاقات لم تكن أبدًا في محلها. ولكن هذا كله لا يحول، ولا ينبغي له أن يحول دون حقيقة أنّ الأهداف الاستراتيجية تظل أهدافًا استراتيجية.
ما قامت به المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر إحياء لجوهر السادس من أكتوبر
يبقى أنه كما كان 25 يناير/كانون الثاني 2011 محاولة لاستكمال ما أضاعته الأوليجاركيا من مبادئ 23 يوليو (إقامة حياة ديموقراطية سليمة)، كان السابع من أكتوبر محاولة لاستعادة جوهر السادس من أكتوبر؛ حرب لاستعادة الحقوق، وكسر غطرسة العدو، وإجباره على السير في طريق السلام الذي لن يكون حقيقيًا إلا لو كان عادلًا، وليس ذلك الذي يتوهمه نتنياهو؛ محوًا لفلسطين "الشعب، والقضية"، وصناعة لشرق أوسط جديد تهيمن عليه الدولة العبرية.
وبعد،،
فلربما تسمحون لي، كواحدٍ ينتمي إلى جيل عاش هذه وتلك أن أتمنى على الذين يدركون أنّ القيمة الحقيقية لمعجزة السادس من أكتوبر لا تنفصل عن أهدافها الاستراتيجية أن يشعروا بالامتنان لما قامت به المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر استعادة لتلك الأهداف التي كادت أن تضيع، وإحياء لجوهر السادس من أكتوبر، لا أغانيه وأهازيجه.
(خاص "عروبة 22")