مرة أخرى تعود قاعدة "رامشتاين" الأمريكية بجنوب غرب ألمانيا إلى الواجهة لتستضيف نهاية هذا الأسبوع قمة رباعية تضم قادة ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وتبحث الحرب في أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، حيث تتفاعل تطورات وأحداث خطرة تضرب في الصميم مصالح الدول الأربع وتدفعها إلى تقليب الخيارات.
جمْعُ الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط على طاولة واحدة، يقدم دليلاً آخر على ما يربط المسرحين الحربيين من تداخل وتشابك إلى درجة أنه لا يمكن حجب اللاعبين الفعليين الذين يحركون الأحداث، ويحاولون التحكم بجغرافيتها ومداها في الجبهتين، ضمن مواجهة عالمية شاملة.
فالدول الأربع تقف حلفاً واحداً في مواجهة روسيا وأوكرانيا، كما تقف في نفس الخندق مع إسرائيل في الحرب الدائرة في غزة ولبنان والمواجهة المفتوحة مع إيران، مع ملاحظة بعض التباين التكتيكي سياسياً من خلال الدعوات إلى خفض التصعيد ومحاولات التوسط الاستعراضية لإنهاء هذا الصراع، بينما الحقيقة تشير إلى أن ما يبدو في ظاهر المشهد ليست تلك حقيقة جوهره.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم العجز أو عدم الرغبة في إنهاء الصراعين الدائرين في منطقتين حيويتين للعالم أجمع، أوروبا والشرق الأوسط، حيث بدأ الصراع فيهما يأخذ أبعاداً أكبر مما كان متوقعاً، وتخترق كل منهما أساليب ومفاهيم غير تقليدية تتعلق بأوهام الهزيمة والنصر التي تتخبط فيها جميع الأطراف المتقاتلة، وبناء التحالفات الظاهرة والخفية، بين أطراف منخرطة بكل قواها، وأخرى متورطة ولكنها تصطنع الحياد نهجاً سياسياً وعسكرياً، والأدلة على ذلك لن تتعذر عمن يتتبع التفاصيل ويتجاوز ظاهر الخطب والبيانات.
اللقاء الذي سيجمع الحلفاء الأربعة، جو بايدن وإيمانويل ماكرون وأولاف شولتس وكير ستارمر، لم يكن مخططاً له مسبقاً، بل فرضته الأحداث المتسارعة والمخاوف من اتساع دائرة العنف عبر العالم وسط انقسام خطر وتضارب غير مسبوق للمصالح والاستراتيجيات.
ومن يراقب المشهد الدولي يلمس كمّاً هائلاً من الخدع السياسية والعسكرية وفنون القتل غير المألوفة في الماضي، وأسلحة خارقة تصنع المفاجأة، خصوصاً في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، ما يمكّن هذا الصراع من التمدد زمانياً ومكانياً من دون أن يتمكن أي طرف من تسديد ضربة قاضية أو تحقيق نصر صريح. وسبب ذلك أن ما يجري في هذه المنطقة هو جزء من معركة أوسع تجوب العالم من شرقه إلى غربه، وإن أنكر بعض المراقبين ذلك، وانبطح أمام المسلمات التقليدية التي تقول إن الوضع هنا مختلف عمّا يجري في منطقة أخرى.
اللقاء الرباعي في "رامشتاين"، الذي يأتي عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ربما يكون مفيداً في هذا التوقيت العالمي الحرج، فيسعى إلى محاولة التهدئة في أوكرانيا والشرق الأوسط، لكنه أيضاً، وبسبب عقده في قاعدة عسكرية، ربما يكون اجتماع عمليات لإدارة كل هذه الصراعات، ووضع خطط مستقبلية لمواجهة تصدعات النظام الدولي والأمن العالمي، والسعي إلى عرقلة خطط التحالفات المضادة للمعسكر الغربي، وهذا ما قد تكشف عنه الأيام المقبلة وتصدق أو تكذب التوقعات القائلة بأن العالم يتجه إلى صراع شامل، تصغر أمامه المعارك التكتيكية الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط.
(الخليج الإماراتية)