وجهات نظر

كيف تمتطي الجماهير العربية سُلم المشاركة السياسية الإلكترونية (2/2)

يُساعد "سُلم المشاركة الإلكترونية" الذي وضعته الباحثة جيني سميث (Jenny. S. Smith) سنة 2001، وتم تطويره بشكل أكثر تفصيلًا في العام 2007، على تقييم مدى انخراط الأفراد في نشر وتبادل المعلومات والآراء ذات العلاقة بالقرارات والسياسات العمومية عبر الوسائل الإلكترونية (مثل الشبكات الاجتماعية والتطبيقات والمجموعات الرقمية..)، وإعطاء مؤشرات واضحة على كيفية تحفيز الأفراد للمشاركة بشكل أكثر فاعلية وعلى نحو أكثر ديمقراطية. ومن ثم وضع مخرجات هذا السُلم تحت تصرف الحكومات لتحسين استراتيجياتها في التعامل مع المواطنين، سواء داخل الفضاءات العمومية المادية أو الرقمية، وكذلك الشركات، والمؤسّسات التعليمية، والهيئات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالمشاركة وإدارة الشؤون السياسية والمشاركة المدنية.

كيف تمتطي الجماهير العربية سُلم المشاركة السياسية الإلكترونية (2/2)

تتحدّد مستويات المشاركة داخل سُلم سميث عبر المراحل التالية:

- الاستهلاك السلبي: في هذا المستوى، يقتصر دور الأفراد على استهلاك المحتوى الرقمي دون أي تفاعل، مثل قراءة المقالات أو مشاهدة الفيديوهات دون تعليق أو مشاركة؛

- المشاركة البسيطة: هنا، يبدأ المواطنون في التفاعل مع المحتوى عبر الإنترنت، مثل الإعجاب أو مشاركة المنشورات، دون إضافة قيمة جديدة؛

يُتيح سُلم جيني سميث فهمًا أعمق لدينامية المشاركة السياسية الإلكترونية للمواطنين خاصّة في السياق العربي

- التفاعل النشط: يتضمن هذا المستوى مشاركة المواطنين في المحادثات أو إبداء الآراء عبر التعليقات والمراجعات؛

- المساهمة في المحتوى: يقوم مواطنو الفضاء الرقمي في هذا المستوى بإنشاء محتوى خاص بهم، مثل كتابة المقالات، ونشر الفيديوهات، أو إنشاء صفحات ومجموعات ذات توجهات سياسية؛

- الإدارة والتأثير: يشمل هذا المستوى إدارة وتوجيه الأنشطة الرقمية، مثل إدارة مجموعات أو منصات على الإنترنت (خلال فترة الانتخابات مثلًا والاستفتاءات)، ومن ثم المشاركة في اتخاذ قرارات تؤثر على المجتمع الإلكتروني، عند هذا المستوى يُطلب من المواطنين تقديم آرائهم (أقلية أو أغلبية)، وتُؤخذ هذه الآراء بعين الاعتبار في صنع القرار.

يُتيح سُلم المشاركة الإلكترونية لسميث فهمًا أعمق لدينامية المشاركة السياسية الإلكترونية للمواطنين، خاصّة في السياق العربي، سواء تعلق الأمر بالفضاء الرقمي لكل قطر عربي على حدة، أو في الفضاء السائل فيما بين الأقطار العربية، وحتى يتم الانتقال من مستوى الاستهلاك السلبي للمحتوى الرقمي، إلى أعلى مستويات السُلم، نقصد بذلك مستوى الإدارة والتأثير (التمكين)، وهو المستوى الذي يمكّن المواطنين من امتلاك القدرة على صنع القرار بأنفسهم وبأيديهم باستخدام الوسائل الإلكترونية (سوسيولوجيا التملك)، حيث تمنحهم الفضاءات الرقمية، الأدوات والقدرة على التأثير المباشر على السياسات والمشاريع، ويحتاج المواطنون إلى نوع خاص من المعرفة المتناسبة مع طبيعة الفضاءات الرقمية، وأشكال حضور المواطنين الرقميين فيها.

وحول تفكيك أنواع هذه المعرفة التي يجب أن يحتكم إليها مواطنو الفضاءات الرقمية، للتأثير في القرارات وحشد التعبئة والقوة الضاغطة، يمكن التمييز بين "معرفة ما" (Know What) وتُشير إلى معرفة عن الحقائق السياسية التي يُمكن أن تتحول إلى معرفة رقمية في شكل معلومات وبيانات، تتحول إلى موقف أو رأي سياسي يتم ترويجه للتأثير في الرأي العام الإلكتروني، و"معرفة كيف" (Know How) وتُشير إلى المهارة الرقمية والقدرات الخطابية والتقنية على فعل شيء ما، و"معرفة لماذا" (Know Why)، وتُشير إلى المعرفة العلمية حول غايات ومبادئ وأسُس تدبير الشأن العمومي، التي يحتكم إليها ثلة من الرقميين المختصين والأكاديميين، ولكنهم يعملون بمبدأ التقاسم والمشاركة ويتيحونها داخل الفضاء الرقمي ليطلع ويفيد منها البقية، و"معرفة من" (know Who) وتتعلّق بمن يستطيع أن يَملُك القدرة والمهارة السياسية، للتأثير في الرأي العام ولديه من الخبرات التنظيمية والسياسية والتواصلية ما يؤهله للتأثير، بما يُساعد على عملية تدبير الشأن العام والمشاركة في أحداثه ووقائعه، وهنا يقف جميع مواطني الفضاء الرقمي على المنصة الرقمية ذاتها لعرض خبراتهم واكتشاف قدراتهم وتجريب مهاراتهم بغية عرض موقف أو سلوك أو التعليق على الأحداث.

قد تنجح القوى السلطوية في تحجيم دور المواطنين أو توجيههم ضد بعضهم للإفادة من تفككهم وإضعاف أصواتهم

يبقى الرهان حول مدى أهمية المشاركة السياسية الإلكترونية بالنسبة للجماهير العربية، وتدبير قدرات وإمكانات هذا الفضاء للتعبير عن الرأي العام ومن ثم التأثير فيه، أمرًا يصعب التنبؤ به، ومع كثير من الحذر المنهجي، يمكن القول بأنّ جميع المسارات مفتوحة، فقد تنجح القوى السلطوية في تحجيم دور المواطنين ضمن منطق القوة الخاص بها، أو توجيههم ضد بعضهم البعض للإفادة من تفككهم وإضعاف أصواتهم، وقد يتمكن هؤلاء، مسلّحين بسطوة المعرفة الإلكترونية الملائمة لطبيعة الفضاءات الرقمية، من تفادي ذلك والخروج من الوصاية، ومن ثم توسعة نطاق ممكنات حضورهم وتأثيرهم في الوقائع والأحداث، من طريق الحوار والمكاشفة، وتبادل الحجج العقلية والمنطقية، ومن ثم التأثير على العملية السياسية من خلال الوسائل الرقمية.


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن