صحافة

تغيير الشرق الأوسط في "صراع الدببة"

روزانا بو منصف

المشاركة
تغيير الشرق الأوسط في

على رغم تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي بالاستمرار باستهداف "حزب الله" "من دون هوادة " من أجل ألا يتمكن الحزب من النهوض مجدداً وإعلان البيت الأبيض في بيان لاحق للاتصال الأخير الذي جرى بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بايدن طلب الحرص على تقليص الضرر اللاحق بالمدنيين في لبنان وخاصة في المناطق المأهولة في بيروت، فيما كرر دعمه لاستهداف مسلحي "حزب الله"، يحاذر الجميع في الداخل والخارج الذهاب الى تكهنات مسبقة حول مآل الوضع في لبنان.

فالتجارب المماثلة بحراجتها لم تسمح سابقاً بإتاحة المجال لتفاؤل بإمكان ترك البلد يعيد بناء نفسه بسلام. والتفوّق الإسرائيلي على إيران وضرب أذرعها بقوة من غزة الى لبنان فسوريا أيضاً وصولاً الى اليمن أحياناً، لا يسمح بالتفاؤل بفصل لبنان عن إيران أقله قياساً الى معطيات المرحلة الراهنة حتى لو ذهب كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ومعهما وليد جنبلاط في اتجاه خريطة طريق مناقضة لما أعلنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من بيروت حول استمرار ربط لبنان بغزة.

ولذلك ثمة حذر كبير إزاء حتمية مواجهة إيران مواصلة إسرائيل تقزيم سيطرتها ونفوذها في لبنان، وهناك حذر كبير أيضاً مما يمكن أن تنتهي إليه الحرب على خلفية هذه المعطيات، وهو حذر يحكم أداء غالبية القوى السياسية لا سيما في ظل المخاوف التي يثيرها تفجر الأحقاد على وسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات التي تساق فيها نتيجة غضب بيئة الحزب مما أصابها منذرة بانتقامات سياسية.

ثمة تفهّم عميق لغياب الواقعية السياسية عن "حزب الله" المكبّل بانهيار قياداته وباعتباره لا يزال تحت وطأة الضربات القاسية التي طاولته ولم يتح له لملمة نفسه بعد ولديه جرح نازف. ولكن مراقبين كثراً كانوا يفضّلون لو أن الشيخ نعيم قاسم ذهب على الأقل في اتجاه تسريع انتخاب رئيس للجمهورية بدلاً من رفضه مناقشة هذا الأمر راهناً، علماً بأنه ليس وحده من هذا الرأي.

لكن من جهة هناك ضرورة لأن يلاقي الأفرقاء المسيحيين الذين لاقوا جمهور الحزب بالدعم المباشر بالتوقف عن استرهان الموقع لا سيما أن الأدبيات التي حددها في هذا الشأن السيد حسن نصرالله فقدت مغزاها. وهذا يسري على سبيل المثال لا الحصر على الوعد الذي قطعه لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية بدعم انتخابه للرئاسة فيما صاحب الوعد أصبح في دنيا الحق، أو أيضاً بالرغبة في انتخاب رئيس يحمي ظهر "المقاومة" فيما الحزب مسؤول وحده عن القرارات التي اتخذها ولم يستشر فيها أحداً.

ومن غير المرجح أن يستطيع أي رئيس للجمهورية أن يلبّي هذا المعيار الذي تغيّرت معطياته الى حد كبير، فيما يذهب وزير الأشغال العامة علي حمية المحسوب على الحزب الى طمأنة الخارج، بوضع مطار رفيق الحريري الدولي تحت رقابة الجيش اللبناني من أجل أن يبقى مفتوحاً وفاعلاً ولا يُستهدف من إسرائيل. أحد أبرز المتغيرات احتمال فقدان الحزب هذه الورقة من أجل بيعها لشركائه في الوطن انطلاقاً من أن الأفرقاء المسيحيين قد لا يضغطون راهناً من أجل انتخاب رئيس في الوقت الذي قد يضطر فيه الحزب الى المطالبة بذلك في اليوم التالي لوقف النار لأن الخارج الذي سيساعد أو يمكن أن يساعد لبنان يحتاج الى مؤسسات دستورية مسؤولة قد يرى الحزب من مصلحته أن يجري تأمينها بسرعة من أجل لملمة شؤون الناس الذين تهجروا ومساعدتهم على استعادة حياتهم، فيما غالبيتهم في بيروت هم من بيئة الحزب ومناصريه.

وحتى بالنسبة الى وقف النار الذي قال المسؤولون في السلطة إن السيد نصرالله أعطى موافقته عليه قبيل ساعات من اغتياله، فإن الحزب الذي قد يكون مطلعاً على القرار أو لا، علماً بأن البعض يقول إن الكلام الحكومي يؤمن تغطية للحزب بعيداً من الإحراج أمام جمهوره، بدا متردداً وخائفاً من توظيف ذلك سياسياً كذلك، ربما نتيجة ردة الفعل الإيرانية على استمرار ربط وقف النار في لبنان بغزة.

قاسم كرر أخيراً المقولة التي سادت في "محور الممانعة" بعد عملية "طوفان الاقصى" من أنها "بداية تغيير الشرق الأوسط". ونتنياهو قال أيضاً إننا "نتبع منهجية لتغيير الشرق الأوسط"، فيما دخان الحرائق من الحرب قد لا يسمح برؤية واضحة ولو كثرت التكهنات في شأنها.

(النهار العربي)

يتم التصفح الآن