صحافة

وحدة الصومال والأمن القومي العربي

فتحي محمود

المشاركة
وحدة الصومال والأمن القومي العربي

تكاد تكون الصومال أقدم منطقة في العالم لها علاقات قوية مع مصر، منذ أن كان اسمها بلاد بونت وتحتل المركز الأول في التبادل التجارى مع قدماء المصريين، واستمرت العلاقات حتى دعمت مصر عبدالناصر استقلال الصومال وتحرره من الاستعمار وتمسكه بهويته العربية والإسلامية، واصبح بوضعه الجيوسياسي وموقعه الذي يطل على المحيط الهندي وخليج عدن والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر جزءا أساسيا من الأمن القومي المصري والعربي.

لذلك لم يكن غريبا مع التطورات المتسارعة في منطقة القرن الإفريقي، والتهديدات التي يتعرض لها أمن الملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر وتؤثر مباشرة على قناة السويس، أن يعزز البلدان تعاونهما الإستراتيجي في مختلف المجالات، وأن يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه مع رئيس جمهورية الصومال د. حسن شيخ محمود في القاهرة مؤخرا موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شئونه الداخلية.

وكانت بعض الأطراف الإقليمية قد حاولت استغلال انشغال مصر في أزماتها الداخلية منذ 2011 لمحاولة السيطرة على الصومال الذي كان يعاني تدخلات خارجية متعددة وحربا أهلية وإرهابا من جانب مجموعات متشددة ترتبط بتنظيم القاعدة، لكن الدبلوماسية المصرية استطاعت استعادة العلاقات المتميزة مع الصومال والوقوف معه ودعمه في مواجهة التحديات التي يعانيها.

والحقيقة أن مصر لعبت دورا مبكرا في جهود التسوية في الصومال منذ بداية الأزمة الداخلية بها التي تحولت إلى حرب أهلية أواخر عهد سياد بري من خلال المبادرة المصرية الإيطالية في عام 1990، كما شاركت مصر في القوات الدولية للمساعدة في استقرار الصومال وقامت بتأمين مطار وميناء مقديشو، وبعد فشل التدخل الدولي واصلت مصر جهودها لتسوية الأزمة الصومالية خلال فترة رئاستها لمنظمة الوحدة الإفريقية (1993 - 1994)، حيث قامت بجمع قادة الفصائل الصومالية في القاهرة في فبراير 1994 وعقد وزير الخارجية المصري وقتئذ عمرو موسى لقاءات مع تسعة فصائل صومالية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الزعماء الصوماليين.

وفي مارس 1994 استضافت القاهرة مؤتمرا للمصالحة الوطنية الصومالية شارك فيه ممثلون للتحالف الوطني الصومالي بزعامة الجنرال محمد فرح عيديد والتحالف الإثني عشر بقيادة على مهدي محمد، بالإضافة إلى مشاركة بعض قادة الفصائل المشاركة في هذه التحالفات بما في ذلك الرئيس المؤقت علي مهدي محمد. وكانت جهود الوساطة المصرية تنطلق من مبادئ محددة تركز على ضرورة الالتزام بالوحدة الصومالية، ورفض تفتيت الدولة وتكثيف الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة الصومالية، والتركيز على إشراك جميع عناصر الصراع في خطوات المصالحة دون استثناء.

وعلى هذا الأساس طرحت مصر في هذا المؤتمر مسودة مشروع للمصالحة الصومالية تتضمن: سرعة وقف العمليات القتالية بين الفصائل وتسليم أسلحتها دون استثناء، وتشكيل مجلس انتقالي يتولى السلطة تمثل فيه جميع الفصائل والفئات، وضرورة تعاون الفصائل مع جهود المصالحة لتحقيق الأمن والاستقرار، وتنفيذ مقررات أديس أبابا للمصالحة الوطنية الصومالية.

وقد توصلت هذه الفصائل إلى اتفاق للمصالحة هو (اتفاق القاهرة) وتضمن انشاء مجلس إنقاذ يتضمن 17 عضوا يضم الفصائل الخمسة عشر الصومالية بمن فيهم الجنرال محمد فارح عيديد رئيس الحركة الوطنية الصومالية، وتكون رئاسة المجلس بالتناوب، وتضمن البيان الوظائف المنوطة بهذا المجلس وطريقة التشكيل وأسس العضوية، كما شدد البيان على ضرورة مراعاة عناصر التوازن والعدالة والكفاءة فى تشكيل الحكومة الانتقالية بحيث يتم تعيين رئيس الحكومة عن طريق رئيس وأعضاء مجلس الإنقاذ، لكن عيديد الذى شارك ممثلا له فى الاجتماع تراجع بعد ذلك عن هذا الاتفاق.

ورغم ذلك واصلت مصر جهودها وتقدمت بمبادرة جديدة دعت فيها مجموعة المجلس الوطني للإنقاذ ومجموعة حسين عيديد لإجراء مباحثات بالقاهرة في مارس 1997، وعقدت مباحثات متعددة شملت جميع أطراف النزاع، وقد نجحت المبادرة المصرية بالتنسيق مع الجامعة العربية في عقد اتفاق بين عيديد وعلي مهدي محمد تضمن سبعة بنود، أهمها توحيد العاصمة الصومالية مقديشو، وإزالة الخط الأخضر الذي يقسمها، وفتح المطار والميناء. وفي ديسمبر من العام نفسه دعيت أطراف النزاع الصومالي مرة أخرى إلى القاهرة، من أجل التوصل إلى اتفاق حول تفصيلات التسوية السياسية للأزمة.

وبعد 40 يوما من المفاوضات تم التوقيع على إعلان القاهرة الذي وضع أسس المصالحة الشاملة، ومنها وقف إطلاق النار وجميع الأعمال العدائية، وعقد مؤتمر للمصالحة في مدينة بيدوا الصومالية، وتشكيل قوة أمنية مشتركة من أجل هذا المؤتمر، لكن إثيوبيا نشطت في وضع العراقيل أمام خطوات تنفيذ هذا الاتفاق، حتى تم الإعلان في شهر يوليو 1998 عن Puntland في شمال شرق الصومال كدولة مستقلة بواسطة حاكمها العقيد عبدالله يوسف أحمد، الذي صرح وقتها بأن هذا إجراء مؤقت وسوف تخضع أرض البونت لحكومة صومالية جديدة حينما يحل السلام في الدولة، لكن هذه الدولة الانفصالية استمرت حتى الآن بدعم اثيوبي رغم عدم الاعتراف الدولي بها.

لقد وثقت دراسات كثيرة الجهد المصري والعربي لحل الأزمة الصومالية، كان أحدثها دراسة للباحثة الصومالية صابرين إسماعيل يوسف صادرة عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع بعنوان (الصومال الأزمة ومحاولات بناء الدولة)، قدمت تحليلا دقيقا للعوامل المؤثرة على واقع هذه الدولة الشقيقة، والتى تحتاج إلى دعم عربي كبير يؤازر الدور المصري الحالي في القرن الإفريقي بشكل عام، والصومال بصورة خاصة، انطلاقا من أهميتهما الاستراتيجية للأمن القومي العربي.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن