"اللغة الدبلوماسية" التي استخدمها الموفد الاميركي أموس هوكشتاين في معرض تأكيد بلاده على وجوب التشدد في تطبيق القرار الدولي 1701 وتمكين الجيش اللبناني من بسط سلطته على كامل أراضيه تفاديًا لخروج الأمور عن السيطرة أكثر، واكبها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بتصعيدٍ عسكريّ على العاصمة بيروت، التي تعرضت ضاحيتها الجنوبية لغارات عنيفة ومكثفة تخطت الـ15 غارة. كما استهدف الإحتلال، للمرة الأولى، ميناء الصيادين في الأوزاعي ومنطقة الجناح، بالقرب من مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حيث سقط أكثر من 4 شهداء وعشرات الإصابات.
ولم تكتفِ وحشية اسرائيل عند استهداف المنشآت والمباني بل عمدت الى تهديد القطاع الاستشفائي في لبنان بشكل مباشر عبر توجيه إنذار لمستشفى الساحل، في مشهد أعاد إلى الأذهان سيناريو اعتمدته إسرائيل مع المرافق الطبية والصحية في قطاع غزّة. علماً أن الاحتلال دأب، ومنذ بداية الحرب، على التعرض للمستشفيات ومحيطها كما المراكز الصحية والمسعفين وسيارات الإسعاف التي وجدت نفسها في مرمى النيران الاسرائيليّة التي أودت بحياة أكثر من 100 شخص من العاملين في هذا القطاع.
ويصعّد الاحتلال من عدوانه الذي بات يتوزع في اتجاهات عدة بعد إدخال مصالح "حزب الله" المالية ضمن بنك أهدافه. في وقت تتواصل العمليات البرية المحتدمة في القرى الحدودية التي تشهد على عملية تدمير ممنهج أدت إلى مسح أحياء سكنية برمتها بعد تفخيخها، وذلك ضمن خطة تهدف لخلق منطقة عازلة جنوبي لبنان. وتزامنت تلك العمليات العسكرية مع مواصلة "حزب الله" إطلاق الصواريخ على المستوطنات والبلدات الاسرائيليّة واستهداف المواقع الحدودية وتجمعات العدو العسكرية.
وعليه فإن معارك الميدان الضارية تزداد وتيرتها على وقع مفاوضات الهُدن، التي لا يبدو أن مفاعليها الحقيقية ستترجم واقعاً ملموساً، وسط معطيات عديدة تؤكد أن لبنان دخل في مرحلة الانتظار رغم ما توحيه الإدارة الأميركية من بذل محاولات لوقف النار. ولكن، هذه الإدارة كما نتنياهو، يدركان أن الوقت الحالي هو للتصعيد ريثما تنجلي نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية والرد الاسرائيليّ المرتقب على إيران كما "ثمار" معارك الاقتتال بين القوات الاسرائيليّة و"حزب الله"، والتي يعول عليها الجانبان في أي جولة تفاوض ستجري في المرحلة المقبلة.
ووفق هذه المعطيات، تشهد الساحة اللبنانية زيارات دولية وعربية، دون أن ننسى مؤتمر دعم لبنان الذي تنظمه فرنسا يوم الخميس المقبل. وفي هذا السياق، كانت جولة المبعوث الأميركي الذي أكد أن "ربط مستقبل لبنان بنزاعات أخرى في المنطقة، لم يكن وليس بمصلحة الشعب اللبناني"، منتقداً سوء تطبيق القرار الدولي 1701 وعدم الالتزام ببنوده.
وبالتزامن، عقد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لقاءات مع الجانب اللبناني، وسط دعوته الى وقف اطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 وانتخاب رئيس توافقي "لأن ذلك سيؤدي إلى استعادة الدولة اللبنانية لهيبتها ويعيد لبنان لممارسة دوره العربي والإقليمي"، وفق تصريحاته. أما فرنسا، التي يبذل رئيسها جهود حثيثة لدعم المسار الديبلوماسي، شددت على لسان وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو، أن الدعوة لوقف النار تمثل "ضرورة لأمننا الجماعي"، محذّراً من انهيار هذا البلد ومن خطر اندلاع "حرب أهلية وشيكة" فيه بسبب ما أسماه "الديناميات القوية جداً بين المذاهب وإضعاف "حزب الله".
هذا التخوف تعكسه تصريحات المحللين والخبراء المعنيين بالملف اللبناني، الذين يرون أن هناك خطر جدي وملموس من تداعي البنيان بشكل كلي اذا لم يتم الدعوة لحوار وطني داخلي وتجديد الالتزام باتفاق الطائف وتجديد الشعار المعروف في لبنان "لا غالب ولا مغلوب" والابتعاد عن سياسات المحاور وصراعاتها، كما تفعل اليوم سوريا والعراق لتجنب جرّ بلادهما الى أتون حرب مدمرة آخرى.
ولا تزال سوريا على موعد مع الاستهدافات الاسرائيليّة المستمرة، ولا سيما في حي المزة الذي شهد أمس على مقتل شخصين وإصابة آخرين. في وقت قال الجيش الإسرائيلي إن العملية أسهمت في قتل رئيس وحدة تحويل الأموال في "حزب الله". ولم يعلق الحزب، حتى الآن على الإعلان الإسرائيلي، كما لم توضح وزارة الدفاع السورية هوية القتلى.
بدورها، أعلنت وكالة "الأونروا" أن إسرائيل رفضت طلباً عاجلاً تقدمت به لإجلاء العالقين تحت الأنقاض، جراء الإبادة الجماعية التي ترتكب شمال غزّة دون أن تجد آذاناً صاغية. فيما حذر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من إنهيار كامل لمستشفيات شمالي القطاع وخروجها عن الخدمة.
وعلى وقع المجازر اليومية وتردي الأوضاع، يتوجه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، اليوم، إلى إسرائيل ودول عربية في محاولة جديدة لدفع مسار المفاوضات "المُجمدة"، بما يضمن إنهاء الحرب في غزّة، وتأمين إطلاق سراح جميع الأسرى وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. ومن جهتها، أفادت هيئة البث الإسرائيليّة أن رئيس جهاز (الشاباك) رونين بار، طرح أمام الكابينت، مقترح صفقة يشمل وقفاً محدوداً للنار مقابل إطلاق سراح محتجزين من دون انسحاب الجيش من القطاع المُحاصر وهو ما نقله الأخير إلى الجانب المصري خلال الزيارة التي قام بها الأحد الماضي.
ونستعرض في جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية إلى "أنه قبل 7 أكتوبر كانت منطقتنا على موعد مع نتائج جهود دولية تتقدمها السعودية وأمريكا لطرح مبادرة شاملة للسلام"، إلا أنها رأت أن "الأمور تغيرت وتبدلت رأساً على عقب بعد ذلك التاريخ المرتبط بالأحداث الدامية في غزّة التي يبدو أنها كانت مخططة لنزع أي أمل لبسط الهدوء في المنطقة بعبثية يبدو أيضاً أنها انقلبت بشكل عكسي على المُخطط وأدواته وأذرعته".
وبحسب وجهة نظر صحيفة "الشروق" الجزائرية، فإنه "في غياب تامّ للقوانين الدولية، وفي غياب قوّة تنفيذ القرارات الأممية، بل وازدراء تامّ للمنظمة الأممية، وبمجلس أمن منقسم معطَّل بفيتو مقيت، التغيير بات قادماً وبسرعة بولادة منظومة عالمية جديدة تعيد التوازن لعالم مختلّ يكاد ينهار"، موضحة أننا "سنكون أمام عالم جديد كلياً، فلا أحد سيكون بمنأى عن التغير والتأثر بما سيحدث، حتى لا نتحول كعرب ومسلمين إلى حطب حروب أخرى قادمة قد تكون أكبر من أخواتها".
واعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "حصيلة الزيارات واللقاءات الأردنية مع كل من إيران ودمشق، والاتصالات مع العراق، ومع لبنان، تعكس عدم قبول سياسات المحاور التصادمية المنغلقة"، مشددة، في الإطار عينه، على أن "اللقاءات والعلاقات الأردنية الوطيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا لا تعني قبول سياساتهم سواء في الانحياز للمستعمرة الإسرائيليّة، أو في التحريض على إيران، أو في ممارسة الاغتيالات للقيادات الفلسطينية أو اللبنانية أو الإيرانية".
من جهتها، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية أنه "لا فرق بين هاريس أو ترامب لنتنياهو وإسرائيل، فوصول أي منهما إلى البيت الأبيض هو استمرار للحاضنة والدعم الأمريكي اللامتناهي لتل أبيب"، لتستطرد قائلة: "إن القادم في الشرق الأوسط أسوأ، وذلك عبر حروب وممارسات عدوانية تفوق جرائم النازيين في عهد هتلر، حيث لا فرق بين الأخير ونتنياهو، وهو الأمر الذي يحتاج إلى خطط استباقية من الدول العربية لمواجهة المغامرات الإسرائيليّة الكارثية".
ولم يختلف موقف صحيفة "الشروق" المصرية، التي لفتت إلى أن "فشل بايدن، في توظيف نفوذ بلاده، للّجم سياسات نتنياهو التصعيدية في المنطقة جعله سببًا في تأجيج الحرب، عبر مواصلة تزويد إسرائيل بالأسلحة للعدوان على غزّة، لبنان وإيران". وقالت: "ما حصل يقوض مكانة واشنطن، كما ينفر حلفاءها منها، ويشجع قوى عالمية آخرى، مثل الصين وروسيا، على شغل الفراغ الأمريكي في الإقليم".
بدورها، تحدثت صحيفة "عُمان" العُمانية عن مرحلة ما بعد رحيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار، إذ نبهت من "اتساع رقعة الخلافات لتصبح أوسع مما يمكن التغلب عليه؛ لأن أطرافاً عربية وإقليمية ودولية وغيرها ستعمد إلى شدّ الجغرافيا الفلسطينية". لتخلص الى أن "هناك قناعات بأن السنوار ترك "حماس" والساحة الفلسطينية عموما أضعف حالاً مما كانت عليه قبل انتخابات 2006 ".
وعن الواقع اللبناني، ذكرت صحيفة "القدس العربي" عن أن "الفروقات لا تزال واسعة بين ما يطالب به الإسرائيليون والأمريكيون وبين ما يمكن أن يقبل به "حزب الله" ومن ورائه إيران في اللحظة الحالية". لتؤكد، في معرض مقالها، أن "اللبنانيين يتحضرون لشتاء قاس جداً وطويل لكن إسرائيل تجد صعوبة جدية في ترجمة التدمير الواسع الذي قامت به إلى وضع سياسي جديد".
(رصد "عروبة 22")