وجهات نظر

ما بعد السنوار

يعتقد الكيان الصهيوني أنّ استشهاد قائد المقاومة الفلسطينية في غزّة يحيى السنوار، يمكن أن يضمن إعادة الوضع الدولي والسياسي في المنطقة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. فالزهو الإسرائيلي بالخلاص من خصوم تاريخيين سواء فى فلسطين أو لبنان يتم بيعه للإسرائيليين والعالم بأنه أكبر تعزيز لأمن إسرائيل في المنطقة، بحسب زعم الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي كادت ولايته أن تنتهي، والمنتهي أخلاقياً، وأنّ العالم سيكون أفضل بدون السنوار.

ما بعد السنوار

لكن العالم وعلى الأقل المنطقة لم تكن في يوم من الأيام أفضل قبل أن يولد السنوار ولا قبل أن يشب ويختار طريق المقاومة، ولا طوال أكثر من عشرين عامًا قضاها سجينًا محتجزًا في السجون الصهيونية شديدة الحراسة.

لم تتمتع إسرائيل بالأمن الذي تنشده، ولم تنجح كل الأرواح التي أزهقتها، والدماء التي أسالتها في الأراضي الفلسطينية ولبنان والمنطقة ومحاولاتها خنق القضية وتصفيتها وبناء علاقات إقليمية جديدة تضع المسألة الفلسطينية في الهامش، في الوصول إلى لحظة ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بكل تداعياتها على الداخل الإسرائيلي قبل المنطقة.

ما من تنازل يمكن الحصول عليه من إسرائيل إلا بعد ضربة موجعة تتلقاها

لا تستطيع إسرائيل الزعم أنّ 7 أكتوبر/تشرين الأول لن يتكرر بعد نيلها من السنوار، إذ زعمت مثل هذا الزعم بعد نجاحها في اغتيال أبو جهاد وخالد نزال وفتحي الشقاقي والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش وأبو علي مصطفى وإبراهيم النابلسي، وغيرهم المئات من قادة المقاومة الفلسطينية، فالقصة طالما لا تملك إسرائيل الرغبة الحقيقية في إنهائها، ستظل تتكرر مع نسخ جديدة من السنوار مثلما كان أبو إبراهيم نسخة من سابقيه.

القصة باختصار أن يعيش الطفل الفلسطيني حالة الموت قبل أن يتذوق طعم الحياة، ويموت أهله وأصدقاؤه ورفاقه أمام عينيه، ويجد عائلته كلها تحت القصف والدمار، بيوتها مهدمة أو مصادرة والسجون تمتلئ بذويه، والمخيمات مكانه ومصيره، والعيش تحت نير الاحتلال والتمييز والفصل العنصري مستقبله الوحيد، فلماذا لا يكون "سنوارًا" وألف سنوار، وأي منطق يقول إنّ هذا المناخ غير داعم لنمو روح المقاومة وتجددها بأسماء أخرى وأشكال أخرى وخطط أخرى و"7 أكتوبر" آخر في يوم من الأيام؟.

عشية مرور عام على بدء "طوفان الأقصى" نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تحليلًا يؤكد أنّ التفوق العسكري فقط لن يجلب الأمن لإسرائيل، لأنه مهما كان هذا التفوق مضمونًا بالورقة والقلم، فلا ضمان لتكرار صدمات أمنية كبرى تزلزل كيان المجتمع الإسرائيلي.

كانت تلك الحالة من التفوق هي التي تسيطر على إسرائيل عقب حرب الأيام الستة فى يونيو/حزيران 1967، ومحاولة تمويت قضية الأراضي العربية المحتلة بحالة "اللا سلم واللا حرب"، لكنها لم تنجح في الاستمرار في ذلك وتلقت ضربة موجعة أجبرتها على تقديم تنازلات.

الصحيفة العبرية تؤكد أنه ما من تنازل يمكن الحصول عليه من إسرائيل إلا بعد ضربة موجعة تتلقاها، هذا هو العدو الذي نواجهه وتلك طبيعته.

بعد انتصارات أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 قدّم العدو الإسرائيلي لمصر تنازلات مباشرة في قضية احتلال شبه جزيرة سيناء، وأيًا كانت صيغة هذا التنازل لكنه غادرها وسلمها كاملة. ولم تذهب إسرائيل إلى مفاوضات مدريد وبعدها أوسلو إلا بعد أن مُرمغت سمعتها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتلقت من أطفال الحجارة الضربة الأخلاقية الموجعة، في ظل نظام إقليمي وعالمي كان قادرًا على ممارسة الضغوط على هذا السرطان الجامح.

وعلى خلفية الانتفاضة الثانية، اتخذ شارون قراره بالخروج من غزّة خروجًا منفردًا، دون اتفاقات أو معاهدات وقبلها نفذ انسحابًا منفردًا أيضًا من الجنوب اللبناني.

المنطقة عليها أن تدرك أنها أمام خيارين لا ثالث لهما: اعتراف كامل وعملي بالحقوق الفلسطينية أو انتظار "سنوار جديد"

ولا حل لإسرائيل وحلفائها الدوليين إلا وضع التنازل الجديد على الطاولة على خلفية ضربة 7 أكتوبر/تشرين الأول الموجعة، ليس فقط لترميم جرح لن يلتئم في المنطقة تغذيه دماء ما يزيد عن أربعين ألف شهيد، أو إعادة الاعتبار للقانون الدولي ومواثيق الحضارة الغربية التي انتهكت ودفنت تحت أنقاض غزّة، وإنما لقطع الطريق إن أرادوا على عودة السنوار في شكل جديد وروح جديدة.

لأنّ كافة المعطيات القائمة لا يمكن أن تقبل تمويت جديد للقضية حتى لو وُضعت تئن تحت أنقاض القصف، والمنطقة التي تنتظر "ما بعد السنوار" عليها أن تدرك أنها أمام خيارين لا ثالث لهما؛ اعتراف كامل وعملي بالحقوق الفلسطينية أو انتظار "سنوار جديد".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن