وجهات نظر

تحوّلات في المشهد السوداني.. نحو تراجع الدعم لـ"حميدتي"!

شهدنا خلال الفترة الأخيرة تحولات عسكرية وتوسعًا على الأرض لصالح الجيش السوداني الذي اعتمد مبدأ الهجوم بدلًا من الدفاع، تأسيسًا على حصوله على ذخائر كانت تنقصه من جهات دولية، كما شهدنا أيضًا تحولات سياسية خصوصًا من جانب الاتحاد الأفريقي بشأن فك تجميد عضوية السودان فيه نتيجة ما جرى من انقلاب ضد الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢١، وشهدنا ثالثًا تحولات منظمة "الإيجاد" التي تسعى حاليًا لخطب ود قيادة الجيش السوداني، وهو الأمر الذي ينتج بدرجة ما تحولات نسبية لدول أفريقية بشأن الاستمرار في مناصرة قوات "الدعم السريع".

تحوّلات في المشهد السوداني.. نحو تراجع الدعم لـ

على صعيد التحولات أيضًا نتابع تراكم مؤشرات عن مراجعات من جانب أطراف إقليمية داعمة لقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو فيما يخص رؤيتها لمدى صلاحية قواته في أن تكون بديلًا للقوات المسلحة السودانية في مهام الحفاظ على الدولة السودانية، وقيامها بوظائفها المنوطة بها، خصوصًا بعد حادث قيام قوات "الدعم السريع" بإسقاط طائرة تابعة لهم عن طريق الخطأ، اعتقادًا أنها تابعة للجيش السوداني في حادث يكشف حجم القدرات العسكرية المتواضعة لـ"الدعم السريع" في أدائها ضد الآليات العسكرية بمعزل عن استخدام أو ترويع المدنيين.

هذه التحولات التي قمنا برصدها تفسر لنا محاور الخطاب الأخير لمحمد حمدان دقلو بعد هزيمة قواته في إحدى أهم النقاط الإستراتيجية بمنطقة شرق السودان "جبل مويه" التي هي نقطة وصل بين عدة ولايات سودانية من ناحية، ونقطة تواصل بين الفرق العسكرية السودانية على المستويين العسكري واللوجستي من ناحية أخرى.

هل يمكن أن تحمل هذه التحوّلات العسكرية والسياسية فرصًا حقيقية في وقف الحرب أم أنّها قابلة للتراجع؟

احتاج الرجل أن يفسر الهزيمة، وبالتالي لجأ إلى تراكيب غير منطقية ولا واقعية على الصعيد العسكري، ذلك أنّ القوات الجوية السودانية مصنفة دوليًا في مكانة متوسطة، في ضوء امتلاكها لطائرات مقاتلة وأخرى هجومية.

وقد نتمكن من تفسير الحالة الانفعالية الحادة بحميدتي ليس فقط في الهزيمة العسكرية، ولكن أيضًا بشعوره باتجاهات وسريان حالات التحول والتخلي الإقليمي العربي والأفريقي عنه من ناحية، وكذلك اتساع حالة الرفض الشعبي الداخلي له ولقواته من ناحية أخرى وذلك حتى في قطاعات من حواضنة الاجتماعية في ضوء الخسائر المتعاظمة للمدنيين في أمنهم وممتلكاتهم وأعراضهم، وعدم القدرة لتفسير أو تبرير ذلك.

وأخيرًا؛ فإنّ فقدان حميدتي لحلفائه السياسيين السودانيين في الداخل وتراجعهم عن دعمه حتى في وسائلهم الإعلامية وفضح الخطأ العسكري الذي قامت به قواته في إسقاط طائرة تابعة لهم، يساهم بشكل فعال قد يهدم فكرة أنه يملك مشروعًا سياسيًا سودانيًا مغايرًا لمشروع "الإخوان المسلمين" أي النظام القديم من حيث دعمه لفكرة التحول الديمقراطي وتدشين عقد اجتماعي لسودان جديد.

في ضوء جملة هذه التحولات بالمشهد السوداني على الصعيدين الداخلي والخارجي، يكون من المهم التساؤل ماذا تعني هذه التحولات على الصعيدين العسكري والسياسي في المرحلة المقبلة؟.. وهل يمكن أن تحمل فرصًا حقيقية واقعية في وقف الحرب السودانية أم أنّ هذه التحولات قابلة للتراجع مرة أخرى؟.

على الصعيد العسكري لا نستطيع القول إنّ تقدّم الجيش الميداني هو تقدّم يسير على وتيرة واحدة أي أنه يحرز انتصارات بلا هزائم. واقع الحال يشير إلى أنّ قوات "الدعم السريع" ما زالت تقاتل بشراسة ضد الجيش ولم تتملكها بعد روح الاستسلام، بدليل ما جرى من هزيمة للجيش السوداني في معركة منطقة تمبول بعد انتصاره في تحرير "جبل مويه"، كما أن الجيش لم يستطع بعد أن يخرج "الدعم السريع" بالكامل من الخرطوم العاصمة السياسية للبلاد، فضلًا عن حالة "الدعم السريع" في دارفور من حيث التمكن والسيطرة رغم الاختراق الجزئي الذي أنجزه الجيش بنجاح في منطقة الجنينة أقصى غرب إقليم دارفور.

قوات حميدتي تقاتل بشراسة حتى يصل إلى الحفاظ على وجوده وعلى الحد الأدنى من مصالحه خصوصًا الاقتصادية

هذه المؤشرات العسكرية تعني أولًا؛ أنّ حجم التحول في موقف مناصري "الدعم السريع" الإقليميين هو نسبي وليس كاملًا، بمعنى أنهم قد لا يسمحون بهزيمة كاملة لـ"الدعم السريع"، وهو أمر يعلمه دقلو جيدًا، من هنا تقاتل قوات النخبة لديه بشراسة حتى يصل إلى الحفاظ على وجوده بدرجة ما تتيح له الحفاظ على الحد الأدنى من مصالحه خصوصًا الاقتصادية.

وهي أيضًا تعني ثانيًا؛ أنّ الجيش السوداني لن يُسلّم مقاليد البلاد لا العسكرية ولا السياسية طبقًا لمعادلات وجود مؤثر لـ"الدعم السريع" في المعادلة العسكرية، خصوصًا الوجود المؤثر في الجيش وذلك على الرغم من الغطاء السياسي الذي تحاول عواصم عالمية أن تقدّمه له سواء في الاتجاه نحو عدم شمول القرار الأممي بحظر التسلح للسودان كله واقتصاره فقط على إقليم دارفور، أو بتبني فكرة دخول قوات حفظ سلام أفريقية إلى السودان.

إجمالًا ما زالت فرصة وقف الحرب السودانية بعيدة نسبيًا، وهي تطلب فاعلية من جانب الإدارة الأمريكية ما زالت مفقودة بسبب الانتخابات الرئاسية التي ستُحسم خلال أسابيع.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن