وجهات نظر

الرئاسة الأمريكية..بين تصويت عقابي لهاريس وتوقع الأسوأ من ترامب!

أيام ويحسم الناخبون العرب والمسلمون الأمريكيون موقفهم الصعب من اختيار مرشحهم في الانتخابات الرئاسية ما بين الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، والجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.

الرئاسة الأمريكية..بين تصويت عقابي لهاريس وتوقع الأسوأ من ترامب!

لم يسبق للناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين أن مثّلوا عاملًا مؤثّرًا في انتخابات رئاسية سابقة كما هو الحال اليوم، في ظل أجواء حرب الإبادة الإسرائيلية الدائرة في فلسطين ولبنان، وما تشير إليه كافة الاستطلاعات من أنّ السباق بين هاريس وترامب متساوٍ تقريبًا.

ومن المعروف أنّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية تحسمها القضايا المحلية وعلى رأسها الاقتصاد والهجرة والإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والجريمة والإجهاض، لكن الأوضاع مختلفة حتى الآن في ضوء المساهمة المطلوبة من الجالية العربية والمسلمة الأمريكية، وكذلك لقطاع أوسع من الشباب الأمريكي الذي شارك بحماس وإصرار في تظاهرات تطالب بوقف حرب الإبادة الصهيونية على مدى عام بأكمله، في التوجه بأعداد كبيرة لصناديق الاقتراع، خاصة في الولايات المعروفة بالمتأرجحة مثل ميتشجين وويسكنسون وبنسلفانيا.

تتركز الأنظار في 5 نوفمبر على ولاية ميتشجين وخسارة كل صوت ستمثل فارقًا مهمًا في الولايات المتأرجحة

يعتمد ترامب في جزء من دعايته الانتخابية على أنه المرشح الأكثر دعمًا وتمسكًا بالدفاع عن العدو الصهيوني، ويتهم القطاع الأوسع من اليهود الأمريكيين الذين يصوتون بشكل تقليدي لصالح الحزب الديمقراطي بمعاداة السامية بل والمساهمة في تدمير دولة الاحتلال بسبب اختيارهم هذا. كما أنّ جزءًا من قاعدته الانتخابية يتمثل في الناخبين المتدينين من أنصار الكنيسة التبشيرية (الإنجليكانية) التي ترى في إسرائيل نبوءة توراتية لا بد من تحققها.

ويكرر ترامب أنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حقق للكيان الصهيوني ما لم يقدم عليه أي رئيس آخر من خلال اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وكذلك بضم الجولان السوري المحتل، بجانب إقناعه لأربع دول عربية بتوقيع اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع تل أبيب من دون إنهاء الاحتلال، كما تنص مباردة السلام العربية لعام 2002.

وفي الوقت الذي برزت فيه قضية الدعم الأمريكي الراسخ لدولة الاحتلال كقضية انتخابية، ربما للمرة الأولى على مدى العقود الماضية، تتركز الأنظار في انتخابات الثلاثاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على ولاية ميتشجين حيث يوجد أكبر تجمع للعرب والمسلمين الأمريكيين، وتعتبر قضية الحرب الدائرة في فلسطين ولبنان قضية ستحسم قرار التصويت بالنسبة إليهم، أكثر ربما من الاقتصاد أو الإجهاض.

ووفقًا للنظام الانتخابي المعقد القائم في الولايات المتحدة والذي يعتمد على نظام المجمع الانتخابي لضمان تماسك النظام الفيدرالي بدلًا من التصويت الشعبي المباشر، فإنّ ما يهم كل من هاريس وترامب الفوز بالأصوات الشعبية في الولاية لكي يحصدوا الستة عشر مندوبًا المخصصين للولاية في المجمع الانتخابي. وفي ضوء تقارب النتيجة بين المتنافسين، كما هو الحال في كل الولايات المتأرجحة السبع، فإنّ خسارة كل صوت ستمثل فارقًا مهمًا.

وفي عام 2016، استغرق الأمر ثلاثة أسابيع كاملة كي يتم إعلان ترامب فائزًا في الولاية في مواجهة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بفارق نحو عشرة آلاف صوت فقط، وكانت هذه هي النسبة الأقرب في كل الولايات الأمريكية الخمسين وفي تاريخ الولاية قبل حسم النتيجة.

أما في انتخابات العام 2020، فاستعاد الرئيس الحالي جو بايدن ولاية ميتشجين لصالح الديمقراطيين بفارق 150 ألف صوت فقط في مواجهة ترامب الذي كان يسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية.

قيادات الجالية العربية والمسلمة الأمريكية في ميتشجن كانوا قد أرسلوا إنذارًا واضحًا صيف هذا العام للحزب الديمقراطي من أنّ أصواتهم غير مضمونة في الانتخابات المقبلة احتجاجًا على المشاركة العملية في حرب الإبادة الدائرة في فلسطين ولبنان والاكتفاء بالبيانات والمحاولات غير الجادة لوقف المذابح مقابل سيل لا يتوقف من الإمداد العسكري والمالي لإسرائيل.

وقبل المؤتمر العام للحزب في أغسطس/آب الماضي حشدوا ما يزيد عن مائة ألف صوت ليعلنوا أنهم "غير ملتزمين" بدعم مرشح الحزب في الانتخابات، والذي كان من المفترض أن يكون بايدن قبل انسحابه وتقدم نائبته هاريس لخوض السباق.

العرب والمسلمون الأمريكيون يدركون مدى تغلغل نفوذ اللوبي الصهيوني في مؤسسات حكم الولايات المتحدة

قطاع واسع من الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين يتمسكون بأنه من الضروري معاقبة المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي على سياسة إدارة بايدن التي سمحت لحكومة المتطرفين في دولة الاحتلال بقتل نحو 43 ألف فلسطيني والبدء قبل شهر في حملة قصف وحشية للبنان. بل بلغ الأمر أنّ قلة من قادة الجالية أعلنوا انهم سيدعمون ترامب لأنّ السياسة الأمريكية لا يمكن أن تكون أسوأ، بل ربما تكون العلاقة الحميمة بين ترامب ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو سببًا لوقف سريع للحرب، وصرح آخرون أنهم سيدعمون المرشحة المستقلة عن حزب الخضر، جيل ستاين.

لا شك أنّ العرب والمسلمين الأمريكيين يدركون جيدًا مدى تغلغل نفوذ اللوبي الصهيوني في المؤسسات المسيطرة على حكم الولايات المتحدة، وأنّ مجرد تصريح هاريس قبل أيام أنها "تتفهم" سبب غضب أحد الحاضرين لمؤتمر انتخابي شاركت فيه واتهم إدارة بايدن بالمشاركة في حرب الإبادة كان يكفي لتسرع آلة حملة ترامب الانتخابية إلى ترديد الدعاية المضادة لها بأنها تكره إسرائيل وستدفع مع من يسموا بـ"التيار التقدمي" بالحزب لوقف الدعم الأمريكي.

وما يتطلع له القائمون على حملة هاريس أنّ الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين الغاضبين سيتجاوزون هذه المشاعر الساخنة عندما يقفون في اللحظة الحاسمة أمام صندوق الاقتراع، مع إدراكهم أنّ ترامب عمليًا يمثل أسوأ ما في الولايات المتحدة من مظاهر للعنصرية والدعم الأعمى للكيان الصهيوني. ويحذرون من أنه حتى مع استمرار الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال في كل الأحوال، فإنّ إدارة هاريس لن تقدم على الاعتراف بضم متوقع للضفة الغربية، ولن تقبل باحتلال دائم لقطاع غزّة وستساهم في نمو التيار المتصاعد الذي يدرك أنّ إسرائيل ليست ضحية بل جلاد ومجرم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن