تقدير موقف

طريق الحرب في سوريا!

ينبغي أن لا يفاجئنا، قيام القوات الإسرائيلية بالتوغل في الأراضي السورية في خلال الأسابيع القليلة القادمة. ورغم أنّ التوغل المحتمل، يمكن أن يكون عبر خط فصل القوات على جبهة الجولان بعد ما قامت به إسرائيل من إجراءات هناك مؤخرًا، فإنّ التوغل يمكن أن يكون من الأراضي اللبنانية المجاورة لسوريا، والتي صارت منطقة عمليات في مسار الحرب الحالية.

طريق الحرب في سوريا!

احتمالات امتداد الحرب إلى سوريا، تبدو مجرد تفصيل في عموم المشهد الذي رسمته إسرائيل لحربها الراهنة في غزّة أولًا ثم في لبنان، واستهدفت في الأولى حركة "حماس"، ثم عممت هدفها ليشمل نحو 2,5 مليون فلسطيني، قبل انتقالها للحرب على فلسطينيي الضفة، وطورت في الحلقة الثانية، استهداف "حزب الله" في لبنان، ليصير استهدافًا لكل لبنان واللبنانيين والمقيمين هناك كما يؤكد مسار الحرب وبنك أهدافها، ورافق مسارَي غزّة ولبنان تكثيف عمليات القصف والاغتيال في سوريا، وتبادل الضربات مع إيران في إطار مشهد أقرب ما يكون إلى حرب إقليمية أو مقدمة لها، لن يكون توغل القوات الإسرائيلية في الأراضي السورية سوى تفصيل صغير فيها، وسيجد الإسرائيليون كل المبررات لعملياتهم رغم جهود نظام الأسد ومساندة روسية التي تساير رغبات ومطالب إسرائيل في سوريا.

لم تعد إسرائيل بحاجة للمهمات والخدمات التي اعتاد نظام الأسد القيام بها لصالحها

مسار حرب إسرائيل الراهن، يمثل تحولًا عميقًا في استراتيجية إسرائيل وسياستها في المحيط. إذ يجسد حالة انتقال من نمط تقليدي استمر عقودًا، أدارته قيادات في اليسار والوسط الإسرائيلي إلى حالة جديدة، يقودها اليمين المتطرف الذي يمثل زعيم "الليكود" ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جانب "الاعتدال" فيه، وأهم ملامح التحول خروج الإسرائيليين من فكرة التسوية مع الفلسطينيين والعرب، وتبني فكرة إخضاع الفلسطينيين بالقوة إضافة إلى استخدامها مع الوسائل السياسية والاقتصادية في العلاقة مع عموم العرب، مما غيّر الفكرة الإسرائيلية عن الحرب التي كانت محدودة وخاطفة هدفها لجم مؤقت للآخرين وردعهم، إلى حرب واسعة وطويلة ومتعددة الوسائل، وعلى عدة جبهات ذات أهداف استراتيجية، تتجاوز التفاهمات والعلاقات المحلية والإقليمية المحدودة بما لها من دعم ومساندة في المستوى الدولي.

واستنادًا إلى التغييرات في طبيعة الحرب وهدفها، يمكن فهم ليس الهدف الرئيس للحرب الذي أعلنه نتنياهو وهو السعي إلى نظام جديد في الشرق الأوسط، بل أيضًا تحقيق الأهداف الصغرى أو التفصيلية للحرب في مراحلها المتتالية، والتي كان هدفها في غزّة القضاء على "حماس"، وليس إضعافها وجلبها للتعاون كما حدث في الحروب ضد منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمخضت عن سلطة أوسلو، التي تتوالى عمليات قضمها، والحال موصول بالنسبة لهدف الحرب على لبنان في تدمير "حزب الله" وإخراجه من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي بعد أن كان الاشتباك معه والحرب ضده من أجل تقييد قوته وفعاليته لفترة قبل إطلاق موجة جديدة للصراع معه ومع الأطراف الواقفة خلفه، ووسط هذا المحتوى في نظرة إسرائيل الراهنة إلى أطراف الصراع، فإنّ فكرة نظام الأسد في سكوت إسرائيل عنه والقبول بوجوده في سوريا، تبدو خارج الحسابات الإسرائيلية، التي لم تعد بحاجة للمهمات والخدمات التي اعتاد نظام الأسد القيام بها لصالح إسرائيل، وبالتالي ليست معنية بتحمل إرثه وسيرته الدموية لمرحلة لاحقة.

وسط الوقائع والمعطيات السابقة، يبدو امتداد الحرب إلى سوريا أمرًا محتملًا بل مرجحًا، وكلاهما كان واضحًا في مواقف دولية وإقليمية ومحلية، واتخذت في إطارها إجراءات عملية، وفي كل الأحوال فإنّ المواقف والإجراءات استندت إلى مصالح متضاربة، لكن الاتجاه الرئيس كان تحذيرًا من إمكانية الحرب على نحو ما كانت كلمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون أمام مجلس الأمن الدولي، حيث حذر من امتداد الحرب إلى سوريا، التي تعيش أوضاعًا هشة، ومثله تحذير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من احتمالات امتداد الحرب إلى سوريا، مما يضع تركيا وإسرائيل على خط مواجهة "يشكل تهديدًا مباشرًا للمنطقة".

سوريا تحوّلت في الـ13 عامًا الماضية إلى قاعدة أساسية لإيران وميليشياتها

أما ما كان من مواقف وإجراءات مختلفة فقد جاءت من الطرفين الأكثر علاقة بالحرب. حيث سعى نظام الأسد لاتخاذ الإجراءات المطلوبة، والتي خطرت بباله لإبعاد إسرائيل عن خيار الحرب، فاتخذ موقف الصامت، ونأى بنفسه عن محور المقاومة وأطرافه، وتجاهل ما تقوم به إسرائيل في سوريا من عمليات قصف واغتيال وتدمير المعابر مع لبنان، وتجاهل خرقها اتفاقية فصل القوات لعام 1974 على جبهة الجولان، وذهب إلى تقييد حركة ونشاط "حزب الله" وإيران ومليشياتها في جنوب سوريا وفي خريطة انتشار مواقعهم ومستودعاتهم وسط استعداد لفعل ما هو أكثر، طالما تطلب الأمر.

ربما كانت إجراءات نظام الاسد كافية لدى البعض لاستبعاد وصول الحرب كما يفكر النظام، لكن الأمر لا يقف عند ذلك، فثمة عوامل أخرى تلقي بثقلها، بينها عوامل الضغط الداخلية والإقليمية ومنها التدخلات التركية العنيفة في شمال شرق سوريا، والعنف الداخلي في مناطق السيطرة التركية في الشمال الغربي، وأثر وتأثيرات موجة اللجوء اللبناني إلى سوريا، والأهم مما سبق كله الإجابة على سؤال عن قدرة إيران ومليشياتها و"حزب الله" على الالتزام بما تفرضه السلطات السورية عليهم في سوريا، التي تحوّلت في الـ13 عامًا الماضية إلى قاعدة أساسية لهم؟.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن