صحافة

نتنياهو وأوهام تغيير الشرق الأوسط

محمد إبراهيم الدويرى

المشاركة
نتنياهو وأوهام تغيير الشرق الأوسط

لاشك في أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي المتكررة بأن"إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط" هي تصريحات مبالغ فيها، حيث إن تغيير الشرق الأوسط يعد أكبر كثيرا من حجم وقوة وطموح إسرائيل، بل أكبر من قدرات أي من القوى العظمى مهما بلغت قوتها وتأثيراتها، صحيح يمكن أن نشهد تغييرا للأوضاع في دولة ما أو دولتين بفعل المشكلات والصراعات الموجودة في المنطقة، ولكن التوجهات الإسرائيلية الهادفة لتغيير هذه المنطقة المستقرة في مجملها منذ عقود طويلة، حتى لو كان هذا الاستقرار نسبيا لظروف معينة، هو أمر بعيد تماما عن الواقع.

وإذا كان نيتانياهو يقصد من وجهة نظره أن تغيير الشرق الأوسط يعني إلحاق الهزيمة بكل من حركة "حماس" و"حزب الله" فعليه أن يعلم أن حركة "حماس" سوف تظل جزءا لايتجزأ من نسيج المجتمع الفلسطيني، كما أن "حزب الله" سوف يظل أحد مكونات النظام السياسي اللبناني مهما اختلفنا مع بعض سياساتهما.

وقد تنجح إسرائيل في إضعاف القدرات العسكرية لكل منهما إلا أن القضاء التام عليهما ككيانات أو حتى كأفكار يعد أحد المستحيلات، ولن يتحقق مهما طال أمد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وجنوب لبنان. وإذا كان نيتانياهو يرى أن الشرق الأوسط الجديد يعني الاندماج الإسرائيلي الكامل في المنظومة العربية والإقليمية فعليه أن يعلم أن معاهدات السلام الموقعة مع عدد من الدول العربية والتي يرجع بعضها إلى أكثر من أربعة عقود لم تنجح في تحقيق هذا الدمج، بل يمكن لي أن أجزم بأن أحلام الدمج لن تحدث ما دامت إسرائيل تنتهج هذه السياسات العدوانية وما دامت القضية الفلسطينية لم تجد طريقها إلى الحل العادل والشامل والدائم.

وهنا أود أن أشير إلى أن الطموحات الإسرائيلية في تحقيق الهيمنة على المنطقة وإنجاز التطبيع الشعبي لم ولن يكتب لها النجاح رغم كل الدعم الأمريكي، كما أن الحلم الإسرائيلي بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية قد اصطدم بحائط صد قوى تبلور بوضوح في "مؤتمر التحالف الدولي لحل الدولتين" الذي عقد في الرياض نهاية الأسبوع الماضي، حيث عبر وزير الخارجية السعودي بشكل مباشر لا يقبل الشك بأن التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحاً قبل إيجاد حل لإقامة الدولة الفلسطينية، مع ضرورة تطبيق حل الدولتين وترجمته إلى خطوات ملموسة وضمان حق الفلسطينيين في تقرير المصير.

ومن ناحية أخرى فقد أتفق ولو لمرة واحدة في العمر، مع نيتانياهو في مقولة تغيير الشرق الأوسط، فإذا كان جادا في هذا التوجه فإن عليه أن يعلم علم اليقين أن أي تغيير حقيقى في الشرق الأوسط، لن يعني سوى أمر واحد وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي يجب أن تعيش فى أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل، ويتقرر ذلك من خلال المفاوضات السياسية، أما دون ذلك فإن أي تغيير يتحدث عنه نيتانياهو ليس له أي قيمة وسوف يذهب أدراج الرياح ولن ينجح فى تحقيقه، سواء استمر في الحكم حتى 2026 أو جاءت حكومة أخرى مماثلة لاتؤمن بالسلام.

وهنا أود أن أوجه مجموعة من الأسئلة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا كان يهدف إلى إحداث تغيير إيجابي فى الشرق الأوسط من أجل أن تعيش إسرائيل في سلام وأمن وذلك كما يلي:

السؤال الأول: هل حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من عام سوف تساعد على انتشار مناخ السلام في المنطقة؟ أم أنها سوف تخلق أجيالا شهدت وعانت من ويلات الإبادة ولن يكون أمامها وهي مفعمة بالإحباط والكراهية سوى أن تتجه إلى الانتقام بأي وسيلة؟.

السؤال الثاني: هل تهجير السكان الأبرياء من قطاع غزة وجنوب لبنان هو الحل الأمثل لتحقيق الأمن لإسرائيل؟ وحتى إذا فرضنا أن هذا الإجراء يمكن أن يحقق الأمن فمن المؤكد أنه لن يستمر لفترة طويلة وسوف نشهد حروبا متكررة تشنها إسرائيل على كل من غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران ولن تخرج من أي هذه الحروب منتصرة كما تريد، فمادامت الحلول المطروحة مؤقتة فإن الأمن الذي تنشده إسرائيل سيكون أيضاً مؤقتا؟

السؤال الثالث: هل اغتيال القيادات الفلسطينية واللبنانية هو المسار الطبيعي الذي سوف يحقق لإسرائيل أهدافها الأمنية والسياسية؟ أم أن مثل هذه العمليات من شأنها أن تفتح ملف الاغتيالات المتبادلة ولن يتم إغلاقه بسهولة؟.

السؤال الرابع : هل المجازر اليومية التي تنفذها إسرائيل ضد مئات الآلاف من المدنيين في غزة وجنوب لبنان سوف تلحق الهزيمة ـ المستحيلة ـ بدولتي فلسطين ولبنان؟.

السؤال الخامس : هل نيتانياهو وحكومته المتطرفة هم من يتحملون نتائج هذه الحروب الظالمة التي أدت إلى نتائج كارثية؟ أم أن الشعب الإسرائيلي هو الذي سوف يعاني من هذا الوضع مستقبلا ولن يهنأ بحالة السلام والاستقرار؟.

الخلاصة في رأيي أن جميع أحلام إسرائيل في تغيير الشرق الأوسط والاندماج في المنطقة سوف تظل كلها من دروب الخيال، ولن تنجح فى تحقيق أي من هذه الأهداف مهما بلغت قوتها العسكرية التدميرية ومهما كان حجم الدعم الأمريكي لها، أما إذا كانت لديها الرغبة الصادقة في أن تعيش في سلام واستقرار وأمن في المنطقة فإن ذلك يجب أن يمر عبر نافذة واحدة لا بديل عنها وهي إقامة الدولة الفلسطينية، أما دون ذلك فإن عدم الاستقرار وفقدان الأمن سوف يظل العنوان الدائم لإسرائيل بل للشرق الأوسط ككل.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن