حركة سياسية مكثفة تشهدها المنطقة بدأت بعد فوز الرئيس المُنتخب دونالد ترامب وتضم اسرائيل وأميركا وروسيا، التي تُعول على لعب دور انطلاقاً من نفوذها في الشرق الاوسط وعلاقتها الايجابية مع ايران، خاصة بعدما نأت بنفسها عن حربي غزّة ولبنان في عهد الرئيس جو بايدن. إلا أن عودة ترامب والانفتاح الروسي الذي تجلى بـ"المديح" الذي أطلقه الرئيس فلاديمير بوتين (حينما وصف ترامب بـ"الرجل الشجاع") يؤكد أننا بصدد مرحلة جديدة يُراد منها ربط الملفات المشتعلة وايجاد تسويات "مرضية" لن تخرج منها موسكو "خائبة" في الملف الأوكراني مقابل تنازلات أو تقديمات في ملفات آخرى.
ومن هنا يمكن فهم طبيعة الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيليّة رون ديرمر، والتي بحسب المعلومات الاعلامية المتداولة ركزت على شقين أساسيين وهما، منع ايران من توجيه ضربة لاسرائيل كما وقف نقل السلاح من سوريا إلى "حزب الله"، وهو أمر تشدد عليه تل أبيب وتريد لموسكو أن تكون شريكاً ضامناً نظراً لنفوذها الواسع وتغلغلها في عمق دمشق. ويتزامن ذلك مع محاولات اسرائيل المستمرة لقطع طرق الإمداد عبر قصف المعابر ومستودعات الاسلحة والذخيرة كما استهداف قيادات الحزب، وهو سيناريو تكرّر في الفترة الماضية وأدى لمقتل شخصيات رفيعة تحفظ الحزب عن تأكيد المعطيات أو نفيها.
وإزاء هذه التطورات التي لم تنعكس ايجاباً على الواقع الميداني رغم كل الضخ الاعلامي والتسريبات عن تقدم ملموس في المفاوضات، حيث تحدثت وسائل اعلام عبرية عن توسيع الجيش الإسرائيلي عملياته جنوبي لبنان إلى مناطق لم يصل إليها منذ بداية العملية البريّة. ووفق صحيفة "معاريف" الإسرائيليّة، فإن هدف المرحلة الثانية من هذه العملية هو الضغط على "حزب الله" بشأن مفاوضات التسوية".
اذاً تريد اسرائيل، كما أعلنت مراراً وتكراراً، التفاوض تحت النار لفرض شروطها وحشر الحزب "في الزاوية"، وهو أمرٌ سيؤدي إلى حرب استنزاف تعكس التحليلات المخاوف من أن تكون طويلة الأمد بظل غياب الارادة الجدية لوقف مفاعيلها والوصول الى تسوية لم تنضج بعد بنودها. فالجانب اللبناني يصرّ على الالتزام بالقرار الدولي 1701، فيما اسرائيل تتطلع الى اكثر من ذلك وسبق وأن اعلنت عن شروط رفضها لبنان وأدت الى فرملة مساعي الموفد الاميركي أموس هوكشتاين، الذي يبشر اليوم بوجود "فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".
وبينما لفتت "القناة 12" الإسرائيليّة إلى أن "نتنياهو يعتقد أنه يجب إنهاء حرب لبنان وأنه لا يمكن تحقيق إنجاز بحجم استهداف (الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن) نصرالله". أجرى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن نقاشاً مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر، العائد من روسيا، تناولا خلاله جهود التّوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان يسمح بعودة المدنيين، وسط تأكيد أميركي بأهمية الدفاع عن "أمن إسرائيل ضد تهديدات إيران والجماعات المدعومة منها". وفي هذا الصدد، قالت وزارة الخارجية الأميركية "إن موقفنا بشأن الحرب في لبنان هو التطبيق الكامل للقرار 1701 بما في ذلك نزع سلاح "حزب الله".
وكان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قال، خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس بايدن، أنه "يتعين علينا استعادة الرهائن فوراً"، قبل أن يؤكد أن "المشكلة الأساسية في المنطقة هي إيران التي تسعى إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل مباشر، من خلال الدعوة إلى إبادة إسرائيل والسعي إلى امتلاك الأسلحة النووية"، على حدّ قوله.
وفي السيّاق، تستقبل بيروت وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون عمليات السلام جان بيير لاكروا، ضمن الجهود الديبلوماسية، في وقت شهدت ساحات الميدان تصعيداً اسرائيلياً كبيراً تجلى بالغارات العنيفة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت منذ ساعات الصباح الأولى قبل أن يعاود الاحتلال توجيه انذارات اخلاء مسائية أرفقها بقصف طال عدة مناطق.
وخارج خارطة الانذار، شنّ الطيران الإسرائيلي غارة على منزل يضم نازحين في المنطقة الواقعة بين بعلشميه وضهور العبادية، على الطريق الدولية في قضاء عاليه، مما أدى إلى وقوع شهداء وعدد من الإصابات. وكان الاحتلال صعّد من استهداف تجمعات النازحين، حيث ارتكب مساء ايضاً مجزرة جديدة في بلدة جون - قضاء الشوف أسفرت عن استشهاد 15 شخصاً، بينهم 8 نساء و4 أطفال في حصيلة أولية.
وعلى وقع تهديد 14 بلدة جنوبية بضرورة الإخلاء والتوجه إلى شمال نهر الأولي (شمال مدينة صيدا)، واصل "حزب الله" قصف القواعد العسكرية كما اطلاق الرشقات الصاروخية التي أودت بحياة شخصين في نهاريا شمال إسرائيل. وكانت صفارات الانذار قد دوت في مدن حيفا وعكا وتل أبيب ومناطق الجليل الأعلى شمالاً ما دفع السكان إلى الاحتماء بالملاجئ.
من جهتها، أفادت "القناة الـ12" الإسرائيلية إنه تعطل العمل بمطار بن غوريون لأكثر من نصف ساعة، إثر رشقة الصواريخ من لبنان، في وقت سُجّلت المعركة البرية تراجعاً على أكثر من محور. وكان "حزب الله" أعلن، في احدى بياناته، أنه قتل أكثر من 100 جندي وأصاب ألفا آخرين منذ بدء العملية البرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي غزّة، أعلن الاحتلال عن فتح معبر كيسوفيم الجديد، بين إسرائيل وجنوب القطاع، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين. في حين أعلنت الأمم المتحدة أن 85٪ من محاولاتها لتنسيق قوافل المساعدات والزيارات الإنسانية تم رفضها أو عرقلتها من سلطات الاحتلال الإسرائيليّة الشهر الماضي.
هذا ويستمر القصف اليومي حاصداً المزيد من الأبرياء والمدنيين، خاصة في شمال القطاع الذي يرزح تحت ظروف انسانية صعبة. أما الضفة الغربية فتشهد عمليات اقتحام وتدمير ممنهج واعتقالات شملت أسرى سابقين ومضايقات يومية. بالتوازي، لفتت "هيئة البث الإسرائيلية" إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتزم وضع خطة فرض بسط السيادة عليها، ضمن أجندته في المرحلة المقبلة، وتحديداً بعد تسلّم ترامب مهامه رسمياً.
وتنوعت القضايا التي تناولتها الصحف العربية الصادرة اليوم بين قمّة الرياض والسياسات الأميركية بعد وصول ترامب وصولاً الى المخاوف من ضم الضفة:
أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى أن القرارات التي إتخذت في قمّة الرياض "تشكل إرادة عربية وإسلامية جامعة في الوقوف ضد العدوان الإسرائيلي، والهمجية التي تتبدّى في جرائم الحرب، وحرب الإبادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني"، مشددة على أن المهم "هو العمل على تنفيذ هذه القرارات؛ كي لا تبقى حبراً على ورق، وتنتهي في نهاية الأمر في الأدراج".
ورأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن المملكة عبر حشدها لقمّة الرياض "تؤسس لنهجٍ يقوم على التوازن والحكمة في معالجة القضايا المعقدة، مسخرة كافة إمكانياتها السياسية والدبلوماسية لتوحيد الجهود العربية والإسلامية"، مشددة على أن "هذا النهج يأتي ليعبّر عن قناعتها بأن استقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق عبر حلول مؤقتة، بل يتطلب تضافر الجهود على المستويين الإقليمي والدولي في بناء مستقبل مستدام يعزز السلام والتنمية ويحقق تطلعات الشعوب".
وفي الإطار عينه، تطرقت صحيفة "الشروق" المصرية إلى "أبرز ما جاء فى كلمات القادة والزعماء ذوي الصلة بالقضية الفلسطينية خلال قمّة الرياض حيث كانت "اللغة جيدة والمواقف ممتازة"، ولكنها تساءلت "كيف يمكن ترجمة هذه الكلمات والخطابات والدعوات إلى رؤية ملموسة بأدوات تنفيذية تحولها إلى واقع حقيقي؟ وكيف يمكن للعرب والمسلمين أن يبلوروا رؤية محددة تخاطب اللغة العملية التي يفهمها ترامب وكذلك نتنياهو؟".
ووفق صحيفة "البلاد" البحرينية، فإن "أهميّة الانتخابات الأميركية واختيار الرئيس ومتابعتها تأتي لأنها الشرطي الدولي بامتياز حالياً، وصاحبة القرار في كل المواجهات والتحديات في العالم، وكل القرارات التي ستصدر عن ترامب، ستكون حديث الساعة عربيا ودوليا"، معربة عن أملها "برؤية أميركا تتعامل مع الآخرين بنزاهة وحكمةوأن يتم تنفيذ الوعود الانتخابية في تحقيق السلام في المنطقة والعالم خاصة وقف الحرب في غزّة ولبنان".
وضمن هذا السيّاق، اعتبرت صحيفة "الراي" الكويتية أن أي تقريب للمسافات بين بايدن وترامب "سيكون بمثابة إشارة لطهران بأن الوقت الفاصل عن 20 يناير قد يكون الفرصة الأخيرة لتراجعاتٍ يمكن أن تصبح تكلفتها أعلى بعد تسلُّم الرئيس المنتخب في حال استثمر نتنياهو "فترة السماح" التي تشكلها الأيام 68 الآتية قبل يوم التنصيب لإحداث تغييرات عميقة في المشهد الاقليمي وتحديداً على جبهة إيران".
هذا ونبهت صحيفة "الشروق" الجزائرية أن "نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية سيؤدي بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى دمار وتفكك داخلي، خاصة عندما يتأكد الشعب الذي صوَّت لصالحه، بأن صوته قد ضاع، وأن ترامب قد خدعهم"، معتبرة أننا "سنعيش الفترة نفسها التي عاشها الإتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي عندما وصل على رأس الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي مخائيل غورباتشوف".
بدورها، تناولت صحيفة "الغد" الأردنية تصريحات وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، بشأن نيته فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية حيث "تأتي هذه الخطوة في سياق سياسي وأمني حساس يتسم بتوترات متصاعدة في المنطقة". وقالت: "إن هذه التصريحات تتجاوز كونها مجرد إعلان داخلي، حيث تتداخل مع إشارات متزايدة عن إحياء محتمل لخطة جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي كانت تهدف إلى إعادة صياغة شكل العلاقات العربية الصهيونية، دون الالتزام بمسار يضمن الحقوق الفلسطينية".
(رصد "عروبة 22")