وجهات نظر

مصير القضية الفلسطينية بين "الخَرِف" و"المجنون"

خلال إحدى جولاته الانتخابية، طرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سؤالًا بشأن كيفية حصول إسرائيل على المزيد من الأراضي، لأنه رآها "صغيرة على الخريطة مقارنة بالدول الأخرى في الشرق الأوسط!".

مصير القضية الفلسطينية بين

سؤال المرشح الجمهوري الذي طرحه في أغسطس/آب الماضي، أثناء حديث مع عدد من اليهود الأميركيين، لم يكن زلّة لسان، ولا حتى محاولة لمغازلة أصدقائه في جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، بل كان سؤالًا كشف عن السياسة التي ستتّبعها إدارته حيال القضية الفلسطينية.

وفي اليوم عينه الذي طرح فيه هذا السؤال، قال ترامب في مؤتمر صحافي إنه طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنهاء الحرب في أسرع وقت، لكنه رأى أنه يجب أولًا أن يحقق نتنياهو النصر "يجب أن ينتهي الأمر بسرعة... حقِّق انتصارك وإنهِ المسألة، يجب أن يتوقف ذلك، يجب أن يتوقف القتل".

يتوقّع مراقبون أن يطرح ترامب نسخة معدّلة من "صفقة القرن" قد تُفضي إلى إغلاق صفحة القضية الفلسطينية

وخلال المؤتمر عينه، انتقد ترامب دعوات إدارة بايدن/هاريس لوقف إطلاق النار في غزة، لأن وقف الحرب يمنح حماس، من وجهة نظره، الفرصة لإعادة بناء قوتها، "وقف الحرب ليس من شأنه إلا منح حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها وشنّ هجوم جديد"، وتعهد تقديم الدعم اللازم لإسرائيل كي تحقق انتصارها وبسرعة.

ولا يختلف الرئيس ترامب عن خصمه وسلفه الرئيس الحالي الديموقراطي جو بايدن، في انحيازهما ودعمهما لإسرائيل وضمان أمنها وبقائها وتفوقها عسكريًا وتقنيًا على جيرانها العرب، فكلاهما يتعامل مع الدولة العبرية باعتبارها الولاية الأميركية الـ"51" أو أنها على الأقل "القاعدة أو حاملة الطائرات الغربية المتقدمة التي تحافظ على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط".

لكن لكل رئيس منهما استراتيجيته في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، فالرئيس الديموقراطي "الخَرِف" الذي تفاخر بكونه "صهيونيًا أميركيًا"، وقدّم إلى إسرائيل أكبر دعم أميركي في تاريخ دولة الاحتلال، يواصل سياسة أسلافه الديموقراطيين، ويتحدث عن ضرورة التوصّل إلى تسويةٍ قائمة على "حل الدولتَيْن"، لكن ذلك الحديث لا يقدّم ولا يؤخّر ولا يخرج عن كونه "طقّ حنك" حسب تعبير أهلنا في الشام.

مع ذلك، لا يمكن إغفال أن بايدن يرغب في الانتقام من نتنياهو ورفاقه في الائتلاف الحاكم من قادة الصهيونية الدينية، لأنه يعتقد أنهم من أسباب خسارة نائبته كامالا هاريس السباق الرئاسي، ويعتبرهم خطرًا على مستقبل دولة الاحتلال التي قال عنها "إن لم تكن هناك إسرائيل لعمِلنا على إقامتها". لذا فقد يعمل خلال الفترة المتبقية من ولايته ليس فقط على وقف الحرب، بل قد يدبّر مع أجهزة إدارته لإطاحة حكومة نتنياهو الذي بادر إلى إقالة وزير دفاعه يوآف غالانت المعروف بقربه من البيت الأبيض ليلة الانتخابات الأميركية، في الوقت الذي بدأت فيه تحقيقات قضائية مع موظفين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بتُهم تسريب وتزوير وثائق لها علاقة بالحرب، وهي قضايا تشير بعض التقارير إلى انها كانت تمهّد للانقلاب على الائتلاف اليميني الإسرائيلي الحاكم، بدعم أميركي.

أما الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والذي يتّبع ما يُعرف بنظرية "المجنون" في الحكم، حسب تعبير مساعده السابق كليف سيمز، فيرتبط بعلاقة صداقة مع نتنياهو، ويحمل في عنقه دفع فواتير لأقطاب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وعلى رأسهم المليارديرة الصهيونية الأميركية مريم أديلسون التي تبرّعت بنحو 100 مليون دولار لحملة ترامب في الانتخابات الأخيرة.

خلال ولايته الأولى، منح ترامب لإسرائيل أكثر مما كان يعتقد أحد، إذ اعترف بـ"القدس الموحدة" عاصمةً للدولة العبرية، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وصادق على ضمّ هضبة الجولان السورية المحتلة للسيادة الإسرائيلية، وأطلق مشروعه لـ"الحل النهائي للصراع" الذي عُرف بـ"صفقة القرن" والذي كان يقضي بضم نحو ثلث مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، وتغيير هوية القدس، وإلغاء حق العودة، ثم دفَع العديد من دول المنطقة إلى التطبيع والاعتراف بدولة الاحتلال فيما عُرِف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، من دون أن تقدّم تل أبيب أي مقابل نظير تلك الاتفاقيات.

خلال جولاته الانتخابية، تعهد ترامب لكبار مموّلي حملته من اللوبي اليهودي ومنهم أديلسون، ليس فقط بتقنين وضع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما يسمح بتوسعة مساحة إسرائيل، بل بتبنّي مشروع جديد، يتماهى مع ما طرحه نتنياهو في سبتمبر/أيلول 2023 خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو المشروع الذي يقضي باقتطاع ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية وضمّها إلى دولة الاحتلال.

كما وعد ترامب قبل الانتخابات بـ"تنظيف فوضى الشرق الأوسط"، وفي سبيل تحقيق ذلك، يتوقّع مراقبون أن يطرح نسخة معدّلة من "صفقة القرن"، قد تتوافق بعض بنودها مع بنود الصفقة القديمة التي أعلن عن ملامحها في يناير/كانون الثاني 2020، لكنه سيضيف إليها بنودًا أخرى، تحوّلها إلى نسخة أسوأ قد تُفضي في حال فرضها إلى إغلاق صفحة القضية الفلسطينية وإلى الأبد.

لن يغيّر مسار تصوّرات ترامب سوى استمرار صمود الشعب الفلسطيني وإدراك الأنظمة العربية خطورة تلك المشروعات

وفور الإعلان عن حسم ترامب للسباق الرئاسي، ابتهج وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير بالنتيجة، وعبّر عن ذلك بقوله إن "الوقت قد حان لفرض السيادة على يهودا والسامرة - الضفة الغربية - وإقرار قانون إعدام (المخربين)"، في إشارة إلى القانون النازي الذي صادق عليه الكنيست في اليوم التالي للسباق الرئاسي الأميركي والذي يقضي بإبعاد أهالي منفّذي العمليات الفدائية داخل إسرائيل.

لا تزال تصورات ترامب وداعميه ومعهم أعضاء الائتلاف الحكومي الحاكم في إسرائيل مجرّد خطط، لن يغيّر مسارها سوى استمرار مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه من جهة، وإدراك الأنظمة العربية خطورة تلك المشروعات التي لن تدفن القضية الفلسطينية وحسب بل ستهدّد عروشهم أيضًا من جهة أخرى.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن