وجهات نظر

نحن والقمّة العربية الإسلامية

يُشكّل انعقاد القمة العربية الإسلامية في الرياض بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في منطقتنا العربية والاعتداء على مقدّساتنا الإسلامية خطوة هامة من أكثر من زاوية، منها مؤشر وجود هذه الكتلة الكبيرة من الدول التي يجمعها العروبة والدّين الإسلامي معًا أو الدّين فقط الذي يوحِّد بين أمم بسبب مركزيّة القدس في التراث الدّيني الإسلامي.

نحن والقمّة العربية الإسلامية

أما الزاوية الثانية فهي وجود هذه الكتلة في مساحة الجنوب العالمي أيضًا، وهو أمر يُتيح التشبيك والتنسيق في القضايا الأساسية التي تهمّ هذا العالم الذي يسمّى ثالثًا من حيث التمسّك بالعدالة الإنسانية التي نسِيها العالم الأول فساند إسرائيل في انتهاكاتها الممتدة من فلسطين حتى العراق ولبنان وسوف تمتد إلى إيران أيضًا إن لم تتماسك الكتلة العربية الإسلامية ليكون لها من الصوت والفعل ما يشكّل رادِعًا أمام الطموح الإسرائيلي غير المشروع والدعم الأميركي له غير المشروع أيضًا.

أما الزاوية الثالثة فهي إمكانية أن تمارس هذه الكتلة ليس غضبًا فقط كما قال وزير الخارجية السعودي وتوصيل حالة الغضب هذه للعالم، ولكن فعلًا أيضًا من شأنه أن ينتبه له العالم ويفيق لخلق حالة توازن مطلوبة في منطقة الشرق الأوسط قبل أن نذهب إلى الجحيم جميعًا نحن العرب والمصالح الدولية في منطقتنا.

إشهار سلاح النفط على رؤوس الأشهاد سيُكسبه زخمًا كبيرًا من الدعم من جانب شعوب دول الجنوب العالمي

في هذا السياق، يبدو لنا أنّ اتجاهات القمة العربية الإسلامية في بيانها الختامي بتجميد عضوية إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة، ردًّا على جرائمها ضد الإنسانية وممارسة فعل الإبادة الجماعية التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، وبالتوازي المطالبة بالعضوية الكاملة لفلسطين هو اتجاه صحيح ولكن مشكلته الرئيسية بالنسبة إلينا نحن أي النُخب غير الرسمية والجماهير العربية والإسلامية أمران؛ الأول أنه يعتمد على فكرة بلْوَرة رسالة غضب جماعية عربية إسلامية لتكون على المائدة العالمية، أما الأمر الثاني أنه بلا آليات ولا برنامج عمل تتحدّد فيه مسؤولية كل طرف في العمل الديبلوماسي مع الأطراف الدولية وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية.

ويمكن القول هنا إنّ الكتلة العربية على الأقل هي كتلة نفطية، وبالتالي فإنّ اعتماد آلية الضغط والتهديد فيما يتعلق بخفض مستوى الإنتاج هو أمر بات "فرض عين"، وإن كنتُ على ثقة بأنّ مثل هذا السلاح يتم التلويح به في الغرف المغلقة والكواليس الديبلوماسية بين الأطراف بما يجعل تأثيره محدودًا ومصداقيته ضعيفة، ولكن إشهار سلاح النفط على رؤوس الأشهاد سيُكسبه زخمًا كبيرًا من الدعم والتأييد من جانب شعوب دول الجنوب العالمي قاطبةً بمن فيهم الكتلة العربية والإسلامية، حيث لا يمكن أن ننسى في هذا السياق أنّ النفط وحسابات مستوى إنتاجه هو آلية ردع الولايات المتحدة ضد إسرائيل والتي أجبرت الأخيرة على هندسة الردود العسكرية الإسرائيلية على إيران ميدانيًا بما لا يؤثر على المنشآت النفطية.

وإلى جانب سلاح النفط فإنه من المهم البحث في عدد من الآليات الأخرى التي قد يكون منها الإعلان عن عدم خدمة السفن المنتمية للعواصم المساندة لإسرائيل في موانئ الجنوب العالمي، كما أنّ منع السفن الإسرائيلية من المرور بقناة السويس هو أمر مطلوب أيضًا إذ إنّ تعطيل اتفاقية القسطنطينية من جانب مصر وهي الاتفاقية التي تؤمّن حرية الملاحة في القناة لكل الدول، سيكون ردًّا منطقيًّا على تعطيل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في كل من غزّة ولبنان وغيرهما، بل وممارسة فعل الإبادة الجماعية.

وفي ظنّي أنّ شروع الكتلة العربية في إشهار آليات ضاغطة على مصالح الأطراف الدولية المساندة لإسرائيل من شأنه أن يُنشِّط كل دول الجنوب العالمي في الاتجاه ذاته، خصوصًا الكتلة الإسلامية وكذلك بعض أطراف كتلة "بريكس"، وهي الأطراف الساعية إلى تحقيق قدر من التوازن في المصالح بين دول العالم الأول ودول الجنوب العالمي.

بزوغ إرادة عربية إسلامية تمتلك آليات مناسبة لردع إسرائيل هو السبيل الوحيد لوقف الحروب بمنطقتنا

اللحظة مناسبة كي تتحوّل مؤتمرات الكتلة العربية الإسلامية وإرادة دول هذه الكتلة إلى آليات ضاغطة من شأنها أن تجعل "حل الدولتَيْن" في فلسطين المحتلة أمرًا متاحًا يمكن أن يتحوّل إلى واقع، كما أنّ اللحظة مناسبة لتكتسب هذه الإرادة السياسية المطلوبة من حكامنا زخمًا وتأييدًا جماهيريًا وشعبيًا، بما يجعل مصداقيتها في الكواليس الديبلوماسية الغربية موجودة ومؤثرة على القرار الغربي عمومًا والأميركي خصوصًا في عهد "الكاوبوي" دونالد ترامب الذي يراهن على ضعف الجنوب العالمي، خصوصًا العرب والمسلمون منه، لفرض مشروع أميركي منفرد.

بزوغ إرادة عربية إسلامية تمتلك آليات مناسبة لردع إسرائيل هو السبيل الوحيد لوقف الحروب بمنطقتنا وهو يؤمّن النظم العربية واستقرارها، ما يساهم ثالثًا في تحجيم الطموحات الإسرائيلية في قيادة النظام العربي، وأخيرًا هو ما يجعل "حل الدولتين" ممكنًا، بل ومنظورًا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن