تراجعت وتيرة الغارات الجوية الإسرائيليّة مقارنة مع الأيام السابقة من العدوان المستمر على لبنان، والذي دخل يومه الـ58، فيما شهدت محاور القتال تصعيداً ميدانياً وعسكرياً غير مسبوق وعلى عدة محاور وجبهات. وتزامن ذلك مع المحادثات "الايجابية" التي يحاول كل من الجانب اللبناني والموفد الأميركي آموس هوكشتاين إشاعتها حول قرب التوصل لاتفاق لوقف النار بعد "تقليص هامش الفجوات وسدّ الثغرات"، وسط معلومات متضاربة من الجانب الاسرائيلي الذي لا يزال يدلي بتصريحات عالية النبرة، بما لا يشي بأن هناك اتفاق ولو "مبدئي"، خاصة أن المسؤولين الاسرائيليين يربطون أي اتفاق بمبدأ حرية الحركة العسكرية في لبنان وضمان أمن اسرائيل ومستوطناتها لفترات طويلة.
ويشكل بند "حرية الحركة" العائق الرئيسي لأن لبنان الرسمي كما "حزب الله" يرفضان أي اتفاق يعطي تل أبيب الذريعة للتدخل "متى إرتأت ذلك" وبالحجج التي تختلقها، بما يتناقض مع احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه. وعليه لا تزال الأمور في بدايتها بينما تبقى العبرة الأساسية في خواتيم أي اتفاقية يتطلع اليها الشعب اللبناني لوقف حمام الدم والخسائر المادية الجسيمة التي أصابت الاقتصاد اللبناني.
وعقب زيارة هوكشتاين الذي أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤولين رسميين لبنانيين بقي معظمها بعيداً عن الأضواء، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن "وقف إطلاق النار في لبنان ممكن التحقيق، لكنه يتطلب عملاً من الطرفين"، مؤكدةً "إحراز تقدمٍ نسبيّ"، لكنها لفتت إلى "عدم إمكانية التنبؤ بموعد التوصل إلى اتفاق". من جهتها، نقلت "هيئة البث الإسرائيليّة" عن مصادر رسميّة تأكيدها أن "حرية التحرك الإسرائيلي في حال وقوع انتهاكات" تشكل العقبة الرئيسيّة في المفاوضات.
في هذا الصدد، قال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش إن "الاتفاق مع لبنان لا يساوي الورق الذي يُطبع عليه"، بينما نبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، خلال اجتماع الكابينت السياسي - الأمني، وكذلك أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أنه "ليس مهماً ماذا سيكتب في الورقة (أي الاتفاق)، فالورقة هي مجرد ورقة وحسب"، حسبما نقلت عنه وسائل الإعلام العبرية.
وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن "التوصل لاتفاق لن يكون في الأيام القريبة على ما يبدو"، كاشفة عن أن الجيش الإسرائيلي "صادق على خطط أخرى لمهاجمة الضاحية الجنوبية لبيروت، وتنفيذ اغتيالات أينما يُتاح في لبنان، حتى في بيروت الشرقية (ذات الغالبية المسيحية)، واستمرار استهداف مواقع "حزب الله" في جنوب لبنان".
ميدانياً، استهدف العدو مجدداً الجيش اللبناني، وهذه المرة في بلدة الصرفند الجنوبية، ما تسبب في استشهاد 3 عناصر وإصابة 8 أشخاص، بينهم مدنيون. وفي تطور خطير من حيث المعاني والدلالات، أعلنت قوات حفظ السّلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) تعرضها لثلاثة هجمات منفصلة في جنوب لبنان، مؤكدة أنها فتحت تحقيقًا في جميع هذه الحوادث وأبلغت الجيش اللبناني بها. وشددت "اليونيفيل"، في بيانها، على ضرورة احترام حرمة قواتها ومبانيها، محذّرة من أن الهجمات ضدها تمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية والقرار 1701.
ودأبت إسرائيل في الفترة الأخيرة على توجيه سهامها نحو "اليونيفيل" مطالبة اياها بإخلاء عدد من مواقعها والانسحاب منها، وهو ما رفضته وتمسكت بتطبيق القرار 1701 الذي يمثل اليوم منطلقاً لأي تسوية مستقبلية. بموازاة ذلك، أخطرت الأرجنتين بعثة حفظ السلام الأممية بقرار سحب 3 من ضباطها من جنوب لبنان والطلب منهم العودة، وهو ما أكده المتحدث باسم هذه القوة أندريا تيننتي.
هذا وتحتدم المواجهات على محور بلدات شمع، طيرحرفا، والبياضة (جنوب مدينة صور)، حيث تدور معارك ضارية بين عناصر "حزب الله" والجيش الإسرائيلي الذي يحاول عزل منطقة الناقورة ومحيطها مع مواصلة الاشتباكات على جبهة مدينة الخيام، حيث يهدف الاحتلال الى الوصول لمحيط بنت جبيل. بغضون ذلك، ذكرت تقارير إسرائيلية أن 1000 عسكري إسرائيلي أصيبوا منذ بدء الهجوم البري على جنوب لبنان، أما "حزب الله" فقد أعلن عن تنفيذ قرابة 30 عملية بين قصف مواقع وثكنات إسرائيليّة واستهداف تجمعات للجنود في المنطقة الحدودية يوم أمس.
في سياق متصل، رأت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية أن الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد قد يلجأ لصفقة مع الرئيس السوري بشار الأسد لحل بند وقف تهريب السلاح من سوريا إلى "حزب الله"، وذلك في إطار أي اتفاقية لوقف إطلاق النار مع لبنان في المستقبل. وقالت إن ترامب المعروف بميوله نحو "الصفقات الكبرى"، قد يقوم بـ"مراجعة" السياسة الأميركية تجاه سوريا. كما كشفت أن روسيا رفضت طلباً إسرائيلياً لمنع تهريب السلاح، معللة ذلك بأنه خارج نطاق مهمة القوات الروسية العاملة في سوريا.
على المقلب الآخر، ندّد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة اليوم بسرقة المساعدات الإنسانية في غزّة، معتبراً أن هذه الظاهرة "أصبحت منظّمة ويجب أن تتوقف"، وذلك بعد أيام على نهب قافلة مساعدات أممية متوجهة للقطاع الذي يعاني سكانه من جوع مدقع. في وقت تشهد كل جهود المفاوضات جموداً، خاصة بعد اعلان قطر أمس أنها "لن تقبل بأن تُستغل لأغراض سياسية"، مؤكدة أن قادة فريق "حماس" للتفاوض، غير موجودين في الدوحة حاليا، ويتنقلون بين عواصم مختلفة".
وإزاء هذا التباعد القطري والدعم الذي كانت توفره لحركة "حماس" ما سيلقي بظلاله في الأيام المقبلة، أجرى نتنياهو جولة ميدانية برفقة وزير الأمن يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، في منطقة محور "نيتساريم"، حيث تحدث عن "نتائج رائعة حققتها اسرائيل نحو هدفها الرئيسي، المتمثل بمنع حركة "حماس" من السيطرة على غزّة". وأضاف "نحن نقضي على قدراتهم العسكرية بطريقة مدهشة، والآن ننتقل إلى استهداف قدراتهم السلطوية، وما زالت هناك خطوات قادمة…"حماس" لن تكون في غزّة".
وتناولت الصحف العربية الصادرة اليوم التطورات الحاصلة على الساحة العربية، لاسيما في ظل إستمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة أولاً ومحادثات التسوية في لبنان ثانياً:
تحت عنوان "البابا وحرب الإبادة"، كتبت صحيفة "الخليج" الإماراتية "عندما يدعو رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس إلى تحقيق دولي في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة ولبنان، فهو لا يمثل بهذه الدعوة مسيحيين في العالم فقط، بل هو يمثل الإنسانية جمعاء باعتباره يتماهى مع رسالة السيد المسيح في الإنسانية والمحبة والسلام ورفض الظلم والعدوان". وقالت: "موقفه هذا يعزز القيم الإنسانية والدينية التي تعطي الإنسان قيمته في الحياة، كما أنه يترجم "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي أبصرت النور في أبوظبي".
ولفتت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى أن "ترامب قد يزيد من دعم إسرائيل، وأن هذا الانحياز قد يُعمق الخلافات بين إسرائيل وفلسطين وقد يثير المزيد من المعارضة والانتقادات من المجتمع الدولي"، معتبرة أن ذلك "سيطرح تحديات من بينها كيف ستوازن الولايات المتحدة بين دعمها لإسرائيل ودفع عملية السلام الإقليمي وسيكون عاملاً حاسماً في تحديد مسار القضية الفلسطينية"، وفق تعبيرها.
بدورها، سلطت صحيفة "الأهرام" المصرية الضوء على استمرار المجازر الإسرائيليّة في قطاع غزّة ولبنان، حيث نددت بعدم تأثر "دول الغرب من مناظر القتل والتشريد والابادة لشعب غزّة ولبنان الذين يهربون ويسكنون الخيام ويتركون ديارهم بعد هدم مساكنهم على رؤوسهم". وأضافت: "لم تتأثر دول الغرب الظالمة ولم تبدِ أي احتجاجات قوية تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسوف يحكم التاريخ على هؤلاء ويكتب في السجل الأسود عن امريكا وإسرائيل التي يقودها نيتانياهو حيث سقطت مصداقيتهم أمام العالم أجمع".
من جهتها، رأت صحيفة "الشروق" الجزائرية أن "حرب التحرير الدائرة اليوم في فلسطين ولبنان ليست متكافئة من الناحية التكنولوجية، ولا من ناحية الخسائر البشرية والمادية"، لكنها أشارت إلى أن "ما يُخفيه الكيان من خسائر نوعية بداخله أعظم، خاصة تلك التي تمسُّ تماسكه العضوي وتدفع فئات واسعة منه نحو الهجرة العكسية".
وعلقت صحيفة "الراي" الكويتية على التطورات المستجدة في الشأن اللبناني، قائلة "يرتفع منسوب "حبس الأنفاس" بإزاء مهمة بدا أن واشنطن تريدها لـ"إبرام الصفقة"، بناءً على ما سيصدر عن لبنان في ما خص المقترح الأميركي، في الوقت الذي أوحي في بيروت بأنّ زرَّ تفجير المسعى أو الدفع به نحو الانفراج موجود في تل أبيب وبأن إنجاز الردّ اللبناني و"الروتشات" الأخيرة و"التقنية" عليه، في حضور هوكشتاين، سيعني أنّ كرة التعطيل وعرقلة الاتفاق هي في ملعب الاسرائيليين".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فلفتت الى ان "نتنياهو يريد توظيف الحرب ونتائجها ضد خصومه السياسيين في الداخل، ويناور لإيصال تأثيرات هذه الحرب إلى صراعه مع إيران، علّه يستطيع تنفيذ معركته ضد النظام الإيراني، وبقية أذرعه في دول الإقليم"، متحدثة "عن عدم الإكتفاء بتوقيع تسوية عسكرية لوقف إطلاق النار، والمطالبة بتحقيق التطبيع مع لبنان، لإحداث "تغيير فعلي" على خريطة الشرق الأوسط".
في إطار متصل، تطرقت صحيفة "عكاظ" السعودية الى الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية والتي "تمثل محطة مهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين"، منوهة إلى أنها "تأتي في لحظة مفصلية قبل تسلم ترمب مقاليد الحكم، مما يبرز إدراك فرنسا لأهمية تعزيز العلاقات مع السعودية كما أنها تأتي في ظل أوضاع إقليمية معقدة، خصوصًا مع تصاعد الأزمات في غزّة ولبنان".
(رصد "عروبة 22")