قضايا العرب

ليبيا.. عندما يتولى "قطّاع طُرق" السلطة!

لا ينبغي التوقُّف عند التصريحات العنترية الأخيرة في ليبيا‏، لوزير الداخلية في حكومة الوحدة الموقّتة في العاصمة طرابلس‏، عماد الطّرابلسي، بقدر الانتباه إلى السيرة الحافلة التي يقدّمها كنموذجٍ في كيفية اعتلاء السلطة، في البلد الذي لم ينجح بعد 13 عامًا على إسقاط نظام العقيد الرّاحل معمّر القذافي، في إقامة نظامٍ سياسيٍّ جديدٍ مستقر.

ليبيا.. عندما يتولى

بعد مرور نحو 9 أشهر على إعلانه‏، في فبراير/شباط الماضي‏، أنه بصدد إخلاء طرابلس من جميع التشكيلات المسلحة، وتفهّم جميع قادتها وأمرائها‏، تراجع الطّرابلسي عن خطته التي فشلت قبل أن تبدأ، وزعم أنّ تأخرها ليس ضعفًا وهدفه حقن الدماء!! لكنه كان حريصًا مؤخّرًا على التقاط صورة له‏، وهو يشرف على الترتيبات الأمنية لتأمين مباراة لكرة القدم في ملعب طرابلس‏، على الرغم من حديث مديرية أمن طرابلس، عن إصابة عنصرٍ أمني فيها!.

فاجأ الطّرابلسي‏ مواطنيه والعالم في مؤتمر صحافي في طرابلس، بالتعهد بفرض تدابير "آداب" واسعة النطاق تستهدف النساء والفتيات، معلنًا أنه "لا مكان للحريّات الشخصيّة في ليبيا"، واقترح على المعترضين الهجرة إلى أوروبا!! لم يشرح الطّرابلسي الأساس القانوني لهذه التدابير التعسّفية والصارمة التي تنتهك الدستور الليبي‏، لكن زميله وزير العدل خالد مسعود اعتبر، في المقابل‏، أنّ حريّة الأشخاص كفلها القانون شرط عدم تعارضها مع حريّة المجتمع والآخرين.

دفعت هذه التصريحات‏ "منظمة العفو الدولية"‏، لمطالبة سلطات طرابلس‏، بالتخلّي عن خطط فرض الحجاب الإلزامي، بينما اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية‏ أنه على الحكومة والمجتمع الدولي‏، عدم التسامح مع أي تدابير من شأنها أن تنتهك الحقوق الأساسيّة للنساء.

استدعت "هدرزة" الطّرابلسي المتلفزة التي تعني بالعامّية الليبية، الحكي أو الدردشة، غضب سفيرَيْ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بشأن احترام حقوق الإنسان العالمية، والمبادئ الإنسانية، وحقوق وحرّيات جميع المواطنين الليبيّين.

صعود ميليشياوي

قبل تعيينه وزيرًا، ترأَّس الطّرابلسي ميليشيا الأمن العام سيّئة السمعة، التي تورّطت في جرائم فظيعة ضد اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك حالات اختفاء قسري وتعذيب.

وجاء تعيينه وغيره من قادة الميلشيات المسلحة‏، ضمن محاولات الحكومات المتعاقبة‏، منذ سقوط نظام القذافي، لدمج الميليشيات ضمن أجهزة وزارتَيْ الدفاع والداخلية.

في سيرة الطّرابلسي‏، أنّه من سكان مدينة الزنتان، وعمل لفترة آمرًا لقوة العمليّات الخاصّة التي تتمركز في جنوبي غربي طرابلس، وقاتل في صفوف قوات "الزنتان" ضد قوات "فجر ليبيا" المتطرّفة سابقًا في طرابلس، وتولّى قيادة كتيبة "الصواعق". كما عمل لفترة تحت أمرة المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني في بنغازي في شرقي البلاد‏، قبل أن يشارك في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في الهجوم على اللواء الرابع في ورشفانة.

اتهامات أميركية ودولية

وحدّد التقرير السنوي لوزارة الخارجيّة الأميركيّة لعام 2018‏، اسم الطّرابلسي كأحد قادة القوات الخاصة الزنتانية المتورّطين في أنشطة ميليشياويّة، مع توجيه اتهاماتٍ بانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان مثل الاعتقالات التعسّفية والقتل خارج نطاق القضاء. كما وصفته لجنة من خبراء الأمم المتحدة بأنه رجل ميليشيا، و"متلقّي أموال تم الحصول عليها بشكلٍ غير قانوني"، إذ كان يسيطر على مجموعة مسلّحة تُسمّى "قوات العمليّات الخاصّة"، تفرض الإتاوات عبر نقاط التفتيش التابعة لها.

وفي عام 2018، عيّنه رئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج‏، رئيسًا لجهاز "الأمن العام والتمركزات الأمنيّة"، وسمّاه لاحقًا نائبًا لرئيس جهاز المخابرات الليبية، قبل أن يسمّيه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة وكيلًا عامًا لوزارة الداخلية‏، في أعقاب وقوفه وقوّاته إلى جانب ميليشيات الحكومة لإفشال دخول مجموعات مسلّحة تابعة لحكومة الاستقرار الموازية السابقة برئاسة فتحي باشاغا.

وعُدَّ اختيار الدبيبة للطّرابلسي وزيرًا للداخلية في حكومة الوحدة، مكافأةً له على دوره في التصدّي لهذا الهجوم ودليلًا قاطعًا على أنّ أمن طرابلس أصبح رسميًّا في قبضة الميليشيات.

أموال فرنسا

أوقفت السلطات الفرنسية الطّرابلسي، خلال زيارةٍ إلى العاصمة الفرنسية باريس، واعتقلته ساعاتٍ عدة، في مطار شارل ديغول، بتهمة حيازة نحو نصف مليون يورو، قبل أن تُطلِق سراحه بعد تحقيق تدخّلت فيه حكومة الدبيبة بشكل غير معلن.

ادّعى الطّرابلسي أنّ المبلغ هو 20 ألف يورو فقط، ونصفه أرسله معه صديق إلى جريح من الزنتان يُعالَج في فرنسا.. في رواية سخِر منها رئيس حكومته الدبيبة، في اجتماعٍ رسمي.

وتساءل نوّاب في البرلمان الإيطالي عن مبرّرات تعامُل إيطاليا ودّيًا مع الطّرابلسي، على الرغم من أنه مجرّد مهرّب ليبي، فقد ارتبط اسمه بالإتجار بالمهاجرين قبل أن يصبح وزيرًا.

طرابلس وجهة مغريّة للمتطرّفين

بسخريةٍ شديدة، رصد صحافيّون طموح عناصر تنظيم "القاعدة" للذهاب والعيش في العاصمة الليبية طرابلس، بعد قرارات الطّرابلسي، التي تحظى بدعمٍ كامل من الدبيبة.

باختصار.. سيرة الطّرابلسي الحافلة لم تكتب سطرها الأخير بعد، لكنه نموذج حيّ لكيفيّة تمتّع قادة الميليشيات بالحماية والنفوذ وممارسة السلطة، وكلّها مكتسبات لن يتخلّوا عنها بسهولة، حتّى لو كان الهدف إعادة ليبيا إلى الحياة مجدّدًا!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن