يحيي لبنان اليوم ذكرى الاستقلال الـ81 بينما تشهد قراه وبلداته على دمارٍ كبيرٍ واجتياح للقوات الإسرائيليّة التي تحاول التوغل داخل أراضيه كما يرزح سكانه بين ويلات الحرب والمعاناة الاقتصادية ومآسي النزوح التي تشكل شاهداً حياً على تقطيع أوصال الوطن الذي ألغى للمرة الـ13 مراسم الاحتفال نتيجة الظروف القاهرة التي يمر بها مع استمرار العدوان الاسرائيلي على لبنان.
أمنيات ودعوات كثيرة يحملها الشعب اللبناني وهو يرى بأم العين القصف الهمجي الذي حوّل أراضيه الى ركام واستهدف آثاره ومواقعه التاريخية التي تعكس هوية شعب وثقافته ورحلته عبر التاريخ. واذ تكثر الأمنيات تبقى أهمها الترقّب لما ستؤول اليه المفاوضات الجارية مع اسرائيل لوقف إطلاق النار وإرساء تسوية تضع حداً للقتل اليومي للمدنيين، حيث كان لبنان أمس على جولة عنف اسرائيليّة جديدة طالت معظم مناطقه مع ارتكاب العدو مجازر، لاسيما في بلدات البقاع الشمالي، التي سقط فيها 47 شهيداً و22 جريحاً.
هذا وكانت أحياء شاسعة من صور، ولاسيما في الحوش وبرج الشمالي والمعشوق، على موعد مع الانذارات الاسرائيليّة. بوقت عادت سلسلة الغارات العنيفة والمكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت بأكثر من 12 غارة في إطار 4 أوامر بالإخلاء أحدثت دماراً مروّعاً على وقع احتدام المواجهات على محاور التوغّل قرب بلدات الخيام وإبل السقي شرقًا، وشمع والبياضة غربًا.
هذه الأحداث الميدانية لم تحجب الاهتمام اللبناني والدولي بقرار المحكمة الجنائية الدولية، والذي يُشكل سابقة هي الأولى من نوعها، بعد صدور مذكرات توقيف بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزّة، بالإضافة إلى القائد العسكري لحركة "حماس" محمد الضيف بسبب ضلوعه بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على اسرائيل.
وفي وقت طالب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الدول الأعضاء والبالغ عددها 124 بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف، لاقى القرار ترحيباً أوروبياً وفلسطينياً ورفضاً أميركياً، فيما اتهم نتنياهو المحكمة بـ"معاداة السامية"، مؤكداً أنه "لن يستسلم للضغوط ولن يتراجع ولن ينسحب (من قطاع غزّة) إلا بعد تحقيق جميع أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل في بداية الحملة".
وبإنتظار ما ستؤول اليه الأوضاع بعد تسلم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم، خاصة بعدما توعّد مستشاره للأمن القومي مايك والتز المحكمة الجنائية والأمم المتحدة بـ"رداً قوياً" في كانون الثاني/ يناير المقبل، أي تاريخ تسلم ترامب مهامه رسمياً في البيت الأبيض. خطفت اللقاءات التي عقدها الموفد الاميركي آموس هوكشتاين في اسرائيل الأضواء لاستدلال معالم المرحلة المقبلة، حيث تضاربت المعلومات المسربة، بين تسوية وشيكة لوقف اطلاق النار وتأجيل مُتعمد سيلجأ اليه نتنياهو حتى تحقيق الأهداف، التي لم تُعرف ماهيتها بعد، لاسيما أنها تخطت مطلب عودة سكان مستوطنات الشمال، حيث تدرك اسرائيل أن ذلك لن يتحقق دون حل سياسي.
وبينما لم يصدر عن الاجتماع المطول الذي استمر لساعات بين نتنياهو وهوكشتاين ما يؤشر إلى حل قريب، نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصدر سياسي إسرائيلي إشارته إلى "تقدم كبير آخر أحرزه هوكشتاين"، قائلاً إنّ "الفجوات ضاقت لاحراز تسوية على جبهة لبنان". هذا التفاؤل لم تعكسه "القناة 13" الإسرائيلية التي تحدثت عن ظهور "مشكلة بالمفاوضات وتتعلق بمدة بقاء الجيش الإسرائيلي جنوبي لبنان حيث تطالب تل أبيب بالبقاء 60 يومًا"، وهذا أمر يرفضه الجانب اللبناني الذي يدعو إلى إنسحاب فوري.
من جهتها، ذكرت صحيفة "هآرتس" أن "تل أبيب تسعى للحصول على ضمانات أميركية تتيح لها حرية الردّ على أي انتهاكات من قبل "حزب الله" بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار". وعليه ينتظر لبنان الرسمي والشعبي ما سترشح عنه المفاوضات الإسرائيليّة - الأميركية التي تأتي في وقت تشهد المنطقة تصعيداً اسرائيلياً على مختلف الجبهات من لبنان الى سوريا فغزّة مع تهديد بقصف الفصائل العراقية الموالية لإيران، ناهيك عن جولات الكلام العالي النبرة بين مسؤولين اسرائيليين وايرانيين.
وقد لاقت طهران هذه الضغوط بمحاولة الانفتاح على الدول العربية والخليجية حيث برز أمس ما صدر عقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة "اتفاق بكين" في العاصمة السعودية الرياض، حيث أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن البلدين يعتزمان "إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة"، مؤكداً، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، أن ذلك يتطلب "استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه لتذليل التهديدات الحالية".
وفي الشق الفلسطيني، كشفت خريطة نُشرت أمس عن توسع محور "نتساريم" نحو الشمال والشرق ليصبح بحجم مدينة بعدما كان مجرد شريط يفصل شمال قطاع غزّة عن جنوبه. في حين تتواصل المجازر الإسرائيليّة مع تعمّد الاحتلال استهداف الأحياء السكنية المحيطة بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، ما أدى إلى استشهاد 75 فلسطينياً جلّهم من النساء والأطفال، لترتفع حصيلة العدوان إلى 43985 شهيداً.
وهيمن على عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق إلى جانب القضايا الآخرى ذات أولوية على الساحة العربية:
تطرقت صحيفة "الأهرام" المصرية الى قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي اعتبرته "رسالة غير مباشرة للإدارة الأمريكية الجديدة بضرورة البحث عن حل فوري للمأزق، حقناً للدماء، وحفاظاً على الأرواح"، وقالت: "نعلم جميعاً أن الولايات المتحدة أكثر من يتحدث عن الديمقراطية والحريات والمساواة والعدالة، فهل يتوقف الضمير الأمريكى قليلاً مع نفسه لمراجعة مواقفه بحثاً عن وقف فوري لإطلاق النار وحماية الأرواح البريئة؟، في اشارة الى الحرب المستمرة في لبنان وغزّة.
وتناولت صحيفة "القدس العربي" القرار عينه، حيث شددت على أن "وجود 124 دولة موقعة على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وكونها المحكمة العليا في مجالات تطبيق القوانين الدولية، وتمثّل الأمم المتحدة، يجعل التشكيك من مصداقيتها إعلاناً عن الخروج عن الشرع القانونية الدولية"، مؤكدة أن "القرار سيكون فاتحة لصراع كبير على معنى العالم، وعلى الإرث الذي انبنى بعد الحرب العالمية الثانية، وستكون المنظومات السياسية الدولية، في قلب هذا الصراع الذي سيحدد إن كان العالم قادراً على حماية هذه المنظومات أم أن القوة الغاشمة لتحالف ترامب ـ نتنياهو ستقوم بدفنها".
بدورها، سلطت صحيفة "الخليج" الإماراتية الضوء على "الفيتو الخامس" الذي استخدمته الإدارة الأميركية في مجلس الأمن، والذي يُعد "ضوء أخضر جديد لإسرائيل كي تمضي قدماً في حربها على الشعب الفلسطيني إلى ما لا نهاية"، موضحة أن هذا الموقف "يلغي إرادة المجتمع الدولي، ويؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة شريكة في حرب الإبادة".
ورأت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "المتفائلين بأن ترامب قادر على حل مشكلات منطقة الشرق الأوسط بالشكل الذي تطمح له شعوب هذه المنطقة يحتاجون إلى أن يسألوا أنفسهم عن سبب جوهري يجعله يغيّر من قناعته الشخصية بأمن دولة إسرائيل وتوسعها"، مستنتجة أن "بوليصة التأمين للمنطقة تكمن في جعل فاتورة الخسائر الاقتصادية لأمريكا كبيرة كي يقتنع الرجل الذي يؤمن بـ"أمريكا أولاً" بإعادة حساباته والتعامل بمفهوم المصالح والمنافع بعيداً عن المعتقدات والقناعات".
من جهتها، ركزت صحيفة "الجريدة" الكويتية على مفاوضات وقف النار في لبنان، حيث نقلت عن مصادر مطلعة معلوماتها عن وجود ملحقين للاتفاق الأميركي عبارة عن ورقة أميركية ـ إسرائيلية تمنح فيها واشنطن ضمانات للجانب الإسرائيلي حول النقاط الخلافية، وورقة فرنسية ـ لبنانية تمنح فيها باريس ضمانات للجانب اللبناني، وذلك لتسهيل توقيع الاتفاق وإنهاء الحرب قبل تسلم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب زمام السلطة.
أما صحيفة "الجمهورية" اللبنانية، فلفتت إلى أن "الأجواء الداخلية في لبنان وهو يتعرّض لحرب شرسة مدمّرة، تعكس صورة قاتمة عن مدى وحدة المجتمع وتلاحمه، حيث كثرت الانشقاقات الطائفية والاتهامات المتبادلة، وتخوين الآخر وصولاً إلى حَدّ تكفيره"، داعية إلى "ضرورة إعادة الثقة بين مكوّنات المجتمع الواحد على أساس من الشفافية، فقبل أن نجرّب التقسيم، لنجرّب طريق الشفافية ونرى النتائج".
(رصد "عروبة 22")