تطورات متسارعة ودراماتيكية تعيشها المنطقة والعالم مع اقتراب عودة الرئيس الأميركي المُنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض بعد أقل من شهرين. فمن أوكرانيا التي أبدى رئيسها الموافقة على اتفاق لا يفرض انسحاباً روسياً حالياً من المناطق التي احتلتها، مقابل دخول بلاده تحت مظلة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الى سوريا التي تشهد تقدماً "مفاجئاً" لفصائل سورية مسلحة بعد اعلان سيطرتها شبه الكاملة على مدينة حلب وريفها ومحافظة ادلب واجزاء من محافظة حماه وصولاً الى تحريك مفاوضات غزّة وقبول "حماس" الانسحاب التدريجي من القطاع.
هذه المستجدات ترافقت مع "اختبار" اتفاق التسوية لوقف اطلاق النار في لبنان الذي دخل حيّز التنفيذ بعد حرب دامت أكثر من 64 يوماً وتسببت بخسائر بشرية واقتصادية فادحة، إضافة إلى دخول ايران حواراً "دبلوماسياً" بشأن برنامجها النووي في جنيف. وقائع ترسم مشهداً جديداً مع تغيير في موازين القوى ما يطرح علامات استفهام عن طبيعة المرحلة المقبلة، وتحديداً الدور الأميركي مع الرئيس دونالد ترامب، الذي تعهد بإحلال "السلام" دون توضيح كيفية تحقيق ذلك ولصالح أي طرف.
وإزاء هذه المعطيات الدولية والعربية، يتصدّر المشهد السوري عناوين الأحداث بعد التقدم "السريع والمفاجىء" للفصائل السورية المسلحة المناوئة للرئيس بشار الأسد، الذي سارع خلال اتصال مع نظيره الاماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى التأكيد أن بلاده "مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين وداعميهم، وهي قادرة وبمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما اشتدت هجماتهم الإرهابية".
وفي اليوم السادس على بدء معركة "ردع العدوان"، حققت الفصائل المسلحة، وبعضها مدعوم من تركيا، إنجازات ميدانية بعد خروج شبه كامل لمدينة حلب وريفها عن سيطرة قوات النظام، وسيطرتها على كامل محافظة إدلب، ودخولها محافظة حماة من الجهة الشمالية. وإذ يُصعب حتى الآن إحصاء العدد الدقيق لمواقع سيطرة الفصائل في مدينة حلب وريفها، وإدلب وريفها، لكن التقديرات تقول إنها وصلت إلى أكثر من 150 موقعاً، فيما ناهز عدد القتلى من العسكريين من الجانبين نحو 300 قتيلاً.
وعلى وقع زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، سوريا، اليوم، قبل التوجه إلى تركيا في إطار جولة إقليمية لعقد "مشاورات حول القضايا الإقليمية، خصوصاً التطورات الأخيرة"، أعلنت الفصائل المسلحة السورية الموالية لتركيا في شمال غربي سوريا عن تدشين عملية عسكرية جديدة ضد "تنظيمات مسلحة كردية" والجيش السوري.
لبنانياً، تواصل اسرائيل خروقاتها لتسوية وقف النار، حيث تُمعن في استهدافها بعض القرى والبلدات الحدودية بالقصف المدفعي وترهيب السكان عبر بيانات تحذيرية بوجوب الامتناع عن الاقتراب من قراهم وبلداتهم والتي يناهز عددها الـ62 بلدة وقرية حدودية. في وقت أفادت تقارير ميدانيّة، السبت، أن غارة معادية من مسيّرة استهدفت بلدة رب ثلاثين وأسفرت عن وقوع شهيدين وجريحين، كما سجل توغل إسرائيلي بري في أحياء بلدة الخيام وتحليق إسرائيلي على علو منخفض في سماء بيروت وضاحيتها الجنوبية.
في المقابل، يواصل الجيش اللبناني تعزيزاته العسكرية لاستكمال انتشاره في المناطق جنوبي الليطاني بمؤازرة من قوات "اليونيفيل" بالتوازي مع اجراء لبنان الرسمي عدة اتصالات دبلوماسية مع أميركا وفرنسا لوقف الانتهاكات الإسرائيليّة وضمان ارساء الاستقرار. وكان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين حاضرًا على خط الاتصالات عبر التشديد على متابعته الحثيثة لهذه الخروقات مع الجهات المعنية وللتحركات الميدانية غير المبررّة.
في غضون ذلك، أعلنت القيادة الأميركية الوسطى عن وصول الجنرال جاسبر جيفيرز من قيادة العمليات الخاصة إلى بيروت لمراقبة آلية تنفيذ وقف الأعمال القتالية بين إسرائيل ولبنان. في حين برزت إشادة رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، بالدور الذي لعبه رئيس مجلس النواب نبيه بري في التوصل إلى قرار وقف النار، واصفاً إياه بـ"المؤثر والمهم للغاية". كما أكد استمرار دعم إيران للبنان بحكومته وشعبه ومقاومته.
من جهته، أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم "أننا أمام انتصار كبير في معركة أولي البأس، يفوق النصر الذي تحقق عام 2006". وفي أول اطلالة له بعد وقف النار، قال قاسم إنّ "الاتفاق ليس معاهدة أو اتفاق جديد بل هو عبارة عن برنامج إجراءات تنفيذية لها علاقة بتطبيق القرار 1701". وتضمنت كلمته العديد من الأبعاد السياسية لمرحلة ما بعد الحرب وحضور "حزب الله" في المعترك اللبناني بعيداً من "عمل المقاومة".
أما في ملف غزّة، فقد وصل وفد قيادي برئاسة عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحية أمس إلى القاهرة، لإجراء مباحثات تتعلق بأفكار جديدة حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وشدد أحد قيادي الحركة، في حديث اعلامي، على أن حماس "لم تتلق أي عرض أو اقتراح جديد حتى الآن، لكنها جاهزة لدراسة اتفاق يتضمن الانسحاب التدريجي من القطاع بشرط أن تتوافر ضمانات دولية تقود إلى وقف نهائي للحرب والانسحاب الكامل وتبادل الأسرى، على أن يكون مشروطاً بموافقة والتزام الاحتلال الاسرائيلي به".
ومنذ أن تم التوصل إلى هدنة وحيدة في غزّة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قادت الولايات المتحدة مع قطر ومصر وساطة بين إسرائيل وحماس، لكن هذه الجهود لم تثمر أي نتيجة. وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت عن مصادر أن هناك محادثات بين مصر وإسرائيل لإعادة فتح معبر رفح لزيادة إدخال المساعدات إلى غزّة، على أن تساعد السلطة الفلسطينية في إدارة الجانب الفلسطيني من المعبر وتتخلى حركة "حماس" عن سيطرتها الكاملة عليه. يُذكر أنه في إطار استمرار الضغط على الجانبين الاسرائيلي والأميركي بثت "كتائب القسام" تسجيلاً لأسير إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية، تحدث فيها عن معاناته وظروف احتجازه.
في سياق متصل، اتفقت إيران وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، على مواصلة "الحوار الدبلوماسي"، بعد محادثات "صريحة" في جنيف أٌحيطت بالكتمان حول مداولاتها ومقراراتها، في ظل توترات متصاعدة في المنطقة لا سيّما بسبب برنامج طهران النووي وتدخلاتها في دول الشرق الأوسط.
وتعددت عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم وأبرز ما جاء فيها:
تحدثت صحيفة "عكاظ" السعودية عن السياسات الأميركية في الشرق الاوسط، منتقدة "انحيازها الأعمى لإسرائيل التي ترتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين". وقالت: "أمريكا تستخدم هذا الكيان، كقاعدة معادية متقدمة، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية، وأهداف أسياد إسرائيل، في الغرب. وكانت النتيجة، أن معظم ما يحدث بالمنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب لصالحها، دون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والإنسانية والقانون".
من جهتها، تناولت صحيفة "البلاد" البحرينية تسوية وقف إطلاق النار في لبنان لتشير إلى أن "إيران عبر أذرعها روجت لنظرية وحدة الساحات، التي تسيطر أو تمون عليها انطلاقا من لبنان مرورا بسوريا وانتقالا إلى العراق وصولا إلى اليمن وبالأخص فلسطين"، لكنها أوضحت أن "حزب الله" قبل بترك هذه النظرية وباشر بتطبيقها في لبنان بعد قبوله بمبدأ التسوية، وبذلك تكون هذه النظرية قد تهاوت بفعل التطورات التي سبقتها وأحبطتها بعد خسائر طالت كل أطرافها".
أما صحيفة "الجريدة" الكويتية، فنقلت عن مصدر أمني إقليمي رفيع إشارته إلى أن "الولايات المتحدة رفضت فكرة ضم مقاتلي "حزب الله" إلى الجيش اللبناني، لكنها في المقابل ترحب وتدعم تسليم الحزب أسلحته الثقيلة للجيش اللبناني، حتى وإن جرى ذلك دون إعلان"، مضيفاً أن "واشنطن وعدت بمنح لبنان مساعدات مالية وعسكرية كبيرة ومؤثرة، في غضون أيام معدودة، في حال وافق الحزب على تسليم أسلحته للدولة اللبنانية"، بحسب ما أوردته الصحيفة.
الى ذلك، اعتبرت صحيفة "الشروق" المصرية، في مقال، أن "معظم سياسات النظام السوري وبطشه واستبداده كانت أحد الأسباب الرئيسية للوصول إلى هذا الانهيار للدولة السورية، التي كانت إحدى دول المواجهة الأساسية ضد إسرائيل، ثم تحولت الآن إلى ساحة تستبيحها إسرائيل طوال الوقت، وصارت أرضها محتلة فعليا من دول كبرى عالميا وإقليميا"، لتوضح أن "الحسابات في سوريا شديدة التعقيد"، في معرض تطرقها لما يجري اليوم من معارك ميدانية على الأرض.
ورأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "الهدف القديم الذي من أجله تم صناعة الثورة في سوريا أصبح وشيك التحقق، وكما شاهدنا أمس الأول، كيف سقطت مدن واراض في سوريا في قبضة الميليشيات، بلا مقدمات منطقية، هكذا بالضبط سيكون شكل ووقت سقوط البلدان والدول وخرابها وانتشار الفوضى فيها". وتابعت: "فلا جهة أو قوة محلية جاهزة لفرض أي أمن، او قانون، ولا جهة تعمل بعيدا عن التنسيق مع المجرمين الاسرائيليين يمكنه أن يفعل شيئا، إلا بالتخطيط والاتفاق مع اسرائيل".
في إطار ذات صلة، تطرقت صحيفة "العرب" القطرية إلى اجتماعات الدورة الـ45 لمجلس التعاون لدول الخليج العربي والتي ستعقد، اليوم، الأحد، على مستوى القمة، "في ضوء التحديات الإقليمية والدولية المهمة، بما فيها التطورات المستمرة في الشرق الأوسط عامة، والعدوان على قطاع غزّة، بالإضافة للمستجدات في سوريا، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود لتعزيز التنسيق والتعاون بين دول المجلس بما يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")