الأمن القومي العربي

ماذا تفعل إسرائيل في منطقة القرن الأفريقي؟الحصول على قاعدة عسكريّة مقابل الاعتراف بـ"الصومال الانفصالي"!

على الرّغم من صِغر مساحته الجغرافيّة، يطمح إقليم أرض الصّومال الانفصالي، إلى مرحلةٍ جديدة تؤمّن له الاعتراف الدّولي المفقود، بعد مرور ثلاثة عقود من تمتّعه بالحكم الذّاتي، حتّى وإن قاده ذلك إلى الاعتراف بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، ما يعني تحوّلات جيوسياسيّة خطيرة في منطقة القرن الأفريقي، التي تمثّل مركزًا للصّراع الإقليمي والدّولي.

ماذا تفعل إسرائيل في منطقة القرن الأفريقي؟
الحصول على قاعدة عسكريّة مقابل الاعتراف بـ

يأمل الإقليم الذي استقلّ من جانبٍ واحد عن الصّومال عام 1991، في توظيف موقعه الاستراتيجي عند تقاطع المحيط الهندي والبحر الأحمر، لرفع قيد وصوله إلى التّمويل الدّولي وقدرة سكانه البالغ عددهم ستّة ملايين على السّفر.

ومع فوز عبد الرّحمن عرّو، زعيم المعارضة بمنصب رئيس الإقليم، مُنهيًا عهد سابقه موسى بيهي عبدي، ومع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، يسعى الإقليم أيضًا لتنفيذ الاتفاق المثير للجدل، الذي أبرمه مطلع العام الجاري مع إثيوبيا، ويمنحها شريطًا ساحليًّا مقابل الاعتراف الديبلوماسي.

وتترقّب القاهرة بقلقٍ مكتوم، تحرّكات إسرائيل وإثيوبيا حيال ملف الصّومال، وهي مطالبة الآن بمقاربةٍ جديدة دفاعًا عن مصالحها الحيويّة، خصوصًا بعدما تلقّى عرّو، نصائح بضرورة النّظر في تأييد مذكّرة التفاهم والدّعوة لجولةٍ جديدة من المفاوضات مع إثيوبيا.

ولم تُعلن إسرائيل دعمًا صريحًا لهذا الاتفاق، لكن سفير إثيوبيا لدى تل أبيب أعلن  إيجابية الموقف الإسرائيلي تجاه تطلّع إثيوبيا إلى الوصول المباشِر إلى البحر الأحمر وخليج عدن. كما رصد عسكريّون مصريّون وجود يد لإسرائيل في إتمام الاتفاق.

وأبدى مسؤولو الإقليم الانفصالي استعدادهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من منطلق أنّه "بغضّ النظر عن هويّة من يدعم قضيّتنا، بما في ذلك إسرائيل، فنحن نؤيّد ذلك".


ويشعر الإقليم بالتفاؤل بإمكانية إعادة ترامب النظر في السياسة الأميركيّة التقليديّة، التي تعترف بسيادة مقديشو على أرض الصّومال.

اللوبي الغربي

وضمْن اللّوبي الغربي المؤيّد، توقّع وزير الدّفاع البريطاني الأسبق غافين ويليامسون، إقدام ترامب على الاعتراف باستقلال الإقليم.

وعلى الرّغم من ترجيح المباركة الأميركيّة لتدشين إسرائيل قاعدة عسكريّة هناك، تتخوّف الإدارة الأميركية من أن يشجّع دعمها أرض الصّومال للحصول على الاعتراف الدّولي، الحركات الانفصالية في القارة الأفريقية، ويزعزع الاستقرار فيها.

وراجت معلومات عن دراسةِ إسرائيل إقامة قاعدةٍ عسكريّة في أرض الصّومال، لمراقبة الحوثيّين في اليمن ومضيق باب المندب، إذ لا تنظر إسرائيل الساعية لتوسيع نفوذها وإيجاد منفذ على البحر الأحمر، فقط مــن منظــور أمنــي إلى الإقليم الذي يحتوي فرصًا اسـتثماريّة واقتصاديّة. إسرائيل التي تفتقر إلى عمقٍ استراتيجي جيوسياسي، تشعر بالحاجة إلى التواجد في الإقليم، الذي يملك ساحلًا يمتدّ على طول 740 كيلومترًا على خليج عدن، لتعزيز الأمن، عبر إنشاء قاعدة عسكريّة لمراقبة مرور ثلث الشحنات البحريّة العالميّة، ما يمنحها دورًا محوريًّا.

تحذيرات الحوثيّين في اليمن لإسرائيل، التي تقع قواعدها العسكريّة في أفريقيا في نطاق صواريخهم، دفعت مبكّرًا تقارير إسرائيلية إلى اعتبار أنّ التغيّرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة، تُبرز أهمية أرض الصّومال كمنطقة "استقرار".

وأشعلت خطّة إسرائيل الطامحة إلى إنشاء قاعدة عسكريّة في أرض الصّومال، عاصفةً جيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي. وتتوقع النُّخبة السياسيّة في أرض الصّومال، رفض الحكومة الصوماليّة وحلفائها اعتراف إسرائيل بأرض الصّومال، على الرّغم من الترحيب الإثيوبي بالحضور العسكري الإسرائيلي هناك.

وروّجت تل أبيب لوجود مزايا استراتيجيّة، يمكن أن تحقّقها من الاعتراف بأرض الصّومال كدولة مستقلّة تتخطّى تعزيز أمنها، إلى مواجهة التهديدات الإقليميّة.

اتصالات سريّة

وجرت في السابق اتصالات سريّة، عبر رسالة وجّهها رئيس الإقليم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في 1995، لطلب إبرام اتفاق استراتيجي مع إسرائيل بحجة مواجهة الأصوليّة الإسلاميّة.

كما طالب بإرسال مراقبين لمراقبة الاستفتاء على دستور نهاية عام 1996، ومعدّات عسكريّة وخبراء، وتقديم المساعدة.

وينظر البعض إلى التوسّع الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي كتهديدٍ للأمن القومي العربي، وتهديد مركّب للأمن القومي اليمني، بخاصة بعدما أصبح الإقليم موطنًا للعديد من جماعات الإسلام السياسي، والهاربين من بلدانهم، خصوصًا تنظيم "الإخوان المسلمين" المصري.

لذا كان طبيعيًّا أن تجعل المتغيّرات الأمنيّة المتّصلة بتنامي ظاهرة القرصنة أمام السواحل الصّوماليّة، وتهديدها لحركة التجارة العالميّة، أو بنشاط "حركة الشباب" المتطرّفة، من الصّومال الغائب الحاضر في العديد من الاتفاقيّات والمحادثات الأمنيّة بين إسرائيل ودول المنطقة، وفي مقدّمها كينيا وإثيوبيا.

وبينما تستخدم إثيوبيا كل الأدوات المتاحة لديها لتعظيم نفوذها في المنطقة، وفرض سيطرتها على أرض الصّومال، تسعى إسرائيل إلى استغلال خلافات إثيوبيا مع مصر والصّومال، لتحقيق مقاربة جديدة في منطقة القرن الأفريقي، اعتمادًا على الدعم الأميركي والغربي.

الولايات المتحدة، التي تُعتبر الشريك الأكبر سياسيًّا وعسكريًّا للصومال، لن تفوّت بطبيعة الحال فرصة تواجد ترامب مجدّدا في البيت الأبيض، من دون مساعدة إسرائيل على تكريس تواجدها في المنطقة، مستغلّةً طموح إقليم أرض الصّومال، للحصول على شرعيّة دوليّة، بأي ثمن.. لهذا ثمة حاجة لتحرّكٍ مصري وعربي مضاد وفوري. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن