يعود الخلاف بين المغرب وإيران إلى حقبة السبعينيات من القرن المنصرم. آنذاك بادرت طهران إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، بسبب استقبال الرباط لشاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإيرانية في عام 1979، والذي كان صديقا شخصيا للملك الراحل الحسن الثاني. وردا على هذه الاستضافة أعلنت إيران اعترافها بالجمهورية الصحراوية، التي أعلنتها جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية.
وبقيت العلاقات بين الطرفين تسير على نحو غير طبيعي على مدى العقود الأربعة الماضية، فتارة تعود وتارة تُقطع، وكان آخرها في عام 2018 عندما قطعت الرباط علاقاتها بطهران متهمة إياها بدعم جبهة البوليساريو من خلال "حزب الله"، وعبر السفارة الإيرانية في الجزائر. آنذاك ورد أن المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية في الجزائر استقبل مندوبين من جبهة البوليساريو. وفي عام 2021 عاد المغرب مُجددا إلى اتهام إيران بزعزعة الأمن والاستقرار في شمال افريقيا.
اليوم يبدو أن هناك مساعي عربية تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، للسعي لإعادة العلاقات بين البلدين، خاصة أن طهران يبدو أنها تسعى إلى ذلك أيضا، حيث حاول وزير الخارجية الإيراني السابق حسين عبد اللهيان مدّ يد المصالحة إلى المغرب في عهد الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي. كما جاءت دفعة جديدة لهذا التوجه في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، حيث أوردت بعض الصحف الدولية، أن طهران أرسلت مسؤولا رفيع المستوى إلى الرباط، واجتمع مع مسؤولين مغاربة برفقة ممثلين عن السعودية والإمارات، وأنه حمل رسالة مفادها أن طهران ترغب في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
أما دوافع التوجه الإيراني نحو إعادة العلاقات مع المغرب، فيمكن القول إنها تأتي في ظل تحولات كبيرة يتوقع أن تشهدها المنطقة ككل، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وكذلك المصالحة السعودية الإيرانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البعض يعزو قيام الرباط بقطع علاقاتها مع طهران، كان سببه الحقيقي هو الوقوف مع حليفها السعودي في حرب اليمن ضد الحوثيين، الذين تدعمهم طهران.
ومهما كانت الدوافع فإن ملف العلاقات بين الطرفين يتسم بالتعقيد ويتطلب الكثير من الجهود، والموقف المغربي المُعلن مبني على ركائز أساسية: أولا ثبت لدى الرباط تهديد طهران للوحدة الترابية للمغرب، من خلال تورطها في دعم جبهة البوليساريو، عبر الوسيط حزب الله، ذراع إيران في لبنان والمنطقة، وقيام هذا الأخير بتدريب عناصر جبهة البوليساريو، وعليه فإن هذا التصرف أصبح أحد أهم النقاط الشائكة في العلاقة بين الطرفين. ثانيا، يرى المغرب أن إيران لا تتعامل مع الدول بمنطق العلاقات الدولية، بل إن مرتكزها السياسي هو المذهب الشيعي، وهي تنطلق من هذا الاتجاه في تصدير رؤيتها السياسية والمذهبية إلى بقية الدول.
وبسبب هذا التوجه يقول المغرب، إن دول المنطقة عانت بشكل عام من هذه السياسة منذ ثمانينيات القرن المنصرم وحتى اليوم. ثالثا، يعتقد المغرب أن لدى إيران طموح بأن يصل مدها إلى شمال افريقيا، وحتى إلى الدول الافريقية الأخرى، وهي تفعل كل ذلك بسرية وتتغلغل بصمت، وتستخدم بعثاتها الدبلوماسية لدى الدول لتعزيز هذا التوجه. وعليه ترى الرباط أن موقعها ومسؤوليتها الدينية الروحية تُحتّم عليها الوقوف بوجه هذه السياسة والتصريح علنا بوجود تهديد وخطر إيراني. رابعا، إن للمغرب علاقات وطيدة مع دول الخليج العربي، وهو يرفض رفضا قاطعا مساس طهران بسيادة هذه الدول، خاصة في موضوع التهديدات الإيرانية تجاه البحرين، والإصرار على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى.
وفي ضوء كل هذا الاشتباك السياسي والعقائدي بين إيران والمغرب، فإن الرباط تشترط اعترافا إيرانيا واضحا بسيادته على الصحراء الغربية، بغية تطبيع علاقاته معها، خاصة أن المغرب وضع مؤخرا مسألة الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية، عنصرا أساسيا في علاقاته الدولية، سواء في إعادة علاقاته المقطوعة مع الدول، أو حتى في تطوير علاقاته القائمة مع الدول، ولعل أبرز مثال على ذلك هو القفزة التي شهدتها العلاقات المغربية الفرنسية مؤخرا، بعد اعتراف باريس صراحة وبشكل لا لبس فيه بمغربية الصحراء الغربية. السؤال المهم هو هل ستستجيب حكومة الرئيس الإيراني حسن بازشكيان لهذا الشرط؟
تتهرب إيران من سياساتها الرثة تجاه الدول، بإلقاء اللوم على أطراف أخرى في المنطقة وخارجها، فتدعي أن إسرائيل والولايات المتحدة هما من تقومان بوضع العصي في عجلة تطور علاقاتها مع المغرب، وكذلك مع مصر والسودان. كما تتبرأ طهران من دعم جبهة البوليساريو وتقول، إن الجبهة ليست من (محور المقاومة) كي تسعى لدعمها. ثم تحاول أن تقدم دليلا آخر على براءتها بالقول، إن العمق الإيراني لا يصل إلى المغرب لا سياسيا ولا أمنيا. بالتالي ليس لديها من مصلحة في المغرب. وأن رغبتها بإعادة العلاقات مع الرباط مرتبطة بسياسة الرئيس الإيراني الحالي، القائمة على تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول. لكن استجابة طهران للشرط المغربي في الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية يبدو صعب المنال في الوقت الحاضر.
فطهران ترتبط بعلاقات جيدة مع الجزائر، واعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء سيدخل علاقاتها مع الجزائر في نفق مظلم وهذا ما لا تريده. لقد خسرت طهران الكثير من نفوذها في المنطقة بعد حرب غزة ولبنان. كما أن التحولات الجيواستراتيجية في العالم يمكن أن تدفع بتصادم قوى كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا في المستقبل. بالتالي فإن القوى التي ليس لديها ارتكاز ولا تملك قوى بعيدة المدى ومؤثرة، سواء تعلق الأمر بإيران أو بغيرها، فإنه يجب عليها أن تختار الموقع المناسب لها وفق حجمها وإمكانياتها، وأن تكف عن السياسات الرعناء، لذلك اضطرت طهران إلى التواصل مع الولايات المتحدة، لتحديد سقف المواجهات وسقف الضربات بينها وبين إسرائيل مؤخرا، لأنها تعرف حجمها وإمكانياتها وحجم وإمكانيات الآخرين.
أما بالنسبة للمغرب فإن من حقه أن يضع شروطا على إيران لعودة العلاقات معها. فعقيدته السياسة الخارجية هي عدم التدخل في شؤون الغير أولا.. وثانيا أنه يدافع باستماته عن حدوده وعن عقيدته الدينية، خاصة إن طهران لها ارتباطات مذهبية تعمل على توظيفها سياسيا، حيث حدث ذلك في العراق واليمن ولبنان وسوريا، والمغرب يريد أن يتجاوز هذه العقدة مع الجانب الإيراني. واليوم حين تقول طهران إنها لم تدعم جبهة البوليساريو وليس لها مصلحة في ذلك، فإن الرباط ترد على هذا الادعاء بالقول، إذن عليكم أن تثبتوا ذلك بدعم الوحدة الترابية للمغرب.
(القدس العربي)