عندما يعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الايعاز ببدء مفاوضات فورية لإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب على قطاع غزة وفق "الشروط المقبولة لتل أبيب" بالتزامن مع موافقته على خطط احتلال المدينة، فإن ذلك يعني أن اسرائيل اتخذت قرارها الواضح باستمرار الحرب ورفض مقترح الهدنة الذي وافقت عليه "حماس" منذ عدة أيام والتفاوض على شروط وقف إطلاق النار بينما تعمد على تدمير ما تبقى من القطاع اسوة بما جرى في مناطق اخرى في شمال غزة وجنوبها بما يعزز من قدرتها على فرض طلباتها على اي طاولة مباحثات ستُعقد في المرحلة المقبلة.
فنتنياهو الذي يشعر بنشوة الانتصار وتحقيق مخططاته التوسعية في غزة والضفة الغربية بينما يعربد وزراء حكومته متخطين كل القوانين الدولية، من تهديد الاسير مروان البرغوثي الى وضع صور الدمار في زنازين السجناء بما يدخل ضمن اطار الحرب النفسية وسوء معاملة الأسرى الفلسطينيين الذين تغص بهم السجون الاسرائيلية، كلها شواهد تؤكد أن تل ابيب لن تقبل بصفقة جزئية بل إن المطروح اليوم هو صفقة شاملة تعيد الرهائن الاحياء منهم والاموات دفعة واحدة كي تبدو بموقف "الرابح" امام عائلاتهم اولًا، والاهم ستفرض شروطها لإنهاء الحرب، والتي سبق أن عددها نتنياهو، وتقوم على نزع سلاح "حماس" كما القطاع بأكمله، السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزّة وتشكيل حكومة غير تابعة لـ"حماس" ولا للسلطة الفلسطينية.
ورغم كل الادانات والتظاهرات كما الوقفات الاحتجاجية المتواصلة رفضًا لاستمرار حرب الابادة والتصريحات الدولية، والتي بعضها عبرت عنها دول تعتبر حليفة جدًا لاسرائيل، الا ان نتنياهو قرر "المقامرة" والمضي قدمًا مستندًا على "العكاز الاميركي"، حتى ولو كلفه ذلك المزيد من العزلة الدبلوماسية. وفي تفاصيل خطة "عربات جدعون 2"، فإن الجيش الإسرائيلي سينشر ست فرق في غزة، تعمل على تطويق المدينة من كل الجهات بهدف الحاق أفدح الخسائر بحركة "حماس" وذلك بعد اجلاء السكان منها ودفعهم للتوجه الى الجنوب، وهو ما بدأت رسميًا العمل عليه من خلال ابلاغ المسؤولين في القطاع الطبي والمنظمات الدولية بوضع خطة لإخلاء المستشفيات. في وقت اكد مدير "مجمع الشفاء الطبي" محمد أبو سليمة بأن هذا القرار "يعني حكم الإعدام على أكثر من ألفي مريض في مستشفيات المدينة (الشفاء والمعمداني والخدمة العامة والرنتيسي للأطفال)، مشيرًا إلى وجود أكثر من 120 مريضًا في أقسام العناية المركزة وحضانات الأطفال.
الى ذلك، يجد الفلسطينيون انفسهم في رحلة موت يومية، فالقصف خلفهم والجوع امامهم والامان معدوم في كل القطاع الذي تدكه قوات الاحتلال ليل نهار بهدف ايقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا. وكان تحقيق مشترك لمجلة "972" الإسرائيلية وصحيفة "الغارديان" البريطانية كشف أن 5 من بين كل 6 فلسطينيين قتلهم الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانوا من المدنيين، اذ بلغ معدل القتل في صفوفهم 83%، وهو معدل متطرف ونادر في الحروب. وهذا ما يكشف زيّف الادعاءات الاسرائيلية التي تروج في كل مرة تستهدف فيها مدرسة او مركز ايواء او حتى مستشفى بأنها كانت تستهدف عناصر من "حماس"، دون أن تبرز دليلًا واحدًا يؤكد صحة التصريحات التي تُعلن عنها. واستهداف المدنيين العُزل يعتبر استراتيجة اسرائيلية، اذ يمعن الاحتلال كل يوم بقتل منتظري المساعدات بالقرب من مراكز التوزيع بينما يرتفع معدل الجوع الذي بات يتفشى بين جميع السكان بظل شح المساعدات التي تدخل الى القطاع نتيجة العراقيل المتعمدة من قبل الاحتلال وفرض الحصار على كافة المعابر.
وضمن السيّاق، أفادت صحيفة "تلغراف" البريطانية، بأن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الامم المتحدة سيعلن أن المجاعة تحدث بمحافظة غزة وذلك للمرة الاولى وسط توقعات بامتداد المجاعة لمحافظتي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية ايلول/سبتمبر المقبل. وأعلنت وزارة الصحة، الخميس، أن العدد الإجمالي لشهداء التجويع وسوء التغذية ارتفع إلى 271 بينهم 112 طفلا. هذا وتواصل القوات الاسرائيلية نسف منازل وأحياء سكنية كاملة، كانت تكتظ بالعائلات، في حيي الزيتون والصبرة مستخدمة الروبوتات المفخخة، بالتزامن مع غارات جوية وقصف مدفعي عنيف ومرّكز على مناطق في حي التفاح شرقي مدينة غزة، وبلدة جباليا.
وتنفذ فصائل المقاومة الفلسطينية العديد من الهجمات على تجمعات للجيش الاسرائيلي، لاسيما في مدينة خان يونس، التي كانت ضمن جولة قام بها رئيس الأركان الإسرائيلية إيال زامير الذي قال "نتقدم بجهودنا في مدينة غزة. لدينا بالفعل قوات تعمل على مشارف المدينة، وستنضم إليها قوات إضافية لاحقًا"، مضيفًا "تبقى مهمتنا تحرير الرهائن وهزيمة "حماس"، لن نهدأ ولن نتوقف حتى نحققهما. إن تحقيق هذه المهمات ضروري لمستقبلنا ولقيمنا كمجتمع"، بحسب ادعاءاته. في غضون ذلك، تمحور اللقاء الذي جمع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول الأوضاع الفلسطينية ومستجداتها، حيث شدّد الزعيمان على ضرورة الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، والإفراج عن الرهائن والأسرى، ورفض أية محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو إعادة فرض الاحتلال العسكري الإسرائيلي على القطاع.
ومن غزة الى الضفة الغربية المحتلة التي تواجه أيضًا مخططات اسرائيلية استيطانية وقمع متزايد تمارسه قوات الاحتلال الى جانب قطيع المستوطنين. وكانت 21 دولة، بينها المملكة المتحدة وفرنسا أدانت، في بيان مشترك، الخميس، خطة الاستيطان الجديدة التي وافقت عليها إسرائيل موخرًا والهادفة الى بناء 3400 وحدة سكانية بما يفصل شمال الضفة عن جنوبها، واصفة اياها بـ"غير المقبولة" والتي تشكل "انتهاكًا للقانون الدولي". بينما حذر المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني مما يجري قائلًا "لم نكن يومًا بعيدين من حل الدولتين أكثر مما نحن عليه اليوم"، مؤكدًا أن الحكومة الإسرائيلية تعمد الى "اتخاذ قرارات ستزيد استحالة إقامة هاتين الدولتين". ويأتي ذلك بعد اعلان العديد من الدول عن رغبتها بالاعتراف بدولة فلسطين وذلك خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
سوريًا، نقلت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية عن مصادر مطلعة، قولها إن المحادثات السورية -الإسرائيلية تهدف بشكل رئيسي لمنع تموضُع "حزب الله"، أو القوات الإيرانية، أو أي قوة معادية لإسرائيل، في الجنوب السوري، مؤكدةً إعداد مسودة لفتح ممر من إسرائيل إلى الدروز في السويداء رغم تمسك دمشق برفض هذا الخيار. وكان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمر في العاصمة الفرنسية، باريس، محط انظار وذلك بعد الاعتراف العلني به من الجانب السوري وذلك ما شكل سابقة لم تحصل من قبل والاهم اكد على الدور الاميركي الملموس في هذا السياق والاهداف الحقيقية التي تسعى اليها واشنطن في محاولة اعطاء فرصة للنظام الجديد الذي يواجه معضلات خارجية وداخلية. ويعتبر ما يجري في محافظة السويداء خيار دليل على الظروف المعقدة التي تحاول ادارة الرئيس احمد الشرع التعامل معها بعد نقض اتفاق وقف النار عدة مرات.
في إطار مختلف، بدأ لبنان الخميس تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة تمهيدًا لفرض سيطرتها على كافة الاراضي ، والمرحلة الاولى كانت بتسليم السلاح الفلسطينيّ من داخل المخيمات إلى الجيش اللبناني حيث كانت الانطلاقة من مخيم برج البراجنة في بيروت على ان تستتبعها خطوات في الاطار عينه خلال الاسابيع المقبلة. وقد أتت هذه الخطوة بعد اللقاء الذي جمع الرئيسين اللبناني جوازف عون والفلسطيني محمود عباس في 21 أيار/مايو الماضي حيث تم الاتفاق حينها على المباشرة بالتطبيق.
واليكم ابرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم في مقالاتها وتحليلاتها:
كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "في لبنان، كانت قضية السلاح محور نقاش مستمر وسط الأزمات المتتالية التي ضربت البلاد خلال العقود الماضية. يُفترض أن السلاح يُستخدم لحماية الوطن والدفاع عن سيادته، ولكن المثل القائل: "السلاح عدو صاحبه"، يحمل في طياته حقيقة مؤلمة، لا سيما حين نتمعّن في تجربة "حزب الله" وسلاحه في الواقع اللبناني"، موضحة أن "الدولة اللبنانية وحدها تتحمّل المسؤولية الحصرية في حماية لبنان وأمنه، ولا بد من أن تكون هي الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح، بعيداً عن أي أدوات أو ميليشيات خارج إطار الدولة، لأن وجود مثل هذه الأسلحة خارج إطار الشرعية يغذي الانقسامات ويؤدي إلى تصاعد الأزمات والتنازلات".
صحيفة "اللواء" اللبنانية، بدورها، اعتبرت أن "خطوة تسليم السلاح الفلسطيني لا يجب أن تبقى معزولة أو رمزية. بل المطلوب خطة حازمة تُطبق على جميع المخيمات من الشمال إلى الجنوب، ضمن جدول زمني صارم، وبإشراف الدولة وأجهزتها حصراً. فالتجارب السابقة أظهرت أن التسويف والوعود الفضفاضة لا تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الفوضى". واضافت "إن تسليم السلاح ليس خياراً كريماً من أحد، بل هو واجب وطني وشرط بديهي لسيادة الدولة. فلبنان لم يعد يحتمل تعدد السلطات الأمنية ولا ازدواجية القرار. وعلى الفصائل الفلسطينية أن تدرك أن وجودها في لبنان محكوم باحترام القوانين اللبنانية والالتزام المطلق بسلطة الدولة، لا بسياسة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح".
في سياق اخر، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن نتنياهو حينما تحدثت عن "اسرائيل الكبرى" "لم يأتِ بجديد، بل ردد ما سبق أن ردده قبله متطرفو الكيان العنصري منذ عشرات السنين، ووظف نبوءات ورموزا دينية لكسب تأييد وولاء شرائح شعبية متطرفة، عبر أحلام يعلم هو وغيره استحالة تحقيقها"، لافتة الى أنه "بتصريحاته قدم دفعة قوية للقضية الفلسطينية، إذ أثبت بجلاء ليس فقط الحق الفلسطيني، بل أيضًا صحة الموقف العربي، الذي يرى في الكيان اللقيط دولة عنصرية دينية توسعية لا تعرف بالقانون الدولي، ووضع بذلك المسمار الأخير في نعش حكومته المتطرفة".
من جهتها، تطرقت صحيفة "الصباح" العراقية الى بدء الانسحاب الأميركي من القواعد العسكرية في العراق والتي لطالما "كان مطلبًا داخليًا لفصائل مسلحة وشرائح من الشارع العراقي، الا انه يفتح الباب أمام مرحلة معقدة، تتقاطع فيها اعتبارات السيادة مع تحديات الأمن، وتتصادم فيها آمال الدولة مع مصالح الجماعات"، مشددة على ان "العراق، وهو يستعد لوداع مرحلة عمرها أكثر من عقدين من الوجود العسكري الأمريكي، يقف اليوم أمام مفترق حساس. فإما أن يكون هذا الانسحاب بداية لاستعادة الدولة لمقاليدها، أو أن يتحول إلى لحظة فراغ تُملأ بنفوذ غير خاضع للمساءلة، فتتكرر الدائرة نفسها: انهيار، تدخل، إعادة بناء ثم انهيار آخر"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")