لا يزال سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد يلقي بظلاله على المنطقة والعالم وسط تطورات متسارعة سترخي بتداعياتها المباشرة وغير المباشرة على الساحات العربية، لاسيما لبنان والعراق، الى جانب تقليص الدور الايراني الذي توسع وامتد في السنوات الأخيرة حيث عمدت طهران الى زيادة دعم الجماعات المنضوية تحت لواءها على حساب أسس الدولة وكيانها وجيشها الوطني.
وفي وقت يطرح المشهد السوري الكثير من الأسئلة عن نظام الحكم المستقبلي ودور الجماعات الاسلامية والآمال المعقودة على الحكومة الانتقالية اضافة للمطامع التركية والاعتداءات الاسرائيليّة المستمرة لاضعاف دمشق والقضاء على ترسانتها العسكرية والتسليحية. تبرز المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت المدن والمناطق السورية، يوم الجمعة الماضي، ونقلت للعالم صورة حضارية عن آمال السوريين بغد أفضل بعيداً عن عائلة الأسد، التي حكمت بالدم والنار والقتل والتعذيب. وعلى وقع استمرار سعي الأهالي بالبحث عن أبنائهم في سجون الأسد وأقبيته، تتضح معالم الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد وزمرته، منذ اندلاع الثورة ضده قبل 13 عاماً، مع اكتشاف المزيد من المقابر الجماعية ورفات أشخاص مجهولي الهوية.
وعليه، تواكب التطورات الميدانية ما يحدث سياسياً من لقاءات واجتماعات وآخرها في مدينة العقبة التي جمعت وزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر ولبنان والإمارات والبحرين وقطر، حيث أعربوا عن دعمهم لـ"عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية"، كما أيدوا "تشكيل هيئة حكم انتقالية تتيح الانتقال إلى نظام سياسي يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة". هذا وأدان المجتمعون التوغل الاسرائيلي داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها، منددين بالغارات التي شملت مناطق ومنشآت حيوية واستراتيجيّة في سوريا.
بدوره، اعتبر القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في مقابلة مع "تلفزيون سوريا"، أن الحجج التي كانت تتبناها اسرائيل بسبب الوجود الإيراني لدخول سوريا "لم تعد موجودة". وإذ أكد "أن السلطات الجديدة ليست بصدد الدخول في أي حروب في ظل الأوضاع المنهكة التي تعيشها سوريا..بل الأولوية في هذه المرحلة هي إعادة البناء والاستقرار"، شدد على أن "وزارة الدفاع ستقوم بحل جميع الفصائل المسلحة في المرحلة المقبلة".
وفي السيّاق، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة أجرت "اتصالاً مباشراً" مع "هيئة تحرير الشام" (الموضوعة على قائمة الإرهاب)، مشدداً على "وجوب احترام حقوق جميع السوريين وتمكين المساعدات الإنسانيّة من الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها". وفي خلاف بوجهات النظر بين واشنطن وأنقرة وما سيترتب عليه من مدلولات وانعكاسات، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن بلاده "تريد سوريا خالية من الإرهاب"، وأن هدفها الاستراتيجي هو إنهاء "وحدات حماية الشعب" (المدعومة من الولايات المتحدة) والتي وضعها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تحل نفسها أو أن يتم القضاء عليها".
أما المستجدات الميدانية، فتتلخص بإستمرار الغارات الإسرائيليّة التي استهدفت مواقع عسكرية في عدة مناطق بمحيط العاصمة دمشق، في حين طالبت الحكومة السورية الانتقالية مجلس الأمن الدولية بالتحرك لإجبار إسرائيل على الوقف الفوري لهجماتها والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها، في انتهاك صريح وواضح لاتفاق فض الاشتباك المُبرم في العام 1974.
وعما يحصل في سوريا، برز موقف "حزب الله" المتمايز عن كل ما سبقه، حيث امتنع على لسان أمينه العام نعيم قاسم عن وصف المعارضة السورية بـ"التكفيريين" و"الإرهابيين"، وهو الذي حاربهم على مدار السنوات السابقة وحاول وأد ثورة الشعب السوري، فيما أبدى اليوم "احتراماً لحقهم في اختيار قياداتهم ودستورهم وشكل نظامهم". وبحسب قاسم، فإنه "لا يمكننا الحكم على القوى الجديدة في سوريا إلا عندما تستقر وتتخذ مواقف واضحة وينتظم وضعها".
وبينما اعترف أنّ الحزب "خسر في هذه المرحلة"، أي بعد سقوط نظام "حليفه" بشار الأسد "طريق الإمداد العسكري"، اعتبر أنّ هذه المسألة تبقى "تفصيلاً صغيراً حيث يمكن البحث عن طرق أخرى". كما رأى أنّ "اتفاق وقف إطلاق النار هو لإنهاء العدوان وليس لإنهاء المقاومة وهو تنفيذي ومستمدّ بالقرار 1701 ويرتبط بمنطقة جنوب نهر الليطاني حصراً".
على المقلب الفلسطيني، تتواصل المساعي الأميركية مع الوسطاء العرب (مصر وقطر) للوصول الى اتفاق نهائي يضع حداً للحرب المستمرة على قطاع غزّة. وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ومنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك، في محاولة لإرساء تسوية ما، فيما أكدت حركة "حماس" أنها "بذلت، ولا تزال، جهوداً كبيرة لوقف العدوان وإنهاء المعاناة، وتعاطت بكل إيجابية ومسؤولية عالية مع كافة المبادرات".
ميدانياً، شهد القطاع سلسلة من الغارات العنيفة التي استهدفت خيام النازحين ما أدى إلى سقوط شهداء وعدد كبير من الجرحى. بالتزامن تظاهر آلاف الأشخاص في مدن إسرائيلية عدة أمس، السبت، للمطالبة بإبرام صفقة تبادل الأسرى وذلك بعد بث "كتائب القسام" مقطع فيديو جديد حول الأسرى حمل عنوان "حلم نتنياهو الكبير أن يموتوا جميعا".
إلى ذلك، لم تتوقف الخروقات والتعديات الاسرائيليّة على لبنان منذ اعلان وقف اطلاق النار، حيث سقط شهيد جديد اثر استهداف العدو سيارة على الطريق التي تربط النبطية بمرجعيون. وإستناداً إلى بيانات وزارة الصحة اللبنانية، فإنّ عدد الخروقات قد تجاوز الـ250 خرقاً، مما أوقع 30 شهيداً، ناهيك عن استمرار نسف وتفجير المباني والاحياء السكنية وجرف الطرقات في القرى الحدودية الجنوبية، وآخرها في بلدة كفركلا.
وفي سياق يواكب ما يحصل في المنطقة، تعهدت إيران، على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، بعدم "عرقلة" دخول ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى مواقعها وتفتيشها. ووفقاً لتقرير صدر عن الوكالة، الخميس الماضي، قبلت طهران تشديد الرقابة على منشأة "فوردو" النووية بعدما سرّعت مؤخراً تخصيب اليورانيوم ليقترب من مستوى صنع الأسلحة.
وبالتالي تهيمن التحديات السورية والآمال بالاستقرار وتحقيق احلام الشعب السوري كمنطلق لإرساء السلام في المنطقة العربية ذات الصراعات المتفجرة على الصحف العربية الصادرة اليوم. وأبرز ما ورد فيها:
تحت عنوان "توجه واعد لإنقاذ سوريا"، أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى "فرض الوضع المستجد في سوريا نفسه على المنطقة، وأصبحت تداعياته والحيلولة دون خروجه عن السيطرة، الشغل الشاغل للدبلوماسية العربية والدولية"، آملة أن "يعرف هذا البلد العربي الذي عانى طويلاً، الأمن والاستقرار، ويحفظ وحدته الترابية ويفتح صفحة جديدة تحقق تطلعات شعبه في الأمن والتنمية والحياة الكريمة".
وفي إطار ذات صلة، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "إن التغيير الذي حدث في سوريا، وبُعده الثوري تسبب في تغيير كامل في المشاريع المُتعلقة بالبلاد والمنطقة بأسرها في غضون أسبوعين فقط. فقد كانت فكرة وحدة الأراضي السورية مستحيلة، لكنها باتت اليوم قابلة للتحقيق"، معتبرة أن "اليوم صار لسوريا وشعبها الحر دور مهم في المعادلة في المنطقة والعالم، دورٌ يغير الأجواء ويؤثر على الجميع، ولهذا من الضروري إعادة الحسابات للِّحاق بركب الحرية".
وبحسب صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن "مشكلة العرب أنهم في كثير من الأحيان لا يلتفتون إلى مشاكلهم إلا بعد فوات الأوان، عندما يكون الآخرون قد سبقوهم في ملء الفراغ في الساحات المضطربة والرخوة، وعندما يحدث ذلك تصبح المشاكل أكثر تعقيداً وحلولها صعبة جداً وأثمانها باهظة، سياسياً وأمنياً واقتصادياً"، واصفة الاجتماع الذي عُقد في العقبة الأردنية بالـ"خطوة المهمة جداً بشأن سوريا الجديدة التي يجب حمايتها مستقبلاً من إعادة العبث بها والتعدي على سيادة أرضها وأمنها".
ولفتت صحيفة "البلاد" البحرينية إلى أنه "طالما أن السلطة في سوريا في طور إعادة التكوين وإعادة البناء، فإن الحل الوحيد لقطع الطريق على تكرار تجربة العراق هو أن تتواجد الدول العربية بقوة في دمشق، لكي تساعد وترشد في عملية إعادة التكوين والبناء، ومن ثم إعادة النهوض على مختلف المستويات"، واضعة ذلك في إطار "عودة سوريا الجديدة مجددا كقيمة مضافة في الصف العربي، وقبل أن تتسلق عليها وفيها قوى أصولية قد تتحكم فيها بطريقة لا فكاك منها".
من جهتها، رأت صحيفة "الجريدة" الكويتية أنه "بعد فشل العملية السياسية في كل من ليبيا واليمن والعراق والسودان على أثر اقتلاع دكتاتورياتهم، نجد أنفسنا اليوم أمام الحالة الخامسة باقتلاع بشار الأسد التي نتمنى أن تقدم الفصائل السورية درساً في مسألة السلطة وتداولها بشكل ديموقراطي يسع كل المذاهب والطوائف"، مشددة على أنه "ليس أمام سوريا إلا خيار النجاح حتى تعود آمنة".
وعلقت صحيفة "الأهرام" المصرية عما يجري في سوريا قائلة "بعيداً عن أسباب السقوط والانهيار للنظام السابق المعلنة منها وغير المعلنة والتفكك الخطير للجيش السوري فربما تمضي فترة ليست قصيرة حتى تنكشف الحقائق والأدوار". وأضافت "لكن الأهم ما تأمله سوريا فى الوقت الراهن في عودة الاستقرار والحفاظ على الدولة من التقسيم الطائفي والمذهبي وتوحيد أراضيها أمام أطماع القوى الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل وتركيا".
ووفق صحيفة "الغد" الأردنية، فإن "العمل جنبا إلى جنب مع الحكومة السورية ليس مطلبا سوريًا فقط، بل هو مصلحة عربية إن أردنا حقا إنجاح الحكم الجديد ودعمه في النهوض وتحقيق الاستقرار للبلد الشقيق، وإلا فإن المقابل هو قنبلة موقوتة ربما تنفجر في وجه بلدان المنطقة جميعها"، مؤكدة أنه "من الجيد أن دول الخليج العربي منفتحة على النظام الجديد، ما قد يوفر رؤوس الأموال القادرة على إعادة البناء، ويمكن لها أن تجعل من الأردن مقرا للشركات الراغبة في العمل على الساحة السورية".
(رصد "عروبة 22")