تتوالى زيارات الوفود الغربية إلى سوريا بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، وذلك بعد سنوات من القطيعة وتجميد العلاقات الدبلوماسية نتيجة الحرب التي استمرت أكثر من 13 عاماً. ورغم أن الإندفاعة الأوروبية، التي سبقها إنفتاح أميركي وبريطاني، ليست على القدر نفسه لدى جميع دول الإتحاد الأوروبي، إلا أن معظمها تتشارك الهواجس عينها وتطرح التساؤلات عن مسارات المستقبل السياسي في دمشق وآلياته وفرصه للخروج من ركام الحرب وما خلفته من دمار وإطلاق العنان لمرحلة مختلفة تتماشى مع التغيرات الداخلية والخارجية ومرحلة إعادة الاعمار.
ولهذا، فإن خلف هذا الحراك الدبلوماسي الأوروبي والانفتاح على الحكومة السورية عدة اعتبارات، ومنها: الخوف من موجة هجرة جديدة في حال فشل الحكومة الحالية بضبط الأوضاع ومن هنا تأتي الزيارات لاستيضاح معالم المرحلة المقبلة وتقديم الدعم الذي يساعد على تخطي الصعاب التي ترزح تحتها دمشق. أما السبب الثاني فيتمحور حول رفض السماح لـ"داعش" بإعادة تنظيم صفوفه، ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة برمتها وما يمكن أن يترافق مع عمليات تستهدف هذه الدول وأمنها واستقرارها. فالتنظيم، رغم كل الضربات والملاحقات التي أسهمت بتضعضعه وهزيمته، لم يتم دحره بشكل كامل ولا يزال يشكل خطراً على السلم الاقليمي.
ومن هنا تكمن مسارعة هذه الدول وغيرها نحو دمشق، مع استمرار تصنيف الغرب لـ"هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، دون أن نغفل الدور التركي المتعاظم منذ سقوط الأسد والحضور الأميركي في الشمال الشرقي السوري ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). فيما يبرز، على المقلب الآخر، تريث عربي لحين اتضاح حقيقة المشهد العام وهو ما عكسه الغياب، الذي لم تخرقه الا زيارة للوفد القطري تزامناً مع اعادة فتح سفارتها في دمشق خلال الاسبوع الحالي.
وفي التفاصيل، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين إلى "تكثيف" علاقات الاتحاد الأوروبي مع القيادة السورية الجديدة. وقالت فون دير لايين، بعد اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة: "لا ينبغي السماح بعودة "داعش" بعد الإطاحة بالأسد، لذلك يجب تعزيز المشاركة مع "هيئة تحرير الشام" والفصائل الإسلامية الأخرى التي تسيطر على البلاد حاليا"، متعهدة بتقديم مليار دولار إضافية لتركيا.
هذا ووصل أمس الثلاثاء، المبعوث الفرنسي جان فرنسوا غيوم إلى دمشق، حيث أشار إلى أن "فرنسا تستعد للوقوف إلى جانب السوريين" خلال الفترة الانتقالية، موضحاً أنه جاء "لإجراء اتصالات مع سلطات الأمر الواقع" في دمشق. بالتزامن يجري وفد ألماني محادثات مع الجانب السوري، في وقت أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن بلادها "مستعدة للحديث مع حكام سوريا الجدد"، لافتة إلى أن "إيطاليا هي البلد الوحيد ضمن مجموعة السبع الكبرى، التي أعادت فتح سفارتها في دمشق"، وكان ذلك قبل شهور من سقوط النظام السابق.
ولم تحجب التطورات السياسية ذات المعاني والدلالات المهمة الانظار عن الخروقات الاسرائيليّة المتمادية في سوريا بوقت لا يبدو أن الحكومة الحالية قادرة على ردعها أو ثنيها. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو الى الجولان السوري المحتل، ليكون أول رئيس وزراء اسرائيلي يدخل الأراضي السورية. وأكد نتنياهو، في فيديو مصوّر من أعلى قمة من جبل الشيخ، تمسكه بالمنطقة المحتلّة حديثاً الى "حين ايجاد ترتيبات آخرى تضمن أمن اسرائيل". وقد ترافقت هذه الزيارة مع توغل اسرائيلي الى ما بعد كيلومترين من المنطقة العازلة باتجاه حدود ريف درعا.
وبينما شدد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون على أنه "يجب ضمان بقاء العملية السياسية في سوريا على المسار الصحيح"، دعا مجلس الأمن، في بيان صدر بإجماع أعضائه الـ15، إلى تنفيذ عملية سياسية شاملة بقيادة سورية تستند للمبادئ الأساسية للقرار 2254، مع التأكيد على ضرورة أن تلبي هذه العملية "التطلعات المشروعة لجميع السوريين، وأن تحميهم أجمعين، وأن تمكّنهم من أن يحدّدوا مستقبلهم بطريقة سلمية ومستقلة".
وفي خضم هذه المستجدات، يترقب لبنان ما ستؤول اليه الأمور في سوريا، خاصة أن الأحداث هناك تؤثر محلياً نتيجة الارتباطات والعلاقات المتداخلة ناهيك عن العدد الكبير الذي يستضيفه لبنان من النازحين السوريين وسط آمال بعودتهم. وتتوجه الانظار لمعرفة مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية بعد تكليف حكومي لبناني رسمي لمتابعة هذا الملف المفتوح منذ سنوات طويلة والذي لم يشهد أي خاتمة حتى اللحظة.
وعلى المقلب الآخر، تتواصل الخروقات الاسرائيليّة، رغم سريان اتفاق وقف النار، حيث عمّد الاحتلال الى تجريف الطرقات ونسف المنازل والأحياء السكنية في البلدات الحدودية الجنوبية، ولاسيما في كفركلا ويارون، كما حلقت مسيّراته على علو منخفض في مختلف المناطق اللبنانية وصولاً الى التوغل البري بعدما وصلت دبابّات الميركافا إلى المدخل الغربي قبالة المقرّ العام لقيادة "اليونيفيل" في الناقورة في استباحة جديدة للسيادة اللبنانية.
في غضون ذلك، أقرّ البرلمان السويسري حظر "حزب الله" بأغلبية 126 صوتًا مقابل 20 صوتًا معارضًا وامتناع 41 عن التصويت. وقال أنصار الحظر، الذي أقرّه مجلس النواب بعد موافقة مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، إن "حزب الله" يشكل تهديدًا للأمن الدولي وإن سويسرا بحاجة إلى حظره من أجل اتخاذ موقف ضد "الإرهاب".
أما فلسطينياً، فقد كثفت قوات الاحتلال هجماتها لتطال مراكز الإيواء، فارضة حصاراً على 15 ألف أسرة نازحة في منطقة مواصي رفح، لا تملك أي مكان للاحتماء. فيما دقت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالم ناقوس الخطر بالقول "إن مليوني شخص يواجهون جوعاً حاداً في أنحاء غزّة".
في المقابل، تستمر المحادثات بشأن اتفاق وقف النار في القطاع، حيث لفت موقع "العربي الجديد" إلى أن وفداً قيادياً من حركة "حماس"، سيصل إلى العاصمة المصرية القاهرة، في غضون يومين لاستكمال المناقشات التي تشهد مراحلها النهائية، وهو ما سيتزامن مع وصول وفد إسرائيلي أيضاً للهدف نفسه. وبحسب الموقع، فإن الاجتماعات التي تستضيفها قطر بمشاركة وفد إسرائيلي معني بالجوانب الفنية من الاتفاق، قطعت شوطاً كبيراً في حسم النقاط الخلافية ضمن التصور المطروح.
وضمن الجولة اليومية على الصحف العربية التي تطرقت إلى الأوضاع العربية بعد سقوط نظام الأسد وتداعياته على المشهدين العربي والاقليمي:
تناولت صحيفة "البلاد" البحرينية المشهد السوري العام ومآلاته وانعكاساته، حيث رأت "أن الأيام المقبلة قد تكون صعبة على العراق، خصوصًا إذا لم تتمكن القوى السياسية الحاكمة من قراءة التطورات بواقعية وبعيداً عن العاطفة. ففهم التحولات الإقليمية والدولية وتبني مواقف مدروسة وواقعية سيكون أمرًا حاسمًا في تحديد مسار العراق". وخلصت إلى القول: "حتى يكتمل رسم هذه الخريطة الجيوسياسية يبقى السؤال إلى أين تواصل كرة النار تدحرجها بعد سوريا؟".
من جهتها، شددت صحيفة "الشروق" المصرية على أنه "لطالما وُصفت سوريا بأنها "قلب العروبة النابض"، وهى العبارة التي التصقت بتاريخها وجغرافيتها ودورها المحوري في المنطقة العربية"، لكنها أشارت إلى أن "هذا القلب النابض بات اليوم واهنًا، تخنقه الطائفية وتثقله التبعية، بينما تقف سوريا على حافة المجهول، فاقدة لمؤسساتها وممزقة بين قوى إقليمية ودولية تتنازع النفوذ على أرضها". وبحسب الصحيفة، فإن سوريا تحولت إلى ساحة صراع عبثي. ومع عزلة العرب عن القضية السورية، بات الحديث عن "سوريا العربية" أقرب إلى خطاب إنشائى أجوف، لا يعكس واقع الحال ولا يعبر عن حقيقة مأساة هذا البلد".
ومن وجهة نظر صحيفة "الدستور" الأردنية فإن "إيران لم تكن قادرة على إنقاذ بشار الأسد، بسبب قلة حيلتها وإنهاكها. فيما لم تتخلَّ روسيا عن بشار، الذي من علامات حرصهم عليه، أنهم أنقذوه حين كان الإنقاذ ممكنًا سنة 2015، وانهم آووه وهرّبوه وحموه وحملوه إلى موسكو ضيفًا من أكثر الضيوف ثراء". وأضافت: "لقد تهاوى النظام وانهار من الداخل. وعلاوة على استحالة الانقاذ، فإن إيران وروسيا تلقتا الرسالة الأميركية التي تحمل إخطاراً وتحذيراً حازماً حاسماً: "وسعوا الطريق وابتعدوا، ما حدا يتدخل"!!
أما صحيفة "عُمان" العمانية فأكدت أن "السرعة التي انهار بها نظام بشار الأسد يدل دلالة قاطعة -كما تبيّن ذلك- على أن هذه الثورة كان مخططًا لها منذ وقت طويل، وكانت مدعومة بقوى خارجية أهمها: تركيا في العلن، وأمريكا وإسرائيل في الخفاء أو على الأقل من خلال الصمت على ما يجري، طالما أنه يجري على النحو المرسوم". وتابعت: "لا شك في أنه لولا هذا الدعم ما أمكن للثوار أن ينتصروا أو يقهروا النظام القائم إلا من خلال حروب دموية طويلة".
وتحت عنوان "قسد"…بين مطرقة التحديات وسندان الخيارات الصعبة"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "باتت خيارات "قسد" محدودة ومثقلة بالتنازلات: فهي تسعى جاهدة للإبقاء على الوضع الراهن، ولو بثمن باهظ يشمل تقاسم الثروات – خاصة النفط – مقابل الاحتفاظ بمؤسساتها المستقلة وجناحها العسكري"، موضحة أن "التطورات الأخيرة تؤكد أن هذا الخيار بات بعيد المنال؛ إذ أصبحت "قسد" محاطة ببيئة معادية، تتحين اللحظة المناسبة لإنهاء وجودها".
من جهتها، اعتبرت صحيفة "اللواء" اللبنانية "أن الجميع يترقب تطورات الأوضاع في سوريا، بكثير من الحذر الذي يُغالب موجات الفرح التي عمت المناطق السورية وعواصم عربية. وأسباب هذا الحذر تعود إلى عدم الإطمئنان إلى تركيبة النظام الجديد وهيكليته الهشة"، منبهة إلى أن "الإحتمال المتوجس بأسوأ السيناريوهات، يفرض على القيادات السياسية اللبنانية، وضع صراعاتها النرجيسية جانباً، وإنهاء الشغور الرئاسي، لأن بقاء الدولة بلا رأس، وبلا حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية، يكرس الضعف البنيوي للدولة اللبنانية".
(رصد "عروبة 22")