يحاول السوريون على إختلاف مللهم ومشاربهم لملمة أوضاعهم بعد سنوات الحرب الطويلة وما خلفته وراءها من تداعيات اقتصادية وانسانية واجتماعية ستترك آثرها على البلاد والعباد خلال السنوات المقبلة، وسط معضلة إعادة الاعمار المرهونة بشروط تُوضع على دمشق، فيما تبدو قضية اللاجئين محور اهتمام الدول الغربية والعربية على حد سواء، حيث تستعجل بعضها اعادتهم وتطرح آخرى "حوافز مالية" لاغرائهم.
هذا وتتغير موازين القوى على الارض، فبعدما كانت الغلبة للنظامين الروسي والايراني قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يتعاظم الدور التركي الذي يُعتبر أبرز المستفيدين من المرحلة الحالية. وفي وقت غادرت القوات الايرانية (بحسب تصريحات رسمية) الأراضي السورية فور بدء سيطرة الفصائل المسلّحة، لم تحسم موسكو خيارها لجهة الابقاء على قاعدتيها العسكريتين، "حميميم" و"طرطوس"، بانتظار الخطوات المستقبلية.
وفي الإطار، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات حول سوريا هي الأولى منذ الإطاحة بالنظام السوري، "أن ما يحدث هناك لا يشكّل هزيمة لروسيا". وبينما أكد أنه لم يلتقِ الرئيس المخلوع بشار الأسد منذ وصوله إلى موسكو، قال: "سنفكر في بقاء قواعدنا في سوريا"، و"سنقرر ما إذا كنا سنبني علاقات مع القوى السياسية التي تسيطر أو سوف تسيطر على الحكم في سوريا... وهذا يتطلب البحث من الطرفين عن أرضية مشتركة".
بموازاة ذلك، تستمر الزيارات والوفود الأجنيية الى دمشق وآخرها ما نقله موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين إشارتهم الى أن "باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ستتوجه إلى العاصمة السورية في الأيام المقبلة". بينما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن مصادر مطلعة قولها، إن ليف ستقود وفداً يضم دبلوماسيين أميركيين إلى دمشق، من أجل لقاء القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).
بدوره، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن "الشرق الأوسط يشهد حرائق عدّة، ولكن بات في سوريا اليوم بصيص أمل ينبغي ألا يخمد". وتابع "الشعب السوري أمام لحظة تاريخية، أمام فرصة. وهذه الفرصة ينبغي ألا تفوّت"، داعياً إسرائيل إلى وقف ضرباتها على سوريا، التي وصفها بـ"انتهاكات" لسيادة البلد.
وفي أول رسالة مباشرة للدول الخليجية، قال أحمد الشرع، في حديث لـ"الشرق الأوسط"، ما "قمنا به وأنجزناه بأقل الأضرار والخسائر الممكنة من إخراج للميليشيات الإيرانية وإغلاق سوريا كلياً كمنصة للأذرع الإيرانية، وما يعني ذلك من مصالح كبرى للمنطقة برمتها، لم تحققه الوسائل الدبلوماسية وحتى الضغوط"، وأضاف: "اليوم نقول إن الأمن الاستراتيجي الخليجي أصبح أكثر أمناً وأماناً لأن المشروع الإيراني في المنطقة عاد 40 سنة إلى الوراء". ولفت الى ان "الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر، ولن تكون سوريا منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان".
الرسائل التطمينية التي يحاول الشرع نشرها لكسب ثقة الخارج والداخل بهدف مواجهة التحديات الجسام التي ترزح تحتها سوريا ستختبرها الأيام المقبلة. ومن هنا طالبت قمة مجموعة "الثماني النامية" للتعاون الاقتصادي دول المجموعة خلال اجتماعهم، أمس في مصر، بضرورة "الحل السياسي في سوريا"، محذرين من استمرار التصعيد بالمنطقة.
وفي التطورات الميدانية، أعلن التلفزيون العراقي أن السلطات السورية نشرت لأول مرة قوات عسكرية نظامية معززة بمجاميع من المسلحين، في منفذ البوكمال السوري، المقابل لمنفذ القائم العراقي، في محافظة الأنبار. فيما نفى مسؤول في وزارة الدفاع التركية، لوكالة "رويترز"، التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في شمال شرق سوريا، مؤكداً أن بلاده ستواصل استعداداتها العسكرية حتى "تتخلى الميليشيات عن أسلحتها ويغادر المقاتلون الأجانب الأراضي السورية".
لبنانياً، يُمعن الاحتلال الاسرائيلي بخرق اتفاق وقف النار بشكل يومي حيث أحصت التقارير الأمنية والاعلامية 253 خرقاً منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي، سُجل منها 5 يوم الأربعاء فقط، مع استمرار القوات الإسرائيليّة بنسف ما تبقى من منازل في أحياء قرى وبلدات جنوبية متعددة. في غضون ذلك، أشارت صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى أنّ نحو 500 ضابط برتبة رائد تركوا الجيش الاسرائيلي بملء إرادتهم خلال النصف الأخير من العام الجاري، لافتة إلى ان أعداد الضباط المنسحبين من الجيش تعد "مزعزعة في ظل التحديات الأمنية المتفاقمة بإسرائيل". وعزت الأسباب وراء انسحاب الضباط منها الضغط بسبب استمرار الحرب إضافة إلى مشكلات اقتصادية.
الملف الفلسطيني لم يغب بدوره عن الساحة العربية بعد اتهام منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إسرائيل بارتكاب "اعمال إبادة جماعية" في غزّة، مطالبة بفرض عقوبات عليها، والتوقف عن إمدادها بالسلاح. هذا ويواصل جيش الاحتلال، اعتداءاته على مختلف مناطق القطاع، موقعاً عشرات الشهداء والجرحى جلّهم من الأطفال والنساء. ويأتي ذلك في وقت طالبت واشنطن إسرائيل، بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة للسلطة الفلسطينية، على خلفية العملية الأمنية الواسعة المستمرة التي تنفّذها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، بحسب ما أورد موقع "واللا" الإخباري.
وعلى خلفية الضربات المتتالية، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحوثيين أنه مَن يمس إسرائيل "سيدفع ثمناً باهظاً للغاية". وقال في بيان: "بعد "حماس" و"حزب الله" ونظام الأسد في سوريا، أصبح الحوثيون تقريباً الذراع الأخيرة المتبقية لمحور الشر الإيراني". وترافق ذلك مع الغارات التي شنتها إسرائيل، فجر أمس، واستهدفت محطتي كهرباء في صنعاء و3 موانئ في محافظة الحديدة الساحلية، أدّت إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة 3 آخرين، وفق حصيلة رسمية.
وفي الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم، والتي أبرزت جملة العناوين السياسية التي تطغى على المشهد العام، حيث:
ركزت صحيفة "الوطن" القطرية على الجهود المبذولة للوصول الى تسوية لوقف النار في غزّة، حيث أنه "في كل تحرك للوسطاء تنتعش الآمال باقتراب التوصل إلى صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، ثم ما تلبث حالة التشاؤم أن تعود من جديد مع إفشال ما تم التفاهم حوله، بسبب مواقف الحكومة الإسرائيلية"، مبشرة بأن "الأمل كبير هذه المرة بأن تثمر الجهود الحالية عن وقف لإطلاق النار طال أمده، بعد حرب وحشية دمرت كل شيء في قطاع غزّة، وقد حان الوقت لإخماد نيرانها".
من جهتها، رأت صحيفة "القدس العربي" بأن "حماس" حرّكت بطوفانها أحجار الدومينو في الشرق الأوسط، ويظهر إعلانها قبل أيام، عن مباركتها للشعب السوري بتحقق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، وإدانتها للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، فهماً تاريخياً عميقاً لما حصل". وختمت قائلة: "سقط السنوار شهيداً دفاعاً عن تراب فلسطين، أما عصاه فساهمت في إسقاط نظام الجبروت والطغيان الأسدي في سوريا"، على حدّ تعبيرها.
وتحدثت صحيفة "الرياض" السعودية عن "واقع جديد سنشهده في المقبل من الأيام، سيغير الواقع السابق الذي لم يحقق ما تتطلع إليه شعوب المنطقة من أمن ورخاء وازدهار، إنما كانت في صالح قيادات وضعت مصالحها ومصالح زمرتها فوق مصالح بلادها"، مشيرة إلى أن "حالات الاحتقان المستمرة التي أدت إلى انهيار هذه الأنظمة وتلك الجماعات، ترجع الى كونها لم تمتلك قاعدة شعبية ترتكز عليها وتحتضنها وتدافع عنها".
وتحت عنوان "ما بعد زالزال سوريا"، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية عن أن "الأمر يحتاج إلى معجزة للحفاظ على سوريا موحدة وعربية ومستقرة، أما التطور الديمقراطي فقد يحتاج إلى عقود لتحويل الشعارات إلى واقع". وأضافت: "يجب أن يفيق العرب من الغيبوبة التي أصابتهم على مدى عقود ويجتمعوا فوراً ليفرضوا شروطهم على ما يحدث في سوريا، خاصة بعد ابتعاد إيران وروسيا وغياب بشار".
بدورها، تطرقت صحيفة "الخليج" الإماراتية الى الاستحقاق الرئاسي اللبناني "حيث من المقرّر أن يلتئم مجلس النواب يوم 9 يناير/ كانون الثاني المقبل لانتخاب الرئيس الرابع عشر بعد مخاض عسير، وسط آمال بأن يصعد الدخان الأبيض في تلك الجلسة، ويدخل لبنان مرحلة جديدة". وإذ عددت الاسماء المطروحة والمرشحة، لفتت الى أن "انتخابات الرئاسة تحولت إلى "بازار" مفتوح، وباتت هذه الأسماء ضمن دائرة الأخذ والرد".
في إطار متصل، أشارت صحيفة "اللواء" اللبنانية إلى أن المشهد الراهن "لا يخلو من التوجس لما ستحمله مرحلة ما بعد "نظام الأسد" وانعكاس ذلك على لبنان، ليس فقط لناحية حسم الملفات العالقة بين البلدين، ومن ثم طبيعة العلاقة الجديدة وإرهاصات ما حملته الفترة السابقة، والأهم من ذلك التشظي السياسي قبل الأمني على مستوى ترتيب المشهد القادم وخاصة في توصيف "الكيان الإسرائيلي" التي يعتقد كثيرون أنّها يجب أن تنتهي الى فتح المجالات نحو تطبيع تدريجي بموجب خريطة طريق تشكيل الشرق الأوسط الجديد الخالي من عداءات مع الكيان".
(رصد "عروبة 22")