لم تُعلن الأطراف الموقّعة على "إعلان أنقره" تفاصيل بنوده، لكن الرّئيس التّركي رجب طيب أردوغان، اعتبره "اتّفاقًا تاريخيًّا"، قائلاً في مؤتمر صحافي بالعاصمة التّركية حضره رئيس الصّومال ورئيس الوزراء الإثيوبي: "الجانبان وصلا إلى مرحلة مهمّة في حلّ نزاعهما بالتّركيز على المستقبل وليس الماضي".
وفق البيان الختامي الصّادر عن وزارة الخارجيّة التّركيّة، عالج "إعلان انقره" قضيتَيْن أساسيتَيْن وهما "الوصول الآمن والمُستدام لإثيوبيا إلى مياه البحر عبر الأراضي الصّوماليّة تحت السّيادة والسّيطرة الصّوماليّة الكاملة، وكذلك حسم الموقف من استمرار المُشاركة العسكريّة لإثيوبيا في بعثة السّلم للاتّحاد الأفريقي في الصّومال".
ويبقى تحقيق هذه الأهداف والنوايا الطّيبة المُعلنة في "إعلان أنقره"، رهن مفاوضات تستمرّ لمدة أربعة أشهر بدايةً من فبراير/شباط 2025، وتشمل: "التّفاوض على إبرام اتّفاقيّات ثنائيّة تتعلّق بالتّرتيبات التّجارية بما في ذلك العقد والإيجار والوسائل الّتي تسمح لإثيوبيا بالوصول الموثوق والآمن والمُستدام إلى البحر ومنه تحت السّلطة السّياديّة للصّومال"، حسب نصّ البيان الختامي.
توقيت المصالحة
تأتي المصالحة بين إثيوبيا والصّومال برعاية تركيّة في وقت يشهد فيه القرن الأفريقي تصاعد التّوتّر منذ توقيع إثيوبيا مذكّرة تفاهم مع إقليم "أرض الصّومال" الانفصالي، في يناير/كانون الثاني الماضي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر، فضلًا عن تصاعد التّهديدات الأمنيّة نتيجة استمرار الأعمال الإرهابيّة لحركة "شباب المجاهدين" في الصّومال، والتي تنعكس أيضًا على أمن الملاحة في البحر الأحمر.
وضاعف ردّ الفعل الصّومالي على اتفاق أديس أبابا مع إقليم أرض الصّومال من التّوتّر في الإقليم، حيث اشتكى الصّومال إثيوبيا في المحافل الإقليميّة والدّوليّة واتّهمها بانتهاك السّيادة الصّومالية، فضلًا عن رفض استمرار القوّات الإثيوبيّة في بعثات حفظ السّلام الأفريقيّة على الأراضي الصّوماليّة، وهي التحرّكات التي لاقت دعمًا كاملًا من دولٍ عربيّة في مقدمتها مصر التي وقعت بدورها "بروتوكول تعاون" عسكري في أغسطس/آب الماضي، أرسلت القاهرة بموجبه شحنتَيْ أسلحة لدعم مقديشو، كما خطّطت مصر لتعزيز مشاركتها في إرسال قوّات عسكريّة بدايةً من العام المقبل كجزء من قوّات حفظ السّلام التّابعة للاتّحاد الأفريقي.
ويتزامن توقيت المُصالحة أيضًا مع تصاعد التّوتّر على المستوى المحلّي في كل من الصّومال وإثيوبيا، حيث تستمر أعمال العنف والاقتتال في "إقليم أمهرة" المُلاصِق للحدود الإثيوبيّة - السّودانيّة، وتصاعد الاحتجاجات في "إقليم أوروميا" ضدّ الفقر والتّهميش من الحكومة الفيدراليّة للإقليم. وفي الصّومال، تواجه الحكومة الفيدراليّة المركزيّة برئاسة حسن شيخ محمود تحدّيات في فرض سيطرتها على ولايتَيْ "جوبالاند" و"بونتلاند"، المقرّبَتيْن من إثيوبيا، واللّتين كانتا قد أعلنا انسحابهما من الحكومة الفيدرالية الصّومالية، فضلًا عن استمرار تحرّكات "إقليم صوماليدلاند" في مساعي الانفصال والحصول على الاعتراف الدّولي.
مكاسب إثيوبيّة ورهان على الوقت
على الرّغم من اعتبار المراقبين والفاعلين الدّوليّين والإقليميّين "إعلان أنقره" كخطوة مهمّة وتاريخيّة لنهاية التّوتّرات بين أديس أبابا ومقديشو وتجنيب المنطقة حربًا محتملة، لكن الإعلان فشل في حسم مصير اتفاقية إثيوبيا مع "صوماليلاند" والتي تعدّ محور الصّراع، وبالتّالي لم يصدر عن الاعلان أي بنود قانونيّة أو سياسيّة مُلزِمة تُجبر إثيوبيا على إلغاء اتفاقها مع "إقليم صوماليلاند" الانفصالي سواء بحصولها على ميناء بحري أو الاعتراف بالإقليم.
وتراهن إثيوبيا على عامل الوقت في ضمان تحقيق مصالحها، فـ"اتفاق أنقره" يُتيح لها فرصة لضمان موافقة الصّومال على استمرار مشاركتها في بعثة حفظ السّلام الأفريقيّة على الأراضي الصّوماليّة، بعد أن اتخذت الصّومال مواقف متشدّدة ضدّها برفض المشاركة الإثيوبيّة منذ توقيعها الاتفاق مع "صوماليلاند" واعتبار وجود القوات الإثيوبيّة على أراضي الصّومال احتلالًا عسكريًّا.
عن مؤشّرات المكاسِب المحتملة لإثيوبيا من "اتفاق أنقره"، يقول أحمد عسكر، الباحث المتخصّص في شؤون القرن الأفريقي في مركز "الأهرام للدّراسات السّياسيّة والاستراتيجيّة" لـ"عروبة 22": "الاتّفاق يضمن لإثيوبيا منفذًا آمنًا للمياه الدافِئة، وبالتّالي يفتح الطّريق أمام إعادة تفعيل اتفاق آبي أحمد مع مقديشو بالتّعاون على تطوير أربعة موانئ في الصّومال"، كذلك "يُعطي الاتفاق لإثيوبيا فرصةً للحفاظ على استمراريّة القوّات الإثيوبيّة ضمن البعثة الأمنيّة الأفريقيّة المنتظر بدء مهمّتها في الصّومال في يناير/كانون الثاني المقبل، وهو ملفّ في غاية الأهمّيّة لإثيوبيا التي تُحاول حماية دورها في محاربة التّطرّف والإرهاب في أفريقيا".
لماذا قَبِلت الصّومال بالمصالحة؟
على العكس من الارتياح والتّرحيب الإثيوبي بـ"إعلان أنقره"، لا تزال الصّومال متحفّظة في إبداء أي نتائج إيجابيّة لمخرجات "الإعلان"، إذ نفى وزير الخارجية الصّومالية أحمد معلم فقي، حسم ملفّ مشاركة الجنود الإثيوبيّين في بعثة السّلام الأفريقيّة للصّومال قائلًا، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الصّومالية في 15 ديسمبر/كانون الأوّل، أنّ "الحكومة الفيدرالية الصّومالية تحتفظ بالسّلطة النّهائيّة في اتخاذ القرار بشأن البلدان المساهمة بقوّات في بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقاليّة الجديدة، وهذا الملفّ لم يكن ضمن مناقشات أنقره".
وأكد مصدر ديبلوماسي مصري مطّلع على ملفّ القرن الأفريقي لـ"عروبة 22": التّوافق على "شكل المساهمة المصريّة في بعثة حفظ السّلام الجديدة في الصومال (AUSSOM)، المنتظر أن تبدأ عملها في يناير/كانون الثّاني".
ويقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي بمركز "الأهرام للدّراسات": "على الرّغم من قوّة التحرّكات الصّومالية للضّغط على إثيوبيا إقليميًّا ودوليًّا لإجبارها على التّراجع عن اتفاقها لاستغلال ميناء أرض الصّومال، إلّا أنّه على الصعيد الدّاخلي ترفض الإدارة الصّومالية في مقديشو السّياسات الإثيوبيّة في ولايات جوبالاند وبونتلاند التي تأتي ضدّ سياسات الرّئيس الصّومالي التي تستهدف توحيد الأراضي الصّومالية وهو ما يدفعها للحوار مع إثيوبيا كخيار لتحييد الدّور الإثيوبي في الصّومال".
وعلى الرّغم من التّرحيب الأفريقي والدّولي بنجاح الوساطة التّركية وقبول أطراف النّزاع في الصّومال وإثيوبيا بالحوار والتّفاوض السّلمي، ومع اختلاف دوافع مقديشو وأديس أبابا للقبول بـ"إعلان أنقره"، يظلّ نجاح المفاوضات مرهونًا بالسّلوك السّياسي الإثيوبي والقبول بالاشتراطات الصّومالية، في وقت لا تزال إثيوبيا تتمسّك باتفاقها مع أرض الصومال، وتتبنّى سلوكًا تفاوضيًّا يُراهن على الوقت لتمرير مصالحه من دون التّوقيع على اتّفاقيات قانونيّة مُلزِمة، فيما تتعامل الصّومال مع الخطوات الأولى للمصالحة بحذرٍ شديد من دون أن تفقد حلفاءها الإقليميّين في مصر وإريتريا.
(خاص "عروبة 22")