صحافة

عن دعوة السعودية القيادة السورية إلى زيارة الرياض

بسام بربندي

المشاركة
عن دعوة السعودية القيادة السورية إلى زيارة الرياض

في خطوة تحمل دلالات سياسية معبرة، دعت المملكة العربية السعودية القيادة السورية الجديدة إلى زيارة الرياض، وتأتي هذه الدعوة في سياق واضح من الاهتمام السعودي باستقرار سوريا وتحقيق توازن سياسي إقليمي يخدم المصالح العربية، ومنها السعودية بالطبع. ويمكن تلخيص الأهداف السعودية من وراء الدعوة بالآتي:

1. استقرار سوريا:

تدرك المملكة أن استقرار سوريا هو مفتاح لاستقرار المنطقة برمتها. فالصراعات التي شهدتها سوريا خلال العقد الماضي لم تقتصر آثارها المدمرة على الداخل السوري، بل امتدت إلى دول الجوار، مسببة موجات من اللاجئين، وتهديداً للأمن الإقليمي، لا سيما لجهة تهريب المخدرات وقيام الجماعات المسلحة المرتبطة بايران أو بـ"القاعدة". من هنا، تسعى السعودية إلى دعم الجهود التي تساهم في إعادة بناء الدولة السورية و مؤسساتها على أسس تعزز استقرارها وتماسكها.

2. تقليص النفوذ الإيراني:

تسعى السعودية لمنع عودة سوريا إلى دائرة النفوذ الإيراني بعدما استغلتها طهران لعقود واستخدمتها منصة لزعزعة استقرار المنطقة. وترغب الرياض في أن تكون سوريا جزءاً من محور عربي قوي بدلاً من أن تكون أداة تستخدمها إيران لتحقيق مصالحها الإقليمية.

3. إقامة توازن مع تركيا:

تدرك السعودية أهمية تحقيق توازن إيجابي مع تركيا، بخاصة أن الأخيرة لعبت دوراً بارزاً في الملف السوري. فالتعاون التركي- السعودي في هذا الملف يمكن أن يشكل رافعة لتحقيق أهداف مشتركة تعزز الاستقرار في سوريا والمنطقة.

4. التأثير على العراق:

تمثل سوريا بوابة تأثير مهمة على العراق الذي يحتاج إلى تعزيز روابطه مع محيطه العربي. ومن خلال دعم قيادة سورية قريبة من التوجه العربي، تأمل السعودية في أن تسهم هذه الخطوة في تحفيز العراق ليكون أكثر قرباً من الدول العربية.

حذر سعودي مشروع

رغم الاهتمام الواضح، هناك حذر سعودي مشروع تجاه القيادة السورية الجديدة. فتاريخها وأفكارها تشكل تحدياً أمام بناء الثقة الكاملة. وتأمل المملكة في أن تكون القيادة الجديدة ممثلة لسوريا الحديثة والمنفتحة، سوريا التي تسعى لتحقيق تطلعات شعبها، وليست مجرد امتداد لتجربة إدلب التي تفتقر إلى رؤية شاملة للدولة الحديثة، وهذه الدعوة هي مد يد العون السعودية للقيادة السورية لتترك أفكارها السابقة وتبدأ صفحة سورية جديدة.

رسائل سعودية مهمة

سبقت دعوة القيادة السورية إلى الرياض ثلاث رسائل سعودية واضحة ومهمة تحمل في طياتها رؤى استراتيجية:

1. موقف دول التعاون الخليجي:

في وقت سابق، أوضحت دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، موقفها من دمشق وأعلنت بشكل واضح رؤيتها لسوريا الجديدة التي تنبذ التطرف والانغلاق، وتتبنى سياسة منفتحة على الداخل والخارج وبناء المؤسسات ودولة القانون، وهي رؤية تتوافق مع تطلعات الشعب السوري الذي أنهكته سنوات الصراع.

2. جسر المساعدات السعودي الكبير:

أقامت السعودية جسراً من المساعدات الإنسانية لدعم الشعب السوري، وهو مؤشر إلى التزامها دعم استقرار سوريا وشعبها. هذه المساعدات ليست فقط تعبيراً عن التضامن الإنساني، بل تحمل رسالة سياسية بأن المملكة مستعدة لدعم سوريا في حال اختارت القيادة الجديدة طريق الاستقرار والتنمية.

3. رفع علم الثورة في وزارة الخارجية السعودية:

رغم أنه ليس العلم الرسمي، إلا أن رفع علم الثورة السورية في وزارة الخارجية السعودية يعكس دعماً رمزياً لتطلعات السوريين في بناء دولة تعبر عن إرادة شعبها. هذا الموقف يرسل إشارة واضحة للقيادة السورية الجديدة بأن المملكة تتوقع منها أن تكون ممثلة لسوريا الجديدة، وليس لاستمرار ممارسات الماضي.

فرصة تاريخية للقيادة السورية

الدعوة السعودية تمثل فرصة نادرة للقيادة السورية الجديدة لتغيير مسار سوريا نحو الاستقرار والازدهار. الخيارات التي ستتخذها القيادة السورية في هذا السياق ستكون حاسمة في تحديد طبيعة الدعم السعودي والعربي في المستقبل. يجب أن تدرك القيادة السورية أن تبني أفكار سياسية متطرفة أو الانغلاق على رؤية ضيقة سيضيّع هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تأتي مره ثانية.

وفي المحصلة، الدعوة السعودية تحمل في طياتها فرصة غير مسبوقة لسوريا لتكون جزءاً من محور عربي قوي ومستقر. والنجاح في استغلال هذه الفرصة يتطلب قيادة حكيمة وواعية تدرك أهمية اللحظة التاريخية التي تمر بها سوريا، وتأخذ على عاتقها مسؤولية بناء سوريا الجديدة التي يحلم بها الجميع.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن