ساعات مفصلية يعيشها لبنان الذي يتحضر لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعد 26 شهراً من الفراغ الرئاسي والتعطيل الذي قوض الحياة السياسيّة والمؤسسات الدستورية وجعلها عرضة للتجاذبات الفئوية والمصالح الضيّقة. في حين يتعذر حتى الساعة الحديث رسمياً عن فوز قائد الجيش جوزف عون، إلا أنه بات الأوفر حظاً لدخول قصر بعبدا نتيجة وجود توافق عربي دولي عكسته الحركة الديبلوماسية السعودية والفرنسية على حد سواء في بيروت، فضلًا عن المواقف الواضحة التي أطلقها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، والتي تصب في هذا الإتجاه أيضًا.
وفي نظرة سريعة يتبين أن التذبذب لا يزال سيد الموقف على مستوى موقف "الثنائي الشيعي"، الذي سبق وأكد عدم وجود "فيتو" على اسم جوزيف عون وشخصه إلا أنه بقي مترددًا في الإعلان صراحةً عن تأييد دعمه وانتخابه ربطًا بتوجس "حزب الله" من التعاطي الدولي مع الاستحقاق الرئاسي بعد التغيّرات التي فرضتها الحرب الاسرائيليّة الأخيرة على لبنان وما أعقبها من توقيع اتفاق لوقف النار يقضي بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية. أما "التيار الوطني الحر" المعارض أيضًا لخيار عون، فلرئيسه جبران باسيل حسابات سياسية وشخصية أخرى ، وهي حسابات لا تتوافق مع "البيدر" العربي والدولي واعتباراته الحالية للبنان، والتي تنحسر بمعادلة: إما السير بإنتخاب رئيس سيادي من خارج المنظومة السياسية الفاسدة وتثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق عملية إعادة الإعمار وإما الاستمرار بحالة الفوضى والركود والانهيار في لبنان.
وبانتظار مفاجأت اللحظة الأخيرة وما ستفرزه الصناديق لجهة حسم انتخاب الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية، تبقى كل السيناريوهات مطروحة، فإما تسهيل الانتخاب وتمريره أو تطيير النصاب لفتح الطريق أمام المزيد من المشاورات. وكان بارزًا أمس انسحاب الوزير السابق سليمان فرنجية من السباق لمصلحة عون، رغم أنه كان في الفترة السابقة مرشح "حزب الله" الأوحد لهذا المنصب. على أنّ انتخاب قائد الجيش اليوم سيبقى معلقاً بانتظار تصويت نواب "الثنائي الشيعي" بما يوفر الـ86 صوتًا اللازمة لانتخابه بما يشكل أكثرية الثلثين اللازمة لتشكل إقرارًا ضمنيًا من النواب بأنّ المصلحة الوطنية تقتضي تجاوز شرط تعديل الدستور الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى إلا بعد سنتين من استقالتهم من منصبهم. ولذلك سوابق كما حصل عام 1989 عند انتخاب قائد الجيش آنذاك إميل لحود رئيساً وأيضاً في العام 2008 عند انتخاب قائد الجيش يومها ميشال سليمان، ما يجعل انتخاب جوزيف عون رئيسًا ممكناً بالاعتماد على المخرجات نفسها التي اعتُمدت في المراحل السابقة.
وبالتالي تحول الاستحقاق اللبناني الى حدث يعكس التغيرات في موازين القوى ويتوافق مع المستجدات الاقليمية والتطورات التي طرأت على المشهد في المنطقة العربية، ولاسيما المشهد السوري وتداعياته. وقد بات واضحاً الدور الاميركي المتعاظم والذي يسحب "البساط" من إيران ونفوذها الذي شهد تراجعاً كبيراً في المنطقة. وفي هذا الصدد، أعلنت الولايات المتحدة عن لقاء جديد جمع مسؤولين في وزارة الخارجية مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، يوم أمس الأربعاء، في دمشق.
وقالت الخارجية الأميركية إن "مبعوث الوزارة دانييل روبنشتاين يزور دمشق وهو لا يزال في المنطقة"، موضحةً بأنه التقى مع قيادة السلطات المؤقتة في سوريا وأن "الحوار مستمر والمناقشات كانت بناءة وتناولت قضايا عدة". وشددت ايضاً على أن "واشنطن تريد لسوريا أن تحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع وتعكس كل أطياف الشعب، خاصة أن هناك سعياً أميركياً للتقدم في مكافحة الإرهاب وإضعاف إيران وروسيا، وألا تهدد دمشق جيرانها".
الى ذلك، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن 3 مسؤولين أميركيين إشارتهم الى أن حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن قرّرت الإبقاء على "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية وترك "القرار الحاسم" الى الإدارة القادمة بقيادة الرئيس المُنتخب دونالد ترامب. وفي ما يتعلق بالعقوبات، قال وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو "إن العقوبات التي تعرقل راهناً وصول المساعدة الإنسانية إلى سوريا والتي تمنعها من الانتعاش، قد تُرفع سريعاً، في حين أن العقوبات المفروضة على بشار الأسد وجلادي نظامه، لن تُرفع بطبيعة الحال".
ويأتي إعلان الوزير الفرنسي، فيما تقود برلين مشاورات، بدورها، داخل الاتحاد الأوروبي، من أجل رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا قبل سقوط النظام، حيث أوضحت مصادر في وزارة الخارجية الألمانية لـ"رويترز" "إن برلين تناقش بجدية سبل تخفيف العقوبات عن الشعب السوري في قطاعات معينة". وتأمل ألمانيا ودول أوروبية آخرى بأن يشكل عودة الاستقرار وإعادة الاعمار فرصة لعودة اللاجئين خاصة الذين لا تتوفر لديهم فرص العودة بعد.
وفي تصريحات لافتة، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يزور طهران، بالحفاظ على "الحشد الشعبي" وتقويته، وإنهاء الوجود الأميركي في العراق، واصفاً إياه بـ"غير القانوني". وقال خامنئي إن وجود القوات الأميركية "يتعارض مع مصالح الشعب والحكومة العراقية"، مشدداً على ضرورة التصدي لـ"محاولات الأميركيين تثبيت وجودهم وتوسيعه".
على المقلب الفلسطيني، تستمر المفاوضات غير المباشرة، في العاصمة القطرية الدوحة، بين إسرائيل وحركة "حماس"، بهدف تذليل العقبات والتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ويشارك في هذه الجلسات المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف، الذي عينه ترامب، لشغل منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط. وفي السياق، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من باريس، أن إبرام هدنة في قطاع غزة يبقى "قريباً جداً". وتأمل الادارة الاميركية بتوصل لاتفاق قبل تسلم ترامب في الـ20 من الشهر الجاري زمام الامور وتدفع نحو صفقة لا تزال معالمها غير واضحة وشروط نضوجها معلقة على "أهواء" رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رغم الضغط الذي يتعرض له من أهالي الاسرى.
تزامناً، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قواته تمكّنت من استعادة جثّة أسير من قطاع غزة. في وقت قتل 3 جنود وأصيب ضابط بجروح خطيرة في كمين تم نصبه في بيت حانون، شمال قطاع غزّة، والتي تتعرض لابادة يومية وتطهير عرقي. وبهذا ترتفع حصيلة قتلى جيش العدو، منذ بداية الاجتياح، إلى 46 ضابطاً وجندياً، بينهم 6 سقطوا خلال الـ48 ساعة الأخيرة.
وفي تطور ذات صلة، أفادت وسائل إعلام تابعة للحوثيين في اليمن، صباح اليوم الخميس، بتعرض ثلاث محافظات يمنية لغارات أميركية - بريطانية. ولم تشر إلى وقوع خسائر بشرية أو مادية جراء تلك الغارات.
وهيمنت الخرائط الاسرائيلية الاستفزازية على عناوين الصحف العربية إلى جانب قضايا مواضيع آخرى. وفي الجولة اليومية نرصد:
تحدثت صحيفة "الراية" القطرية عن "الأطماع التوسعية والاستعمارية الفاضحة التي كشفت عنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنشرها خريطة تزعم فيها أنها أراضٍ تاريخية لهذا الاحتلال المصطنع، لتقضم أراضي عربية داخل فلسطين المُحتلة والمملكة الأردنية الهاشمية وسوريا ولبنان". وقالت: "لا غرابة أن تصدر مثل هذه الخرائط من قبل هذه الحكومة المُجرمة، وفي هذا التوقيت حيث تمر المنطقة بظروف سياسية وأمنية خطيرة، فالاحتلال الإسرائيلي يسعى دائمًا لنشر الفوضى في المنطقة والتوسع على حساب دول الجوار".
وفي الاطار نفسه، شددت صحيفة "الرياض" السعودية على أن "الإمعان في تكريس خزعبلات أو افتئات على الحقائق التاريخية والجغرافية ما هو إلاّ تحدٍّ سافرٍ لا يقيم للعقل ولا للسلم، ولا القوانين الدولية أي ميزان"، مؤكدة أن "هذا السلوك الإسرائيلي ليس بجديد، ولا يمكن اعتباره حدثاً طارئاً؛ وإنما هو استمرار لعنجهية غير مقبولة، وذريعة غير أخلاقية ولا إنسانية في وضْع يديها على ما لا تملك، وما لا يسوّغه لها أي مستند قانوني أو تاريخي، ولا يقبله أي عقل ومنطق صحيح وسويّ".
واعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية "أن إصرار حكومة الاحتلال المتطرفة على نشرها مثل هذه الخرائط يأتي في محاولة منها لفرض سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية والتي تهدف إلى التحريض على الشعب الفلسطيني وإنكار حقه في إقامة دولته المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس المحتلة"، مطالبة الإدارة الأميركية القادمة بـ"العمل على وقف جميع السياسات والأفعال والإجراءات الإسرائيلية التي لا تخدم الأمن والسلام".
بدورها، أوضحت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "ما يحدث في الضفة هو حالة حرب إرهابية شاملة تشبه الحرب الواسعة على غزة، حيث نفس ذريعة أحداث 7 أكتوبر 2023 تتكرر بقصة، أو طريقة، أخرى فى الضفة لاتساع الحرب، وشمولها كل الأراضي الفلسطينية"، داعية "كل الأطراف للتوقف وعدم الانجراف وراء التهجير، ومصادرة الحق الفلسطيني بالكامل، خاصة أن ما يزيد من خطورة ما يحدث في الضفة أنه لا يشغل العالم كله، فلم تعد هناك أرض، أو سكان، ولذلك فإن واقع الضفة مخيف، ولا يقل حالا عن كارثة غزة".
هذا وأشارت صحيفة "القدس العربي" إلى أن "ترامب في نسخته الجديدة، الممتلئ قوة، وإحساسا بالنجاح، ورغبة بتطبيق أفكار أكثر تطرفا بكثير، عاد الآن ليس لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بل لدعم حكومة نتنياهو، الأكثر دموية وشراسة وعنصرية في تاريخ حكومات إسرائيل، ولتهديد الضحايا الذين يتعرّضون للإبادة، بـ"فتح أبواب جهنم" ضدهم لـ"حل" المشكلة. وأضافت "من الصعب قراءة تصريحات ترامب حول غزة، إلا باعتبارها ترخيصا للإبادة الجماعية للفلسطينيين، وإفلات غرائز التوحّش ضدهم، وهو أمر لم يكفّ نتنياهو وشركاه في الحكومة، أصلا، عن تطبيقه".
وفي إطار مختلف، تطرقت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى الملف الرئاسي اللبناني، حيث رأت أن جلسة اليوم "قد تكون مختلفة عن سابقاتها، نظراً لظروف لبنان الصعبة، وتداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة، والتطورات الجديدة في المنطقة، وخصوصاً تغيير النظام في سوريا، ما سيؤثر سلباً في الوضع الداخلي اللبناني الذي يعاني أساساً أزمات اقتصادية وأمنية صعبة، ما يقتضي وجود رئيس، يستطيع التعامل مع هذه الاستحقاقات بإيجابية"، متسائلة "هل يخرج البرلمان اللبناني برئيس جديد للجمهورية اليوم؟ إنه امتحان لقدرة لبنان على الخروج من عنق الزجاجة".
(رصد "عروبة 22")