صحافة

"المشهد اليوم"…غزّة تنفض غبار الحرب بعد 15 شهراً من القتال الداميدخول الاتفاق حيّز التنفيذ اليوم واستمرار رفع العقوبات المفروضة على سوريا

فتى يحمل العلم الفلسطيني في مخيم للنازحين بالبريج وسط قطاع غزة قبل سريان اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)

تودع غزّة 15 شهراً من القتل والإبادة والتهجير مع دخول اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ صباح اليوم، ما سيشكل فرصة لعودة الأهالي الى منازلهم والبحث عن أحبتهم الذين لا يزالون تحت الركام والأنقاض. أشهر طويلة عاشها الشعب الغزاوي في حالة نزوح وجوع مدقع وبرد قارس نتيجة الحرب الاسرائيليّة الشعواء التي شنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رداً على عملية "طوفان الأقصى".

وإذ تنتهي الحرب الكبرى، تبدأ غزّة حروبها الصغرى والتي تتمثل في إعادة الإعمار، الذي يشكل تحدياً كبيراً جراء الحجم الكبير من الدمار والذي شمل أكثر من 80% من الوحدات السكنية كما الخسائر الاقتصادية ووصول البلاد الى حالة من الفقر التي لا مثيل لها مع خسارة مصادر الرزق والعيش، وهذا ما سيشكل معضلة أمام الأهالي للبدء من جديد. أما الطامة الكبرى فتبقى انسانيّة نتيجة الخسائر البشرية التي فاقت 46 ألف شهيد و110 ألف مصاب، ومنهم أصحاب الاصابات التي سببت لهم إعاقات مزمنة غيّرت حياتهم. كل هذا سيكون مدار بحث في الأيام المقبلة بعدما يتنفس الغزاويون الصعداء مع وقف كامل للنار ويتفقدون منازلهم أو ما تبقى منها.

في هذا الإطار، بدأت القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزّة، منذ أمس، اتخاذ خطوات ميدانيّة أوليّة تمهيداً لبدء تنفيذ عملية الانسحاب التدريجي التي ستطبَّق على 3 مراحل مع البقاء في مناطق مفتوحة قرب الحدود بأبعاد مختلفة من 700 إلى 400 متر. وكانت إسرائيل قد نشرت، في وقت سابق، أسماء أكثر من 737 أسيراً سيُفْرَج عنهم في المرحلة الأولى، بهدف منح الفرصة للجمهور الإسرائيلي لتقديم أي اعتراضات على أي من الأسماء، وهؤلاء من مجمل 1904 أسرى سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة التي أقرتها الحكومة الإسرائيليّة بضمانات أميركية وقطرية ومصرية، بينهم 1167 من سكان القطاع ممن اعتُقلوا خلال المناورة البرية، ولم يشاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وقبيل سريان وقف النار ودخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض غداً، قال رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، إن "المرحلة الأولى من الاتفاق هي عبارة عن وقف إطلاق نار مؤقت، وقد حصلنا على دعم كامل من الإدارتين الأميركية (الجديدة والسابقة) باستئناف القتال في حال كانت المفاوضات حول المرحلة الثانية غير مجدية". وأضاف "إذا كان علينا العودة إلى القتال، سنفعل ذلك بطرق جديدة وبقوة أكثر شدة". وفي سياق ذي صلة، أعلن حزب "قوة يهودية" بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنه سيقدم استقالته من الحكومة والائتلاف في ظل الموافقة على الاتفاق مع "حماس"، فيما اكتفى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالتصويت في اجتماع "الكابينت: ضد الاتفاق.

أما حركة "حماس" فرأت أنها "نجحت في إرغام الاحتلال على وقف العدوان ضد الشعب الفلسطيني والانسحاب، رغم محاولات نتنياهو، إطالة أمد الحرب، وارتكاب مزيد من المجازر"، معتبرة أنه "فشل في تحقيق أهدافه العدوانية، ولم يفلح إلا في ارتكاب جرائم حرب". هذا وتستعد السلطات المصرية لاستقبال الجرحى الفلسطينيين ودخول العالقين من وإلى غزّة، وكذلك إدخال المساعدات إلى القطاع عبر معبر رفح البري.

وبينما ينتظر العالم بفارغ الصبر سريان اتفاق وقف النار في غزّة، يستمر المشهد السوري في حصد الانتباه وذلك مع قيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتقديم إعفاءً جديداً من العقوبات المفروضة على سوريا، ما سيسمح بمساعدة الحكومة السورية من قبل الحكومات العربية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية. في موازاة ذلك، أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، خلال زيارته دمشق "أن العقوبات المفروضة على سوريا، لم يعد لها أي مبررات في الوقت الراهن، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد"، موضحاً "أن سوريا هي بلد محوري وما يحدث فيها ينعكس على الدول العربية كافة".

من جانبه، لفت وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى أن "سوريا الجديدة تتطلع إلى فتح صفحة جديدة من التعاون والتكامل" مع الدول العربية، وكذلك للعودة إلى مقعدها في الجامعة العربية. وأكد أن الإدارة الجديدة تعمل على "عقد مؤتمر وطني يضم مختلف مكونات الشعب السوري، وذلك إلى جانب توفير البيئة الآمنة لعودة كريمة اللاجئين السوريين". ويأتي ذلك ايضاً بعد اتصال هاتفي أجراه قائد الإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع مع رئيس دول الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وبحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السورية (سانا)، ليل الجمعة، فإن الجانبين بحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بما يحقق المصالح المشتركة.

لبنانياً، بدأ يتبلور شكل الحكومة التي ينوي الرئيس المكلف نواف سلام تأليفها لمجابهة الظروف التي يمرّ بها لبنان وخصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وفي حين تتركز المساعي على اشراك جميع الطوائف دون اقصاء أو استثناء، برز كلام الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي شدد على "أن أحداً لن يتمكن من توظيف العدوان الاسرائيلي الأخير في السياسة الداخلية اللبنانية، ولا من إقصاء الحزب من المشاركة السياسيّة الفاعلة والمؤثرة في البلاد". وجدد التأكيد أن الحزب قد صبر على الخروقات الإسرائيليّة الأخيرة لإعطاء فرصة للدولة اللبنانية لمعالجتها، ودعاها الى "الحزم في مواجهة الخروقات التي تجاوزت المئات".

وضمن المواقف ايضاً، أشار رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى أن "تفجير المنازل وتدمير القرى الحدوديّة يتناقض كليًّا مع ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار ويعتبر استمرارًا لانتهاك السّيادة اللّبنانيّة وإرادة المجتمع الدوليّ". كلام عون جاء خلال خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي عبّر عن ثقته "بأن اللبنانيين سيبدأون عملية إعادة الإعمار بمجرد انتهاء النزاع"، متعهداً بأن يدعم المجتمع الدوليّ لبنان "بكل الوسائل الممكنة".

وكان لبنان الذي يشهد حركة دوليّة وديبلوماسية نشطة منذ انهاء الفراغ الرئاسي قد تابع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي شدد على "دعم تشكيل حكومة سريعاً تحترم الالتزامات السابقة وتقديم المساعدات"، واعداً بتنظيم مؤتمر دولي لحشد مساعدة إعادة بناء لبنان. ويسعى ماكرون الى تعزيز الدور الفرنسي الذي خسرته باريس لسنوات طويلة في لبنان، وهو كان بدأ في هذه الخطوات منذ تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020.

وقد احتل المشهد الفلسطيني صدارة اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم وعناوينها، حيث نرصد أبرز ما ورد فيها:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه إذا "كان هناك من درس بليغ لهذه الحرب العبثية، فإن القوة الغاشمة، مهما أجرمت، لن تحقق الأهداف، والدليل أن إسرائيل دمرت كل غزة تقريباً وعملت في أهلها قتلاً عشوائياً وتشريداً، ولم تستطع أن تستعيد أياً من رهائنها إلا بالمفاوضات مع الفصائل الفلسطينية"، مشددة على "أن هذه الحرب لم تحقق لتل أبيب الأمن الذي كانت تحلم به، بل على العكس، فإن هذه الحرب ألحقت بها خسائر لا تسترجع وعاراً لا يُمحى".

وأكدت صحيفة "العرب" القطرية أن "الجهود الملقاة على دولة قطر والشركاء ستكون كبيرة للحفاظ على استكمال الاتفاق بمراحله وتنفيذه دون خروقات، خاصة في ظل المخاوف القطرية من اختلاق قادة الاحتلال لأسباب من أجل خرقه"، واضعة مسؤولية نجاح هذه الجهود على عاتق المجتمع الدولي من خلال "ممارسة ضغوط متواصلة على إسرائيل لدفعها نحو الاستمرار في الاتفاق".

هذا وأشارت صحيفة "الوطن" البحرينية إلى أن "هذه الهدنة خطوة مهمّة نحو تحقيق السلام، ولكن تتطلّب من إسرائيل الالتزام بذلك، فالبعض في توجّس من صدق النوايا في وقف إطلاق النار، ومن هنا لابد من مراقبة دولية حقيقية لضمان الالتزام بالهدنة وتسوية سياسية جادة وأن تكون هناك عقوبات إذا انتهكت إسرائيل بنود الاتفاق"، موجهة انتقاداتها الى "الدول الكبرى التي تقاعست في الضغط على إسرائيل لوقف النار منذ البداية ما أدى إلى دمار شامل وانتهاكات غير إنسانيّة وسلب للحقوق".

ورأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "الأسباب والدوافع التي دفعت نتنياهو للاذعان للضغوط التي مورست عليه من قبل إدارة ترامب في القبول بصفقة التبادل ووقف إطلاق النار هو رغبته وطمعه في الحصول على جملة من الامتيازات المتعلقة في جزء منها به شخصياً، وفي شقها الأكبر ببقاء ائتلافه الحاكم وتحقيق رغباته وأطماعه التي تتجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية"، متسائلة "هل تنجح رهانات نتنياهو في الحصول على الأثمان التي يتمناها في ملفات إقليمية ودولية مقابل هدنة غزّة المؤقتة ضمن مناوراته التي خبرها العالم وينقض اتفاقاته، وليعد نتنياهو لقتال غزة....دون أي مبالاة؟".

وفي السياق عينه، أوضحت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "التحركات المصرية تهدف إلى أن يسهم هذا الاتفاق فى حقن دماء الشعب الفلسطيني الذى عانى ويلات الحرب، وما نشأ عنها من أزمة إنسانية قاسية". وأضافت: "تستعد مصر للبدء فى مشروعات التعافي المبكر تمهيدا لإعادة إعمار القطاع مع استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي في هذا الشأن كما تهدف تحركات مصر إلى استعادة الاستقرار بالمنطقة، وحل الأزمات التي عصفت ببعض دولها حتى تتفرغ دول المنطقة للتنمية والازدهار".

أما من وجهة نظر صحيفة "الراي" الكويتية، فإن "وقف النار يشكل نقطة تحول في صراعٍ حدّد ملامح الشرق الأوسط لعقود من الزمن"، منوهة بأن "الاتفاق بالنسبة للفلسطينيين، يرمز الوعد بالعودة إلى الانتصار على القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط والاعتراف بحقوق وجودهم على أراضيهم. في حين يعكس الاتفاق بالنسبة للإسرائيليين الحقائق المعقدة المتمثلة في تحقيق التوازن بين الأمن والدبلوماسية والسياسة الداخلية".

على المقلب الآخر، لفتت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أنه وعلى الرغم من أن "الإدارة السورية الجديدة تجد أبواباً مفتوحة في محيطها العربي والمجتمع الدولي، إلا أن هناك من يشكك بكل ما تمثله هذه الإدارة من تجسيد لثورة الشعب السوري !". وقالت: "سورية الجديدة بكل أحوالها ومخاض نهوضها من تحت ركام حكم الـ 50 سنة القاهرة تستحق كل الوقت وكل الدعم لتعبر عن إرادة شعبها، ومن يضعون العصي في دواليبها ويزرعون الألغام في طريقها لا يمكن أن يكونوا حريصين على رفاه ومستقبل السوريين، هم يعبرون وحسب عن خيبة أمل هزيمة المشروع الإيراني وسقوط النظام البعثي!".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن