صحافة

"المشهد اليوم"..ترامب يُطلق "عصره الذهبي" والعالم يحبس الأنفاس!غزّة تبحث عن ضحاياها وسط الركام والاتحاد الاوروبي يبحث رفعًا "تدريجيًا" للعقوبات عن سوريا

الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب يقسم اليمين الدستورية في مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة، واشنطن (إ.ب.أ)

سلسلة من "القرارات التنفيذية" اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد تأديته اليمين الدستورية، في مقر الكونغرس، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. قرارات تعكس ماهية المرحلة المقبلة ودقتها دولياً وإقليمياً، خاصة أن "الرئيس العائد" إلى البيت الابيض، بعد هزيمة سابقة لم يستسغها، أطلق مواقف حادة ومثيرة للجدل والتي من شأنها أن تطرح تساؤلات عن العلاقات مع الصين ودول الجوار كما مع الاتحاد الاوروبي وإيران، حيث أن كل دول العالم باتت تحبس الأنفاس وترصد سياسات ترامب وانعكاساتها وتقيمها وفق سياقات اقتصادية وسياسية.

وفيما تبدو إسرائيل مرتاحة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، تنظر دول أخرى كإيران وأوكرانيا ودول الاتحاد الاوروبي بتوجس وتترقب بحذر القرارات التي ستصدر عنه خاصة أن مواقفه السابقة لا تبشر بعلاقات ودية متوازنة، كما أن الرجل يُعرف بقراراته الحاسمة التي طبعت عهده الأول. وها هو اليوم في ولايته الثانية يتوعد في خطاب القسم بأن مرحلة أفول الولايات المتحدة انتهت، وأن "عصرها الذهبي" بدأ الآن، قائلاً إنه "من اليوم فصاعداً، ستزدهر بلادنا وستُحترم في كل أرجاء العالم". وأضاف: "سنكون موضع حسد كل دولة، ولن نسمح لأنفسنا بأن نُستغل بعد الآن. خلال كل يوم من أيام إدارة ترامب، سأضع أميركا في المقام الأول بكل بساطة".

وإذ تطرق ترامب في الخطاب الى عدة عناوين أساسية، سبق وأعلن عنها، كاستعادة قناة بنما وإعادة تسمية خليج المكسيك بخليج أميركا وحظر حقوق المتحولين جنسيًا ومحاربة الراديكالية، إلا أن أهمها يكاد يكون ضد المهاجرين الذين وصفهم بـ"المجرمين الأجانب" الذين يقيمون بطريقة غير نظامية في الولايات المتحدة، متوعداً بطردهم من البلاد، حيث يعتزم ترامب أيضاً إنهاء حق الحصول على الجنسية بالولادة في الولايات المتحدة وإنهاء الحق بطلب اللجوء.

وحول اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة بين إسرائيل وحركة "حماس"، قال "إنه غير واثق من الاتفاق"، مشيراً إلى أن القطاع يبدو وكأنه "موقع هدم ضخم" ويجب إعادة بنائه بطريقة مختلفة. كما تعهد بمحاولة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أسرع وقت ممكن، معتبراً أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين "يدمر روسيا بعدم إبرام صفقة".

الى ذلك، وقع ترامب على "حزمة" من الأوامر التنفيذية في اليوم الأول من ولايته الرئاسية الثانية، من بينها أمراً تنفيذياً بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وذلك للمرة الثانية، في خطوة تشكل تحدياً للجهود الرامية لمكافحة الاحترار العالمي. ووقع كذلك على أمر انسحاب بلاده من "منظمة الصحة العالمية" التي كان قد هاجمها في السابق بسبب طريقة مكافحتها لوباء كوفيد.

أما القرار الأهم فجاء عبر إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة سلفه جو بايدن على جماعات وأفراد من المستوطنين الإسرائيليين من اليمين المتطرف لارتكابهم أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وهذا يشكل أولى "الهدايا" لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وافق، على مضض، على وقف النار في غزّة إرضاء لترامب وليس سعياً لاطلاق سراح الاسرى المعتقلين منذ 471 يوماً. يُشار إلى أن رؤساء الدول سارعوا قبيل حفلة التنصيب الى تهنئة ترامب وسط آمال بإحلال السلام وتفعيل التعاون وتعزيزه.

وضمن السيّاق، يدخل وقف النار في غزّة يومه الثالث رغم بعض الخروقات "المُتعمدة" من الجانب الاسرائيلي حيث استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين برصاص قوات الاحتلال في وسط وجنوبي قطاع غزّة، وتحديداً في رفح ومخيم النصيرات. في حين واصلت أجهزة الإسعاف انتشال جثامين الشهداء من بين الركام، حيث أن المعطيات تشير الى حوالي 11 ألف مفقود منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

هذا وتواصلت شاحنات المساعدات الإنسانية بالدخول إلى القطاع المنكوب وفق تعهدات الاتفاق، في وقت يتكشف أكثر وأكثر حجم الخراب والدمار وعدم قدرة الأهالي على استعادة حياتهم بشكل طبيعي. وفي هذا السياق، قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، إن 92% من المنازل في القطاع، أي نحو 436 ألف منزل، دمرت أو تضررت جراء العدوان، فيما نزح 90% من المواطنين عن بيوتهم. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، تصل التكلفة الإجمالية لإعادة بناء ما دمرته الحرب إلى 40 مليار دولار أميركي.

في موازاة ذلك، دعا رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، قواته إلى الاستعداد لشن "حملات عسكرية ملموسة" في الضفة الغربية في الأيام القليلة المقبلة، بينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن أي ضم كلي أو جزئي للضفة الغربية من إسرائيل سيكون "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي". ومن المتوقع أن تشهد الضفة المزيد من العمليات العسكرية وتوسيع رقعة الاستيطان مع وصول ترامب، حيث يستفيد الاسرائيليون من دعم حليفهم الاميركي وغض النظر عن التجاوزات والانتهاكات الحاصلة.

لبنانياً، لم يقدم رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام تشكليته الحكومية الى رئيس الجمهورية جوزاف عون بانتظار تذليل ما تبقى من العقبات التي تتصل بمطالب الكتل السياسية بتمثيلها ولا سيما بـ"عقدة" تمثيل الثنائي الشيعي الذي، وفق المعلومات، لا يزال غير راضٍ عن منحه خمس حقائب من بينها وزارة المالية (ياسين جابر)، بالاضافة إلى حقيبتي الصناعة والبيئة، والصحة لـ"حزب الله" مع العمل أو التنمية الإدارية. وهذه العقد  يعمل سلام على تدوير زواياها واعلان حكومته على وقع التغيرات الاقليمية والدولية والزخم العربي الذي أُحيط بلبنان. وبحسب التقديرات الأولية، من الممكن أن تبصر الحكومة العتيدة النور يوم الجمعة المقبل أو في نهاية الأسبوع الجاري، إن تكاتفت الجهود .

ميدانياً، كرر "حزب الله" تحذيره من عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي لا يزال يحتلها عند انتهاء مهلة الستين يوماً، ملوّحاً "بالدخول في مرحلة جديدة من المواجهة". ويتزامن ذلك مع استمرار العدو الاسرائيلي في خروقاته جنوباً مع استكمال تدمير المنازل وحرقها وتجريف الطرقات، كما قام باختطاف ثلاثة مزارعين قبل أن يعود ويسلّمهم إلى قوات الـ"يونيفيل"، بعد الظهر.

وفي الملف السوري، يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع يُعقد في بروكسل في 27 كانون الثاني/يناير الحالي، خارطة طريق بهدف تخفيف العقوبات "تدريجياً" على سوريا، سعياً وراء إرسال رسالة إيجابية لدعم المرحلة الانتقالية والسلطة الجديدة في البلاد وذلك ترجمة للقاءات التي سبق وعقدها موفدو هذه الدول في دمشق. وتشمل خارطة الطريق خيارات لدعم سوريا، من بينها تعزيز المساعدات الإنسانية، ودعم إعادة الإعمار تدريجياً، ودراسة إمكانية السماح للاجئين السوريين في أوروبا بالتنقل بين أوروبا وسوريا خلال المرحلة الانتقالية.

وانقسمت اهتمامات الصحف العربية بين وقف النار في غزّة وتعقيدات المشهد الفلسطيني برمته وبين وصول ترامب للبيت الابيض. وفي جولة اليوم نرصد:

تطرقت صحيفة "عكاظ" السعودية الى اتفاق وقف النار في غزّة، حيث أشارت إلى أننا "أمام مرحلة قادمة مشوبة بكثير من التعقيدات، فالرئيس الجديد دونالد ترامب صرّح بأن حركة "حماس" لن يتم تمكينها من إدارة غزّة من جديد بينما هي الموجودة فعلياً على الأرض وهي التي تفاوض رسمياً بشأن القطاع وما زالت تمتلك السلاح والكتائب المقاتلة، معتبرة أن "انتزاعها من المعادلة لن يكون سهلاً".

وفي موقف مغاير عبرت عنه صحيفة "البلاد" البحرينية، التي لفتت إلى أن "إسرائيل حققت العديد من أهدافها في حرب غزّة، وإنها بعد أن تتمكن من إغلاق ملف المختطفين ستعمل على تحقيق باقي أهدافها وأولها تغيير السلطة في القطاع والقضاء على حركة "حماس". وأضافت: "هذا الكلام مؤلم، لكنه الواقع الذي علينا، نحن العرب والمسلمين، أن نتحرك من خلاله وإلا فإن الأحوال ستسوء في غزّة والضفة الغربية ومختلف الدول التي شهدت نشاطاً للمقاومة"، على حدّ تعبيرها.

من جهتها، دعت صحيفة "الخليج" الاماراتية اسرائيل إلى أن "تعيد حساباتها وتقوم بمراجعة أسباب عملية "طوفان الأقصى" وما جرى بعدها، وأن تتعلم من دروسها، ومن أهمها أنها لن تستطيع أن ترهن وجودها بما تمتلك من قوة، وأنها لن تحصل على السلام، إلا بالاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وقيام دولته المستقلة"، مشددة على أن "المطالبة بالدولة الفلسطينية لم تعد مجرد شعار، بل صار حقاً يستوجب التنفيذ بلا تأخير".

وطالبت صحيفة "الأهرام" المصرية، في مقال، بـ "البدء فوراً في تجميع كل الأدلة المادية المتاحة على جرائم إسرائيل في قطاع غزّة، وذلك قبل أن تتلاشى الأدلة، التي ينبغي أن تكون نواة لإقامة مزار دائم للجرائم المُرَوِّعة لإسرائيل"، موضحة أن الأهالي بعد وقف النار "أصيبوا بصدمة أنهم لم يتعرفوا على بيوتهم ولا على الطرق المؤدية إليها! فقد تدمر كل شيء وسُوِّي بالأرض، من منازل ومدارس ومستشفيات ودور عبادة، كما جُرِفَّت الطرق والزراعات".

هذا وتساءلت صحيفة "الدستور" الأردنية "ما الذي ينتظر العالم خلال السنوات الأربع المقبلة في عهد الإدارة الأميركية الجديدة؟"، لتعود وتضيف أن "القضية الفلسطينية وحل الدولتين، ليست أولوية..وأن الإدارة الأميركية الجديدة تطمح الى إدارة الكرة الأرضية وليس الولايات المتحدة فحسب". وخلصت إلى أنه "إذا ما نفذت الإدارة الأميركية الجديدة بعضاً من طموحاتها في أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا، فلن تكون منطقتنا سوى قضية صغيرة مؤجلة وسط إشكالات دولية مستعصية....لن نكون سوى ساحة خلفية لإسرائيل".

وعلّقت صحيفة "الراي" الكويتية على وصول ترامب مجدداً للبيت الابيض قائلة "أكثر مَن ينتظر ما سيكون ابتداءً من اليوم هو الشرق الأوسط "المختلف" الذي ارتسم في الأشهر الأخيرة، وطبع انتخاب ترامب قبل أكثر من شهرين بعض مساراته الملتهبة"، معددة ما حصل في الآونة الاخيرة من "وقف النار في غزّة الذي بدا ان إسرائيل "اقتيدت" إليه، وما سبق ذلك على جبهة لبنان من اتفاق 27 نوفمبر الذي لم يكد أن يسْري حتى سار نظام بشار الأسد في سورية على طريق سقوط مدوٍّ اعتُبر من المفاعيل المباشرة لتقلُّص قوة المحور الإيراني بدءاً من ذراعه الأقوى "حزب الله".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن