تبدو منطقتنا منذ عقود طويلة منذورة لقلق دائم، فتاريخها في كل مرحلة نتيجة حدود لا تستقر ومخططات لا تنتهي، وربما مؤامرات تحيط بنا متخفية في خطط أو مخططات تزعم السعي لتحقيق مصالحنا وضمان تقدمنا. ربما لا تعيش منطقة في العالم ما نعيشه، تتغير الأسماء المهيمنة على المشاهد في الغرب، ويبقى ما يراد لنا ثابتاً في جوهره، وإن تبدّلت مسميات الخطط ومراحلها.
وكل ذلك يبقى مفهوماً بالنظر إلى موقع هذه المنطقة من العالم وما تكتنزه من خيرات لا تريد لها قوى عالمية أو إقليمية الاستثمار في ما يريح الشعوب ويهيّئ لها فرص الوثب إلى المستقبل اللائق بها والتنعم بما تهبه لها الطبيعة.
ما من مشروع للنهوض إلا وتتكالب عليه قوى تتخذ بعض المنتسبين إلينا أحياناً وسيلة لتعطيل مراكز القوة والإرداة، وهكذا نبقى دائرين في حلقة مفرغة تتشابه فيها المعارك ونهاياتها التي ليست في مصلحتنا في أية مرحلة. ومن غير المعقول أن نعزو كوننا الطرف الأضعف أو الأقل فاعلية في معظم الأحوال إلى قوة من نواجهه، ففي ركوننا إلى ما يخطط لنا وتعامل معظمنا معه بعدم مبالاة وكأننا قدر مقدور، ما يفسر أيضاً بقاءنا في الحلقة المفرغة.
ما يبعث على التعجب أن معظم الذي يتكشف أمامنا الآن بين غبار المعارك الدائرة في المنطقة مكتوب منذ عقود وحذرت منه عقول عربية قرأته مبكراً بحكم ما توفر لها من حصافة فكرية أو خبرة سياسية أو كلتيهما. ورغم ذلك، فإننا نبقى دوماً في خانة المنتظر المستسلم لما يحاك له، مؤكدين أننا لا نجيد القراءة، وإذا قرأنا نعجز عن فهم الروابط بين الخيوط المتعددة في واقعنا، إما بسبب التماس الراحة المتأتية من استبعاد أن تكون المخططات حقيقية، وبالتالي لا سبيل إلى ترجمتها، وإما لأننا نراهن على أن يداوي الزمن مشاكلنا أو على الأقل يؤجلها للأجيال الآتية.
كل ما يشاع عن تقسيم، أو تهجير، أو تدجين جاهر به الواقفون خلفه منذ عقود، بل وحددوا لكل أمر جداول زمنية، ووضعوا خرائط لمنطقتنا المجزأة. لم يروّج هؤلاء لخططهم بمواربة أو استحياء، بل هي في كتب ووثائق متاحة للاطلاع، لكن معظمنا لم يأخذ الأمر بالجدية التي تليق بخطورة المخططات، فكان أن أغووا بعضنا بارتكاب حماقات تبرّر تمريرها وتيسّرها مقابل وعود بزعامة أو ثروة.
ونتيجة ذلك دول مقسّمة أو قابلة للتجزئة حين تتفجر فيها نيران الطائفية والتعصب لكل ما يهدم الدولة الوطنية. وحتى بعض الخلافات البينية هي سعي من بعض القوى لإفساد أية محاولة للتقارب والاتحاد، حتى يسهل النفاذ إلى الجغرافيا والبشر تمهيداً للتفتيت والتشتيت.
لم تكن المحاولات يوماً أوضح مما هي عليه اليوم، والخرائط المنتظر رسمها يتحالف في تنفيذها أشرار من الخارج والداخل، ولعلها تكون فرصة لتمتين جبهاتنا الداخلية والاستقواء بالشعوب، فهي خير سلاح.
(الخليج الإماراتية)