صحافة

روسيا تحط مجدداً في دمشق وتزاحم أوروبا على التعاون مع الإدارة الجديدة

سميح صعب

المشاركة
روسيا تحط مجدداً في دمشق وتزاحم أوروبا على التعاون مع الإدارة الجديدة

غداة قرار الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا، حطّ وفد روسي برئاسة نائب وزير الخارجية المبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، ميخائيل بوغدانوف، في دمشق، بما يعيد الاتصال الرسمي الأول على هذا المستوى بين موسكو والإدارة الجديدة في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ليس بالضرورة أن يكون ثمة ترابط بين القرار الأوروبي وزيارة الوفد الروسي إنما الحدثان يؤكدان احتداماً في التنافس الدولي على سوريا، خصوصاً بين الاتحاد الأوروبي الذي كانت ممثلته العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس قد اشترطت، للتعاون مع الإدارة السورية الجديدة، أن تعمد الأخيرة إلى إغلاق القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس.

قابلت روسيا التغيير في سوريا ببراغماتية، على رغم منحها اللجوء "الإنساني" للأسد، وحاولت أن ترقى بالعلاقات التاريخية بين روسيا وسوريا، إلى مستوى العلاقات بين الدول لا الأفراد. ولم تخلُ التعليقات الروسية على الأحداث السورية من توجيه الانتقادات إلى النظام السابق، صادحة بالاستغراب من عدم قبوله الانفتاح على المعارضة والتجاوب مع عملية جنيف التي تنصّ أصلاً على الانتقال السياسي.

وأحجمت روسيا، على عكس إيران، عن إلباس الحدث السوري قميصاً تركياً. ولم تتهم أنقرة بالوقوف خلف هجوم الفصائل المسلّحة السورية على حلب وصولاً إلى دمشق، على رغم أنها كانت تراقب بذهول الأيام العشرة التي هزّت سوريا. وتحافظ موسكو على علاقاتها الجيّدة مع أنقرة، على رغم دعم الأخيرة كييف عسكرياً.

والواقعية الروسية قابلتها واقعية من الإدارة السورية الجديدة، بحيث لم تطلب من روسيا إخلاء قاعدتيها فوراً، وأبقت الباب مفتوحاً أمام الحوار بين دمشق وموسكو. أراد الأوروبيون، وفي مقدّمهم فرنسا، ممارسة الضغوط على روسيا، انطلاقاً من سوريا. وبينما انحسر النفوذ الفرنسي في الأعوام الأخيرة في منطقة الساحل، جنوب الصحراء، في أفريقيا لمصلحة التمدد الروسي في القارة السمراء، وتحديداً في "فرنسا الأفريقية"، وآخرها في التشاد والسنغال، رأت باريس التي كانت سباقة في الانفتاح على سوريا فور إسقاط الأسد أن "ترد التحية" لروسيا بحرمانها من المياه الدافئة في المتوسط.

وأوكرانيا أيضاً وجدت الفرصة سانحة كي تملأ الفراغ الروسي في سوريا، فزار وزير خارجيتها أندريه سيبيغا دمشق، والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، عارضاً تقديم مساعدات من القمح الأوكراني، من بين أوجه أخرى للتعاون. يبقى القرار في نهاية المطاف لدمشق في ما إذا كانت ستنخرط في سياسة الاستقطاب والمحاور الدولية، أم ستسلك مسار التعاون مع أوروبا وروسيا والولايات المتحدة، بما يؤمّن لها تدعيم النظام الجديد والتركيز على إعادة الإعمار وبناء علاقات متوازنة مع العالم الخارجي.

إن بقاء سوريا ساحة للصراعات الإقليمية والدولية لن يساهم في تدعيم الانتقال السياسي بسلاسة، بينما تواجه الإدارة الجديدة الكثير من المشاكل الداخلية، ولا تزال في أول الطريق على صعيد بناء قوات أمن جديدة، والبحث عن السبل التي تسهل حياة السوريين المعيشية، وتتطلّع إلى رفع العقوبات الغربية، وفي مقدّمها "قانون قيصر" الأميركي.

قد يكون ذلك مرتبطاً إلى حدّ كبير بعدم انزياح سوريا مجدداً إلى الفوضى. وروسيا بما تملكه من علاقات مع الكثير من الأطراف السورية، لا سيما الأكراد، تستطيع أن تلعب دوراً بنّاءً في التوصل إلى تفاهم بين دمشق و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد).

تضع زيارة الوفد الروسي لسوريا بدايةً جديدة للعلاقات مع دمشق، مع الاحتفاظ بقدر كبير من الحذر حيال ما يمكن أن تكون عليه طبيعة العلاقات الروسية - السورية، التي هي سابقة على قيام نظام "البعث" في سوريا، من منطلق المصالح المشتركة للبلدين.

لا بدّ أن التواصل السوري - الروسي سيكون مبعث غرابة في أوروبا وفي الولايات المتحدة التي يبحث رئيسها دونالد ترامب عن وسائل جديدة للضغط على بوتين لحمله على وقف الحرب فوراً في أوكرانيا.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن