لم يحلم نتنياهو أبدا بهذا القدر من الدعم السخي والاحتضان لمشروعه السياسي. لأول مرة يجد نفسه بجانب رئيس، وأي رئيس، يسبقه بالطموحات والمشاريع التي تحاكي الحلم الصهيوني في فلسطين. كان واضحا من التصريحات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يضطر لبذل أي جهد لإقناع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بأفكاره وخططه، فقد وجده مستعدا لتلبية جميع مطالبه، لا بل يسبقه بخطوات.
أسوأ التوقعات عن رئاسة ترامب هي ما تحقق فعليا. المنطقة بالنسبة إليه هي مجرد مشروع عقاري أميركي ضخم. أخطر ما كان مطروحا احتلال اسرائيل أجزاء من غزة واستيطانها من جديد. وإذ بالرئيس الأميركي يزاود على الحركة الصهيونية ويتبنى بدلا منها مشروع ترحيل سكان غزة، واحتلالها واستيطانها من قبل أميركا مباشرة لتكون "ريفيرا" الشرق الأوسط يعيش فيها بشر من مختلف دول العالم، إلا سكانها، والذين عليهم أن يغادروها، دون عودة ويعيشوا في بلدان بعيدة. فإذا كان الأردن يرفض تهجيرهم ومصر كذلك، هناك على حد قول مستشاري ترامب نحو 12 بلدا مستعد لاستقبالهم.
ليس هذا فحسب، فتهجير سكان غزة مقدمة لمشروع مماثل في الضفة الغربية كما ألمح ترامب. قريبا وخلال بضعة أسابيع ستعلن إدارة ترامب موقفها من طلب نتنياهو ضم أراض في الضفة الغربية تعادل 60 % من مساحتها. الواضح من حديث ترامب أنه على بعد خطوة من الموافقة على هذا الطلب.
إسرائيل تهيئ الأرضية حاليا في الضفة الغربية لتنفيذ خطوة الضم، مستغلة تصرفات غير منطقية في بعض مخيمات الضفة، تحرص حكومة الاحتلال على تضخيمها وتوسيعها لتبرر تهجير سكان هذه المخيمات والاستيلاء على أراضيهم.
والظاهر أيضا أن ترامب لم ولن يتفهم أبدا المواقف العربية الرافضة لمشروعه الخاص بتهجير أهل غزة، ويصر على فرضه بالقوة على الدول العربية مهددا بعقوبات مشابهة لما اتخذ بحق بنما وكندا والمكسيك.
وصفة ترامب للتسوية في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية فوضوية وقاتلة، ويصعب على إنسان عاقل أن يتصور إمكانية تطبيقها. تهجير أكثر من مليوني إنسان بالقوة أمر لا يصدق، وفرض الضم على ملايين من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعني نكبة جديدة لا يمكن للعالم تقبلها. وإذا كان ترامب يعتقد أن هذه الخيارات ستجلب السلام للمنطقة يتعين عليه أن يدرك أنها وصفة للفوضى والحروب وقد تطلق حركة مقاومة واسعة ضد إسرائيل تقوض ما أنجزته الولايات المتحدة من اتفاقيات سلام بين إسرائيل ودول عربية.
حسنا فعل وزراء خارجية عرب "خمسة وزراء" من الدول الفاعلة في المشهد الإقليمي، عندما وجهوا رسالة مشتركة لنظيرهم الأميركي، تحدد بوضوح وصراحة الموقف العربي من التسوية العادلة للقضية الفلسطينية. هذه الرسالة ينبغي أن تكون أساسا لتحرك دبلوماسي عربي واسع لقتل مشروع ترامب في مهده، قبل أن يصدقه العالم حقا ويتحول إلى حقيقة ينال الرئيس بفضله جائزة نوبل للسلام.
(الغد الأردنية)