تتفاعل تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن السيطرة على قطاع غزّة وتهجير سكانه الى دول أخرى بحجة "إعادة الإعمار"، رغم أن الولايات المتحدة الاميركية تعتبر شريكاً رئيسياً بتدمير القطاع على مدار 15 شهراً من خلال صفقات الأسلحة والتمويل العسكري المباشر لإسرائيل وعرقلة أي قرارات في مجلس الأمن بشأن وقف الحرب. ومع "موجة" الرفض الدولي والعربي القاطع لهذا المقترح الخطير وتداعياته على الأمن والاستقرار، يستمر ترامب بتصريحاته دون أن "يعير" أي انتباه لمواقف الرفض والتنديد ويمضي قدماً بتعزيز دور اسرائيل وخططها التوسعيّة والاستيطانيّة.
فمنذ وصوله يقدم ترامب "الهدايا" الواحدة تلو الأخرى لاسرائيل، من رفع الحظر عن شحنات الأسلحة وتوقيع صفقات جديدة، الى إلغاء العقوبات الصادرة بحق مستوطنين متطرفين يهددون الامن في الضفة الغربية، وصولاً الى توقيعه أمس مرسوماً يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، "كـ"عقاب" لها لإصدارها مذكرة توقيف بحق نتنياهو في وقت سابق. وهذه "العطايا" لم تكن لتحلم بها تل أبيب بهذه السرعة، خاصة أن ترامب ذهب أبعد من أحلام نتنياهو نفسه، ما دفعه للثناء على ترامب بالقول "إنه أعظم صديق على الإطلاق وجدته اسرائيل في البيت الأبيض".
هذا التماهي الاميركي - الاسرائيلي سيولد الكثير من الاضطرابات التي لن تكون الدول العربية برمتها بمنأى عن تداعياتها وأثارها، خاصة بظل وجود إصرار على تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين، وهو ما كرره ترامب أمس، في تصريح جديد، حين أشار إلى أن "اسرائيل ستسلم قطاع غزّة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال"، مجدداً الحديث عن "إعادة توطين الفلسطينيين في مجتمعات أكثر أمناً وجمالاً". ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستبدأ "ببطء وحذر في بناء ما سيصبح أحد أعظم وأروع مشاريع التنمية من نوعها على وجه الأرض"، مشدداً على أنه "لن تكون هناك حاجة إلى جنود أميركيين وسيسود الاستقرار في المنطقة".
وتغيب تفاصيل تطبيق الخطة التي دفعت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية بالخروج بمقال افتتاحي تحت عنوان "غير جدي"، قالت فيه إنه "لو لم يكن هذا رئيس الولايات المتحدة لكان اقتراح ترامب جديراً بالتجاهل المطلق"، معتبرة أنه "لا توجد حلول سحرية تخفي النزاع، وادعاء امتلاك حل مثل هذا يتضمن الترحيل، والتطهير العرقي وباقي جرائم الحرب، هو إهانة للفلسطينيين وللإسرائيليين على حد سواء". وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى إعجابه الشديد بفكرة ترامب، حيث قال إنه يؤيد "السماح لسكان غزّة الذين يريدون المغادرة بالمغادرة"، معتبراً أن الخطة "ينبغي متابعتها وفحصها وتنفيذها، لأنني أعتقد أنها ستخلق مستقبلاً مختلفاً للجميع".
تزامناً، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن نتنياهو أنه يتعامل مع المقترح بوصفه خطة "اليوم التالي" التي توصف كبديل لمقترحات الرئيس السابق جو بايدن في شأن إنهاء الحرب في غزّة، خاصة بظل غياب الرؤية المستقبلية حول من سيحكم القطاع مع إصرار الجانبين الاميركي والاسرائيلي على ألا يكون لـ"حماس" دور. في المقابل، أوعز وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى الجيش بوضع خطة تهدف إلى "توفير إمكانية المغادرة الطوعية لسكان غزّة"، وذلك عبر ترتيبات تشمل المعابر البرية والمنافذ البحرية والجوية. ووفقاً لكاتس فإن دولًا مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، التي انتقدت السياسات الإسرائيلية "مُلزمة" باستقبال الفلسطينيين، معتبراً أن رفضها سيكشف حجم "نفاقها"، على حدّ قوله.
وعلى مدار يومين شكلت تصريحات ترامب "عاصفة" من ردود الفعل المستنكرة والرافضة لما اقترن بتسميته بـ"التطهير العرقي" والقضاء على فكرة "حل الدولتين" الذي لطالما طُرح كتسوية للصراع العربي - الاسرائيلي. كما وصل بالبعض لنعت كلامه بـ"الهراء" كما فعلت المقررة الأممية المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، التي أكدت أن المخطط هو "تحريض على التهجير القسري الذي يُعتبر جريمة دولية". من جانبها، شددت القاهرة على "رفض أيّ طرح أو تصور يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير"، محذرة من مخاطر ذلك "على المنطقة بأكملها وعلى أسس السلام".
في غضون ذلك، تحدثت القناة (12) العبرية، عن خطة بديلة لمصر والأردن، لدى ترامب، تنص على نقل فلسطينيي غزّة إلى 3 مناطق هي صوماليلاند، وبونتلاند والمغرب. ووفقاً للقناة، فإن صوماليلاند وبونتلاند هما منطقتان داخل دولة الصومال، ولا تحظيان باعتراف دولي بصفتهما دولتين مستقلتين، وللمغرب قضية تتعلق بالصحراء، وعليه فإن القاسم المشترك بين ثلاثتها، هو الحاجة الملحّة للدعم من قبل الولايات المتحدة، بحيث ترغب صوماليلاند وبونتلاند في الاعتراف، فيما يسعى المغرب إلى حل قضية الصحراء.
وعلى المقلب اللبناني، يواصل العدو الاسرائيلي خرق اتفاق وقف النار حيث شن مساء أمس سلسلة من الغارات على جنوب لبنان وشرقه مع تحليق طيران مكثف فوق بيروت وضواحيها. وبرر الجيش الإسرائيلي ذلك بالقول إنه "شن ضربات في لبنان على موقعين عسكريين كانا يحتويان على وسائل قتالية لـ"حزب الله" شكلت خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار". ويترافق ذلك مع وصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الى لبنان خلفاً لأموس هوكشتاين.
وبحسب "رويترز"، فإن أورتاغوس ستنقل رسالةً حازمةً إلى القادة اللبنانيين مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع النفوذ غير المضبوط لـ"حزب الله" وحلفائه في تشكيل الحكومة الجديدة". وتتضمن الرسالة ايضاً إشارة إلى أن لبنان سيتعرض لعزلة أعمق ودماراً اقتصادياً، ما لم يشكّل حكومة ملتزمة بالإصلاحات والقضاء على الفساد وكبح جماح جماعة "حزب الله" المدعومة من إيران". وكانت الحكومة اللبنانية تعرقلت في اللحظات الاخيرة بعد إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على تسمية جميع الوزراء الشيعة وحصر ذلك بالثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، في وقت يصرّ الرئيس المكلّف نواف سلام على تسمية "الوزير الشيعي الخامس" منعاً للتعطيل والعرقلة، ما يعيد المفاوضات الى المربع الاول رغم الحاجة الداخلية الملّحة لاطلاق مسيرة إعادة الاعمار ودفع العجلة الاقتصادية قدماً.
أما سورياً، فقد أعلنت وزارة الدفاع التركية عن وضع خريطة طريق من أجل تحسين قدرات الجيش السوري الجديد، فيما نفت عزمها إنشاء قواعد جوية في وسط البلاد. وأكدت الوزارة أن أولويات تركيا في سوريا، تتمثل في "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، تحقيق الاستقرار، ومنع العناصر الإرهابية، خصوصاً وحدات حماية الشعب الكردية، من مواصلة أنشطتها في شمال البلاد".
إلى ذلك، قال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة "إن سوريا منفتحة على السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية على سواحل البحر المتوسط، طالما أن أي اتفاق مع الكرملين يخدم مصالح البلاد". وأضاف أبو قصرة، في مقابلة صحافية، أن موقف روسيا تجاه الحكومة السورية الجديدة "تحسن بشكل ملحوظ" منذ سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد، مشيراّ إلى أن مسألة محاسبة الأسد أثيرت خلال زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لدمشق، دون تقديم المزيد من المعطيات.
المقترح الاميركي المتعلق بتهجير الفلسطينيين لا يزال في صدارة اهتمامات الصحف العربية وعناوينها. ففي جولة اليوم نرصد:
علّقت صحيفة "عكاظ" السعودية على مقترح ترامب بالقول إن "السياسة الخارجية الرسمية للولايات المتحدة سوف تسعى إلى الاحتلال غير القانوني لأرض ذات سيادة، والتطهير العرقي لسكانها، وهما منهج إسرائيل، ويعدان جرائم ضد الإنسانية". وأضافت، في معرض ردها، "إذا ما أراد (ترامب) أن يكون بطلاً للسلام ويحقق الاستقرار والازدهار للشرق الأوسط، عليه أن ينقل أحباءه الإسرائيليين إلى ولاية ألاسكا ومن ثم إلى غرينلاند بعد أن يضمها إليه".
ورأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "ترامب يريد ولايات متحدة أميركية أكبر من عظمى، ويسعى لتركيع العالم على الاعتراف بأنها الأقوى والأعظم على المدى من التاريخ، يريد أن يسطّر تاريخاً جديداً على طريقته الخاصة، يسعى لكي تكبر الولايات المتحدة على حساب الآخرين"، موضحة أن "ترامب يرى مستقبل غزّة، ليس شعباً مكلوماً أصليّاً مضحياّ، وليس قطاعاً مجتزأً من دولة محتلة من عام 1917 حتى الآن، إنما يراها مثلما كان يرى الأميركي الأوروبي الولايات المتحدة الأرض الجديدة من دون سكانها الأصليين".
من جهتها، لفتت صحيفة "الراي" الكويتية إلى أن "خطة ترامب تتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. كما أنها غير قابلة للتنفيذ، نظراً للمعارضة القاطعة من جانب مصر والأردن ومقاومة الفلسطينيين الثابتة لأي محاولة لإبعادهم بالقوة عن أرضهم"، مشددة على أن "خطة ترامب تحوّل مأساة إنسانية معقّدة إلى مشروع عقاري، متجاهلة الروابط التاريخية والثقافية والعاطفية العميقة التي تربط الفلسطينيين بأرضهم".
وأكدت صحيفة "القدس العربي" أن "احتلال أمريكي لغزّة وتهجير قرابة مليونين وأربعمئة ألف فلسطيني من سكانها، يشكل بداية، خرق القوانين الأممية والدولية، وحشد أسطول حربيّ، ونشر عشرات آلاف الجنود، ومتابعة ما قام به الجيش الإسرائيلي من إبادة ومعارك وانتهاكات"، معتبرة أن ذلك "يعيد أمريكا، بشكل أو آخر، إلى حقبة احتلال العراق، ويتنافى ذلك كله، بالطبع، مع أحاديث ترامب عن قيام الدول العربية بإعادة الإعمار، وكل ذلك يشير إلى خطة جنونية غير قابلة للتطبيق".
هذا وجزمت صحيفة "الأهرام" المصرية أنه "لم يسبق فى التاريخ أن طرح أحد فكرة إخراج شعب من أرضه بشكل مؤقت لإعادة إعمار هذا المكان ثم إعادة هذا الشعب إلى أرضه"، داعية إلى "التعجيل بإعمار غزّة، وأهلها فيها، لأنه سوف يجنب المنطقة ويلات لا يتصورها أحد، وستدفع الدول الكبرى من مصالحها بالمنطقة الكثير، وربما يكون من الضروري هنا التذكير بأن دولا كثيرة في العالم تعرضت للتدمير التام في الحرب ثم قامت بإعادة الإعمار دون الحاجة لطرد سكان هذا البلد أو ذاك من أرضهم ووطنهم"، بحسب تعبيرها.
إلى ذلك، تناولت صحيفة "اللواء" اللبنانية تعثر ولادة الحكومة، حيث أشارت الى أن "لبنان أمام مفترق مفصلي وحرِج، الأزمات المتشابكة تفتك بحياة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وعشرات الآلاف من العائلات فقدوا منازلهم، وإنطلاقة العهد الواعد مازالت رهينة الشروط والشروط المضادة"، متسائلة "هل ننتظر الترياق من الخارج.. للخروج من إحباط الصدمة الجديدة، كما جرت العادة؟".
(رصد "عروبة 22")